بنتين من مصر

الأربعاء ١٨ أكتوبر ٢٠١٧
كتبت – سلمي محمود

veiledinegypt

فاطمة ومريم فتاتان مصريتان أوقعهن حظهن العثر بالتواجد في مجتمع تعاني فيه كل من تندرج تحت مسمى “انثي”، لكل منهن قصة ربما اختلفت تفاصيلها ولكنك إذا دققت النظر أكثر ستجد أن المغزى واحد وهو المعاناة!

فاطمة هو الاسم الذي اختارته لها أمها تيمنا بالسيدة فاطمة الزهراء أملا في إضفاء بعض البركة عليها كجزء من طبيعة الشعب المصري المتدين بطبعه!، ولدت فاطمة لأسرة متوسطة الحال أب موظف وأم ربة منزل، تمتعت بقدر عالي من الجمال وبراءة تسرق العيون ولكن هذا لم يكن كافياً لتحظى بحب وحنان والدها الذي ساد الجفاء في معاملته منذ لحظتها الاولى لأنه كان يمني نفسه “بالولد” الذي سيثبت به رجولته ويحمل اسمه ويساعده في عمله مستقبلاً، أما البنت فهي فرز ثاني بالنسبة له مصيرها الزواج وخدمة زوجها ولن ينتفع بها بشيء بل ستبقى كالغصة في حلقه تؤرقه لأخر حياته.

600158_img650x420_img650x420_crop

كبرت فاطمة وكبرت معاناتها معها، فجفاء والدها تحول إلى كراهية ثم إلى عنف تضررت منه لأتفه الاسباب وسط سلبية وتسليم تام بالأمر الواقع من والدتها، التي لم تساعدها يوماً بل علمتها السكوت عن حقها والخضوع لكل من هو مذكر. عانت فاطمة أيضا من تفرقة واضحة للجميع بينها وبين أخيها، فهو الولد وهذا ليس وصفا بقدر ماهي رخصة لفعل كل ما يريد دون حساب، بل ربما تتحمل هي نتيجة أفعاله، فيخطئ هو لتعاقب هي على أفعاله الحمقاء، يأمر هو لتنفذ له أوامره وتلبى طلباته، دون أن يكون لها الحق فى التذمر لأنه ببساطة “هو الولد وهي البنت”.

0*PuLyyPuJQLhNnMb0.

أجبرها والدها على ارتداء الحجاب لتحافظ على نفسها ولان كل من لا تفعل هي “منحرفة”، ورغم ذلك لم يمنعها حجابها من تعرضها للتحرش، بل منعها من التواجد في بعض الاماكن الغير مسموح لها بالدخول فيها لأنها “محجبة”.

أجبرها والدها على ترك تعليمها رغم تفوقها بحجه “أن البنت أخرها بيت جوزها”، وتفرغت والدتها بتعليمها ما هو أهم من العلم، الطبخ والكنس والتنظيف، حتى لا يفضحها زوجها وتعود لمنزلها “من أول يوم”.

childhijab

زوّجها والدها وهي ابنة الثامنة عشر من ابن عمها، رغم كل مساوئه ولكن ” الراجل ميعبوش الا جيبه، وهو جيبه عمران”، كما أضفت أمها لمستها بقائمة طويلة من النصائح تبلورت كلها حول السمع والطاعة، وأن تهتم بنفسها لأجله حتى لا يهجرها ويرحل، لا تناقشه حتى لا يتذمر، ولا تصده حتى لا تلعنها الملائكة.

 استكملت فاطمة رحلة معاناتها مع زوجها، عانت من قسوته وسوء معاملته الجافة، من تحكمه الزائد عن الحد، من شكوكه وحتى من ضعفه أمام الاخرين، وعدم وفائه، وخيانته لها. وكلما اشتكت وُجهت لها أصابع الاتهام بأن هناك عيب ما فيها دفعه لخيانتها، ولكنه ليس المخطئ فالرجل دائما على حق. لم تستطع إكمال حياتها معه وبعد صراع مع أهلها، حصلت على الطلاق، لتبدأ فصل جديد في رحلة معاناتها. عانت من نظرات الناس لها كمطلقة في مجتمع يصنفها تحت بند ” العاهرة”، يتقرب منها الرجال أملا في اصطيادها وكأنها سلعة رخيصة، وتبتعد عنها السيدات خوفا من أن تصيد أزواجهن، خاضت معارك كثيرة لم تكن تعلم أنها في انتظاراها ولم تعرف إن هناك ما زال المزيد.

