وكالعادة مرت احتفالات اليوم العالمي لمنع الحمل مرور الكرام

الأربعاء ٢٢ نوفمبر
كتبت – شروق إسماعيل

foto_0000009320140416211642

حمل يوم ٢٦ سبتمبر الماضي حدثًا عالميًا هامًا وهو اليوم العالمي لمنع الحمل، إلا أنه على الصعيد المصري اقتصر الاهتمام به فقط على ندوات ومؤتمرات رسمية بتغطية معتادة لوسائل الإعلام، مرت كالعادة دون أن ينتبه إليها أحد. واليوم العالمي لمنع الحمل قد خصصته منظمة الصحة العالمية منذ عام ٢٠٠٧ للتوعية بأهمية تنظيم الأسرة للحد من الزيادة السكانية، وكذلك الاهتمام بصحة الأم لإنجاب أطفال أصحاء.

على المستوى الرسمي في مصر، تتكرر تصريحات المسئولين بوزارة الصحة والسكان كل عام عن أهمية نشر ثقافة تنظيم الأسرة، لخفض معدلات المواليد، ولكن هل من جدوى؟ بحسب ما صرحت به الدكتورة سعاد عبد المجيد، رئيس قطاع السكان وتنظيم الأسرة، فلقد أصبح تعداد المواطنين المصريين في الداخل والخارج حوالي ١٠١ مليون نسمة، بمعدل ميلاد طفل جديد كل ١٥ ثانية. ولكن ما لاحظناه هذا العام هو أن نبرة الاهتمام بتنظيم الأسرة زادت حدتها -حكوميًا-  كون الزيادة السكانية تشكل عائقًا قويًا ضد حركة التنمية والإصلاح، وهو الاتجاه الذي تبنته الحكومة في الفترة الأخيرة.

11565095551476434012-e1511146563910.jpg

موروثات قديمة.. شعارات مطاطة.. حملات ساذجة.. اختفاء الوسائل، هذه هي ٤ عبارات تلخص ماهية حملات تنظيم النسل، والتي لكي تؤتي بثمارها المرجوة لابد أن تترجم لواقع، وليس فقط أرقامًا تقدم على الشاشات، بعدما سجلت مراكز تنظيم الأسرة هذا العام زيارة ١٥ مليون و١٩ ألف سيدة بدون فائدة حقيقة. ما رصده الجهاز الرسمي للتعبئة العامة والإحصاء في التعداد السكاني الأخير حمل عدة أرقام هامة، لعل أبرزها هو زيادة عدد السكان خلال العشر سنوات الأخيرة نحو ٢٢ مليون نسمة، لتحتل مصر المركز الـ ١٣عالميًا كأكثر الدول كثافة سكانية. هل تسألنا لماذا لم تنجح حملات تنظيم الأسرة طوال تلك الفترة، رغم كثرة الإعلانات والقوافل؟ لكي نعرف الإجابة لابد من مصارحة أنفسنا حكومةً ومواطنين بالأسباب الحقيقية.

يتابع المواطن المصري تصريحات وزراء الحكومة عن أن الزيادة السكانية هي السبب الرئيسي لعدم شعوره بأي خطوة نحو الإصلاح. وتتفاوت ردود أفعال المواطنين على تلك التصريحات ما بين السخرية منها والهجوم عليها. فدومًا ما تتركز كلمات المسؤولين على فكرة واحدة هي أن تنظيم الأسرة أمرًا إلزاميًا علي المواطن ولن يجد أي تحسن في أحواله المعيشية بدونه.

151

فها نحن نرى وسائل الإعلام تحذو حذو المسؤولين، وتمارس ضغوطها على المواطنين بتكرار البيانات بأن المواطن لن يتمكن من العيش بمستوى جيد ما لم يقتصر إنجابه على طفل أو أثنين على الأكثر، و يتم هذا بشكل أشبه بفرض الوصاية، لا عن تراضٍ منه. مثل هذا الضغط بحوارات تتم داخل برامج الـ “توك شو” و”المرأة”، يجلب دومًا نتيجة عكسية قد تؤدي الي دخول بعض المواطنين في حالة عناد مع الدولة في الاتجاه الذي تتبناه لخفض عدد المواليد.

الدولة تضع تنظيم الأسرة كحل أساسي لجميع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وهذا صحيح ولكن ليس بشكل كلي نظرًا لوجود عوامل أخرى غيرها، ولعل دولة الصين ذات ١،٣٥ بليون نسمة خير مثال لدحض تلك الحجة، لأنهم تمكنوا من استغلال الإمكانات البشرية بالشكل الصحيح. أقول هذا بعد التصريحات الصادرة من الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، والتي صرحت في لقاء لها على إحدى القنوات التليفزيونية، “أن نسبة الخصوبة في الصعيد مرتفعة ونعمل على تعطيلها.”

photoعلى رئاسة الوزراء بدلًا من تصريحات مسؤوليها الساخنة التي تتداولها الصحف لإثارة البلبلة عليها، أن تتحدث مع المواطنين بوضوح وشفافية، وتقدم لهم كافة الوسائل المقنعة كمؤتمرات وقوافل توعوية تجوب الأنحاء يقودها شخصيات بارزة من مختلف المجالات لتوضيح حقيقة تأثير الزيادة السكانية السلبي على الإصلاح الاقتصادي وطرق علاجها. كذلك في هذه الحملات يجب التوضيح للمواطنين الفرق بين مفهومي تنظيم الأسرة وتحديد النسل، فمن المهم مخاطبة المواطن بما يؤكد له أن فكرة التنظيم ليست فقط حلال دينيًا، بل هي محبذة جدًا في مثل تلك الظروف التي تمر بها البلاد.

لكن الدولة دومًا تروج في حملاتها أن إنجاب طفلين فقط هو سر سعادة الأسرة، وهو مفهوم خاطئ لأنه يروج بمنع حدوث الحمل نهائيًا – بعد إنجاب الطفل الثاني – وليس تأجيله، وهو ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية، مما يقابله بعض المواطنين بالرفض التام. لابد إذا من توضيح كيفية تنظيم النسل بتأخير الإنجاب والفصل بين كل طفل والآخر بأعوام عدة، حتى لا يتم الخلط بين منع الحمل والتنظيم.

بالطبع الدولة لديها عذر نسبي في التعامل مع وضع معقد بهذا الشكل، بالإضافة إلى مواجهتها موروثاً شرساً، وهو ثقافة “العزوة والولد” في المجتمع الريفي والصعيدي، وهي مسألة صعبة المواجهة وتحتاج إلى وقت طويل لتغيير ذلك الإرث المتأصل في جذور عائلاتها، التي تشجع نساءها على الإنجاب المستمر، وحتى وإن لم يكن لدى رب الأسرة القدرة على الإنفاق على جميع أبناءها. لذلك على المسؤولين أن يضعوا في حسبانهم التعامل مع الأمر بشكل يجعل المواطن ينجذب للفكرة، عن طريق توصيل المفهوم الصحيح لتنظيم الأسرة وشرعيته دينياً، وهو ما بدأت فيه دارالإفتاء المصرية مؤخراً من توضيح اللبس في هذا المفهوم والتأكيد على أنه حلال.

FRANCE-INQUIRY-HEALTH-PHARMACEUTICALS-CONTRACEPTION

أما محاولة تفعيل الحملات على مستوى مراكز تنظيم الأسرة نفسها فهي مخيبة للآمال، خاصةً بعد إغلاق العديد منها في النجوع والقرى، وتحول البعض منها إلى مرتع للحيوانات، والبعض الآخر لم يعد مؤهلًا لاستقبال ومساعدة السيدات. وعلى الرغم من الصورة القاتمة بشأن حملات تنظيم النسل، إلا أن بعض المواطنين على دارية كاملة بها، لكنهم يواجهون مشكلة كبرى، وهي أزمة توافر وسائل منع الحمل بكافة أنواعها، سواء في مراكز الصحة الحكومية أو على مستوى الصيدليات الخاصة، نتيجة لارتفاع سعر الدولار.

كيف تريد الدولة أن يهتم المواطن بترشيد الإنجاب وهو لا يملك حتى الوسائل لتنفيذ هذا؟ جاء رد وزارة الصحة والسكان على هذه المشكلة بأنها تمتلك نسبة ٦٠٪ من حجم وسائل منع الحمل، وتسعى جاهدة لتوفيرها كاملة، كما أشارت إلى أن المخزون الاستراتيجي لها يكفي لمدة عام كامل، مع وعد بمواصلة استيرادها بالشكل المطلوب.

لا يجب أن يمر ٢٦ سبتمبر كحاله في الأعوام السابقة، بل نأمل هذا العام أن نرى حراكًا وجهودًا مبذولة وحملات تتناسب مع ظروف المجتمع، يصاحبها خطاب مقنع ومواكب للتطور التكنولوجي، لكن هل سيتحقق هذا أم سيظل المسؤولون يتحججون بالميزانية ويبررون نتائجهم المخيبة بأسباب كلنا يعلم أنها واهية؟

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق