مكالمة لا تنسي – قصة قصيرة واقعية

الاثنين ١ مايو ٢٠١٧
كتبت مريم عبد الحكيم

18221908_1396783763693647_4688328350644720564_n

– الو.. مين؟

مكالمة هاتفية من رقم غير مسجل.. لستُ في حاجة للرد على أي مكالمات فلابد أنها واحدة من صديقاتي تريد أن تعرف المكان!

أمامي ساعة لن أضيعها في الأحاديث الهاتفية..

الحاح غريب من الرقم..

جاء ردي متأففاً رغماً عني.. لم أكن بالفعل في حالة تسمح لي بالرد رغم أنها المرة الرابعة التي أمر فيها بهذا الموقف.

ولكن حتى لو كانت المرة العشرين ستظل لحظات الترقب هي التي تتملكني وتسودني كلياً.

ليأتي رده على الجانب الاخر ليخبرني أنه جالس في انتظاري!

لم أكن أعلم أن الخاطرة التي كتبتها في ١٨  نوفمبر ٢٠٠٩ عقب خسارة المنتخب لأحد مبارياته الهامة أمام نظيره الجزائري ستتسبب في كل هذا!

من يكترث ببعض الهراءات التي خطتها طفلة لم تتجاوز الرابعة عشر عاماً من عمرها؟ الطفلة نفسها كانت على يقين أن ما كتبته ونوت أن تقرأه علي أقرانها في الاذاعة المدرسية في الصباح سيمر مرور الكرام ولكن لا بأس من المحاولة!

18222671_1396795317025825_3353871781935984344_nتصفيق حاد وتشجيع لم يتوقف.. مدرسو اللغة العربية يطلبون منها أن تعيد عليهم قراءة ما كتبته من جديد.. نظرات الانبهار تحيط بها وتربكها لدرجة أنها كادت أن تتعثر أثناء سيرها.

لابد من محاولة جديدة.. ولم لا؟ لنجرب ونري.. الموقف يتكرر بحذافيره.. الخاطرة لم تعد مرضية لطموحاتها.. لنجرب القصة القصيرة، المقال، حتى الرواية!

“أحببتُ جزائرياً” أولي رواياتها في سن الثالثة عشر.. حاولت أن تنشرها.. استعدت جيداً لما هي مقدمة عليه.. جمعت كل شهادات التقدير التي حصلت عليها والجوائز التي تبرهن على موهبتها الأدبية.. كلمات كبار الكتاب الذين أثنوا على أسلوبها أثناء تحكيم إحدى المسابقات التي شاركت فيها منحتها الأمل وأزالت عن قلبها الصغير الرهبة، ليزيل مديرو دور النشر من داخلها الحلم.

نطقت عيناها ببكاء مرير ونحيب يحمل آهات من قلبها الضعيف الذي حاول إقناعهم فقط بأن يقرؤوا ما تحمله بين يديها.

رفضهم القاطع جعلها أكثر إصراراً لتنتظر ونطلب من الله العون والمساندة.

17974296_1073853649387718_1315793690_n“مازلت منتظرة” كان الاسم الذي اختارته لأول أبنائها.. دعوها وشأنها هي تُطلق على كتبها لقب “أبنائي” …

سنوات طوال تحملتها حتي التحقت بكلية الاعلام جامعة القاهرة وتم منحها جائزة أفضل قصة قصيرة علي مستوي الكلية لتعيد الكّرة لعل محاولتها تفلح هذه المرة وتقنع اي دار باستقبالها بدلاً من القضاء عليها.

أطلقت دار الحكمة للنشر والتوزيع رصاصة الرحمة وكان ١٤ مايو٢٠١٥ حفل التوقيع الذي فاجأ الجميع.. مجموعة قصصية من 25 قصة قصيرة تناقش مشكلات المجتمع المصري كتبتها طالبة في الفرقة الاولي وفي الثامنة عشر من عمرها تحقق هذا النجاح وهذا الاقبال.

الجوائز تتوالى.. ردود أفعال القراء عن مجموعتها القصصية تجعلها تحلق في السماء.. إطلاق البعض عليها لقب “أصغر روائية في مصر” واستضافتها في العديد من البرامج الفضائية أربك حساباتها.

ماذا عن خطوتها التالية؟

هل ترحمها دور النشر هذه المرة أم تتجرع من جديد مرارة اليأس والانتظار؟ أتمت كتابها الثاني رواية “شاهد قبل الحذف” بعد جهد مضن.. كانت تعلم من البداية ان اختيارها لمشكلات المرأة في مصر لتسليط الضوء عليها ومحاولة التقديم الحلول ليس بالأمر السهل.. لأكن قدر المسئولية والموهبة التي منحها الله اياي هكذا قالت لنفسها.

٤ فبراير٢٠١٧ حفل توقيع مولودها الثاني.. المشهد يتكرر جناح دار ابداع ممتلئ عن اخره.. المهنئون يتتابعون.. تتذكر الاحباط الذي تعرضت له والمعاناة التي جعلت النوم يخاصم أجفانها. تضحك ملئ شفتيها وتنطلق في كتابة الاهداءات.

تحمد الله من كل قلبها على ما وصلت اليه وتدعوه أن يوفقها دائما وأن تكون كتاباتها وسيلة للإصلاح ولتقديم الرسائل التي تأسر بها قلوب وعقول القراء.

17974058_1073851729387910_1263512545_nتجلس لتحاول التقاط أنفاسها بعد التوقيع الذي استمر لساعات تنظر علي استحياء وقلبها لازال يخفق بعنف.. هي علي ثقة أن صوت دقات قلبها يسمعه المئات من زوار المعرض..

تطيل النظر الي استاذها الدكتور صفوت محمد العالم،  تتذكر مكالمته لها قبل نزولها ليخبرها أنه لبي دعوتها وحضر خصيصاً لتشجيع طالبته وابنته.

ارتدت ملابسها في ثوان معدودة.. لولا صديقتها التي قابلتها وحاولت عبثاً أن تهدئ من روعها لما كانت وصلت ولا استطاعت حتي الوقوف علي قدميها.

كتابها الثاني بين يديها والقلم يحاول دون جدوي.. من أين لها بالاهداء الذي يليق بقدر أستاذها.

كثيراً ما رأت صوره علي صفحات الجرائد وتابعت بشغف ظهوره في القنوات الفضائية وتحقق حلمها بأن تتلمذ علي يديه واليوم تلتقط معه الصور ويرفع صوته مثنياً علي موهبتها أمام الجميع.

17973963_1073853946054355_1600147989_n

تجتهد كي لا تسقط دموعها وتحيي أستاذها بحرارة.. يشير اليها بيده مودعاً.. تلقي نظرة أخيرة علي دور النشر من حولها.. تتذكر بكاءها المرير وتوسلاتها اليهم وتعود من جديد لكتابة إهداء وتبتسم استعداً لصورة جديدة مع أحد قرائها.

 

أضف تعليق