أما مريم فولدت في ظروف مغايرة تماماً، أسرة ميسورة الحال، أب طبيب وأم معلمة، أحيطت بحبهم وحنانهم منذ اللحظة الأولى لولادتها. لم يفرقا بينها وبين أخواتها، زرعا في قلوبها قيمه الحق وإن كرامتها فوق كل شيء، علماها ألا تفرط في حقوقها وإن لا فرق بين رجل وأنثي. حظيت مريم بحياة تتمناها الكثيرات ولكنها لم تفلت من مقصلة المعاناة. مريم لم تكن جميلة بالمقاييس التي وضعوها، لم تكن رشيقة بل ممتلئة ولم تكن بيضاء بل سمراء، مما عرضها ذلك للعنصرية من كل من حولها، عرضها لسماع كلمات تجريح وسخرية حفظتها عن ظهر قلب، وربت لها عقدة كرهت من خلالها نفسها وجسدها وكرهت كونها “أنثي”.

 egyptian-women-harassed1

عانت مريم أيضا من نظرات الناس لها كغير محجبة، وكيف كانت تخترق نظراتهم جسدها كل يوم. وكيف حاول الكثيرين التعرض والتحرش بها، ولكنها لم تكن تسكت بل ترفع صوتها لترد لهم الصاع صاعين، ولكنها كانت تخسر في النهاية أيضا، ويوجه لها اللوم ونظرات الاتهام وكأنها الجانية وليست المجني عليها.

 أستقلت مريم بعد حصولها على عمل خارج محافظتها لتبدأ فصل جديد في حياتها حامله أمال عريضة وأحلام وردية. تبخرت أحلامها الوردية بالاستقلالية امام أحاديث الناس الجانبية عن البنت التي تعيش بمفردها، واختلاقهم قصص من وحي خيالهم عن سبب تواجدها وحيدة. هل طردها والدها لسوء سمعتها؟ هل تدير تلك الشقة لأعمال منافية للآداب؟ هل هي هاربة من فضيحة؟ حاولت ألا تعيرهم اهتمامها، الا أن سهامهم البارزة لم تكن تترك فرصة الا وتكاد تخترقها لتتركها غارقة وسط بحر من الالام والحسرة.

1

فضلت مريم أن تهب حياتها لعملها ومستقبلها المهني، ولكن نظرات الناس لها التى تحمل تساؤلات عن عدم زواجها، والشفقة التي كانت تزين أعينهم ظلت تطاردها طوال حياتها. هكذا ظلت مريم تعاني منذ بداية حياتها وستظل حتى يسترد الله وديعته منها.

قصتي فاطمة ومريم هي قصص مختلقة من وحي خيالي، ولكني اعلم كل العلم إن هناك ملايين الفتيات تعاني نفس معانتهن وأكثر تحت مسميات مختلفة وقصص أغرب. فكل من تحمل صفة أنثى تعاني معاناة يختلف توصيفها، ولكن نتيجتها واحده. لا يهم ان تكوني محجبة، منتقبة، غير محجبة، رفيعة، سمينة، قصيرة أو طويلة ستنالك مقصلة المعاناة بلا رحمة.

منذ فترة كتب أحدهم عبر الفيس بوك سؤالا للفتيات عن أبرز المشاكل التي تواجههن بحكم جنسهن، ووجدت سيلا من التعليقات تتضمن تحرش، عنف، تحكم، كلام الناس، تفرقة وغيرها من القضايا التي قصصها يندي لها الجبين.

c9abe88b-b605-4d7a-bc02-b483974fd37c

فمعنى كونك بنت هو وجودك دائما في قفص الاتهام. انتي الملامة والمخطئة، حتى لو كنت صاحبة حق. عندما يتحرش بكى أحدهم فلبسك الملفت هو السبب أو نظرتك أو.. او.. لن يثور أحد على المتحرش أو يحاسبه على خطئه، بل سيقلبون الطاولة عليكى ويلوموكى إن فكرتي في الدفاع عن حقك.

 إن خانك زوجك، انت الملامة أيضا، فحتما هناك عيب بك دفعه لخيانتك. إن حرمك الله من الانجاب، فلا مانع من أن يتركك زوجك ليتزوج بأخرى لأنه حقه الشرعي. أما أن فعلتي أنت ذلك فستتهمين بانك “مش بنت أصول”. يخطئ الراجل ويجد آلاف التبريرات، أما انت، فإن الخطأ الصغير ليس واردا، فان فعلتي فربما يتم رجمك حيه!

Egypt-women-bikers-MAIN

انت غير محجبة، إذا انت عاهرة، محجبة لبسك ملفت ولا يصلح للحجاب فإيمانك ناقص، منتقبة تعنى ارهابية، مطلقة “ماشية على حل شعرها” تجاوزتِ سن الـ ٢٥؟ إذا أنت عانس في قاموسهم، ولا مانع من بعض العنصرية ان كنتي سمراء أو ممتلئة قليلا! أما السفر والعمل والفسح وركوب الدراجات والضحك فكلها أشياء بسيطة تندرج تحت مسمى “عيب انت بنت”!

هذا هو ما نعيش فيه بل وأكثر، فحديثي هنا جزء صغير من المعاناة التي نتعرض لها منذ المهد حتى نرحل عن عالمنا البائس هذا، قدر لنا المحاربة منذ اليوم الاول في كل شيء صغير كان أم كبير. نحارب أعدائنا من الجهة الاخرى وبنات جنسنا أيضا، هذا أو نتحول الى قطعة جماد، عروسة ماريونت لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم، يتم تشكيلها لتناسب رغباتهم وتسير وفق أهوائهم. نسمع لنطيع، نُظلم لنسكت، يأخذون حقنا لنبتسم. هذا ما يردونه وهذا هو قدرنا الذي يبدو أننا سنظل نعاني منه إلى أن تنتهي حياتنا ونرحل.

 إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق