الأربعاء  ٥ يوليو
مقتنيات صغيرة مقتطف من كتاب السفر و الترحال لإيمان الأمير

ربما كان هناك أشياء صغيرة لا تلفت انتباه أحد لكنها تأتي في وقت ما لتأخذ دور البطولة. صباح مثقل بالتعب لا أقوى فيه على الحركة من موضع قدم إلى أخري. ثم أقرأ كلمة صغيرة كتبها منذ ثلاث سنوات بعثت في نفسي النشاط والدفيء.

Let your dreams run wild…. and be brave enough to follow

دع أحلامك تجري بقوة وكن شجاعاُ بما يكفي للحاق بها

تستعيد الحياة لونها الزاهي في عيني. أهب من فراشي وكأنما برئت من اﻷلم ﻷصنع كوبًا من الشاي. ثم أجد أمامي كيسًا من أكياس القهوة البيضاء بطعم الفراولة اشتريته من مزرعة الفراولة في مدينة جنتنج بن تانج في ماليزيا. تأخذني رائحته إلى هناك بعيدًا لأستعيد ابتسامات رسمت نفسها على وجهي بإتقان.

مساحات واسعة من الورود المزروعة بعناية لتتنقل بين اللافندر والياسمين لتصل بعدها إلى صوبات الفراولة اللذيذة. تحمل في يدك سلة صغيرة ومقص صغير يمكنك من جني حبات الفراولة لتأكل ما حصدته بيديك. لا زلت أسمع صوت بائعة القهوة وهي تعطيني العينة المجانية من قهوة الفراولة لتذوقها، لتملأ رائحتها روحي وتظل عالقة بها إلى الآن. عالم ساحر من النباتات والروائح الخلابة أخذني مجددًا نحو سحر الشرق البعيد.

أقرر النزول للعمل لبدء النصف اﻵخر من اليوم بإدراك مختلف.

أبحث في دولابي عن شيء أرتديه لأجد قطعة اشتريتها من بيروت استعدت معها وجه البائع الصبوح الذي باعها لي. كان مشرقًا له حديث عذب بلهجته اللبنانية المميزة. عدت إلي سحر بيروت وبهاء السير في ساحة الشهداء. الحمام يرفرف حول الساعة وسط الميدان الواسع. نغمات عربية تأتى من مقهى قريب تصدح فيه أم كلثوم بإحدى روائعها. الأضواء والألوان البهية من احتفالات عيد الميلاد تملأ الشوارع والطرقات.

التقط بعض الصور مع صديقتي وتعلوا ضحكاتنا لتملأ البهو الفسيح بالبهجة. لحظات وأقابل صديقتي المذيعة المصرية الجميلة التي رأيتها صدفة منذ يومين ليجمعنا القدر فنلتقي ثانية على غير موعد وكأنما كان موعدنا ببيروت لنتعارف ويكون لها أثر بالغ في حياتي بعد ذلك. أضواء المسجد العمري تنير عتمة الليل وتبعث الطمأنينة في النفس. يخبرك الهواء بأن رائحة المدن العربية كلها واحدة.

فتحت درجي لأختار منه خاتمًا أرتديه لتقع عيني على هذا الخاتم الفضي ذو الفص البنى الداكن لأتذكر معه سيوة واحة الغروب والشروق. تلك الأراضي الحالمة التي يأخذك سحرها بعيدًا إلى حيث الحكايات الأسطورية وأبطالها القادمين من كتب قديمة عتقها الزمن. ذلك المحل الصغير الممتلئ بالخفايا يعرض كل مقتنياته من البيئة المحلية. حيث تختفي المنتجات المكتوب عليها صنع في الصين لتحل مكانها منتجات سيوة اليدوية. أذكر أنني اشتريت منه أيضًا شالًا يحمل الرسوم السيوية بخيوط بهية الرسم والألوان. لقد نسيت هذا الشال وأنا عائدة من أوغندا في السيارة التابعة للفندق. حادثني السائق وقتها ليخبرني أنه سوف يرسله لي. أخبرته أن يعتبره هدية لزوجته وفرح كثيرًا بهذا. هاتفني بعدها ليخبرني أنها قامت بدعوة صديقاتها ليشاهدوا الشال وأخبرتهم أنها أخذته هدية من سيدة مصرية. كانت فرحتي لا توصف لأنها سعدت باقتنائه. ما زال يراسلني منذ عامين ليطمئن عليّ ويبلغني تحيات زوجته ودعواتها لي.

وجدت إلى جوار الخاتم تلك الإسورة التي اشتريتها من الطفلة السمراء عند منابع النيل. كنت أسير وحدي بين المحلات المختلفة عندما لمحت وجهها الصغير وهي تمسك ببعض السوارات الملونة. اقتربت منها فأعطتني واحدة وأخبرتني أنها صنعتها بنفسها وحدثتني عن حبها للعمل وحبها للحياة. منحتني قلبها الصغير في كل ما اشتريت. نظرت إلى السوار لأجد ملامحها البريئة تطل من كل حبة خرز.

أنهيت استعدادي للنزول وتأملت كيف أخذتني مقتنياتي الصغيرة إلى عالم كبير. إن قيمة ما تقتنيه ليست في كونه غاليًا أو باهظ التمن ولكنها الأماكن التي تمنحنا بعضًا من روحها عندما نحتاج إليها. تأمل مقتنياتك الصغيرة فلكل منها حكاية تحكيها في صمت كل يوم. اقترب منها واسمعها فربما كنت في حاجة إلى عالمها المليء الحكايات.

د. إيمان الأمير كاتبة أدب رحلات مصرية. د. الامير حاصلة علي الدكتوراة في نظم المعلومات الجغرافية ، و هي تدرس بكلية الحاسبات والمعلومات جامعة بنها. صدر لها عدة كتب في أدب الرحلات منها: ” في رحلة الحياة،”يا مسافر وحدك “، “السفر والترحال: سلسلة العين السحرية.” الواحات البحرية سلسلة الأماكن حواديت “.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **