مستقلة برتبة منحرفة

الأحد ١٠ ديسمبر ٢٠١٧
كتبت – سلمي محمود

catallergies-feat

منذ أيام قليلة بدأ عرض مسلسل سابع جار. استحوذ المسلسل على اهتمام الكثيرين وحظى بنسبة متابعة مرتفعة منذ اليوم الأول لعرضه بسبب الأجواء الأسرية المسيطرة على أحداثه والقضايا الاجتماعية التي يناقشها. انجذبت له وبدأت بمتابعته انا أيضا مجاراة «للترند». لفت نظري منذ اللحظة الأولى شخصية «مي»، فتاة متمردة مستقلة تعيش في منزل منفصل بعيداً عن أهلها وتستغله في نفس الوقت كمكتب هندسي تعمل به بصحبة زميلها. تعاني مي من نظرات سكان العمارة لها كفتاة منحرفة لتواجدها بمفردها بصحبة شاب، بالرغم من أنه زميلها في العمل، الا انها لا تزال «شبهة» يجب البعد عنها حتي لا تتلوث سمعتهم مثلها.

توقعت أن يناقش المسلسل قضية المستقلات، أن يعرض معاناتهن، أن يحاول اظهار الصورة الحقيقية لهن بعيداً عن الكذب والافتراءات التي يتعرضن لها، ولكن للأسف سار المسلسل على حذو غيره من الأعمال الفنية السابقة التي صورت الفتاة المستقلة كفتاة منحلة تعيش بمفردها، فقط لتفعل ما يحلو لها بعيدا عن أعين عائلتها.

في مجتمعاتنا العربية مازالت فكرة إستقلال الفتيات من الموضوعات المحظورة التي يمنع الحديث فيها، وتعد مناقشتها من الأمور الغير المرغوب بها، حتى بعد الثورة الفكرية والتغير المجتمعي الذي حدث عقب ثورة يناير، مازالت الفكرة تمثل بعبع للكثيرين، مهما كانت ثقافتهم ، فبمجرد أن تذكر أمامهم «بنت مستقلة»، سرعان ما تنقلب المناقشة إلى مشادة عنيفة، تنتهي بالحكم بأن ذلك الأمر ضد العادات والتقاليد والدين ويجب منعه وعدم تشجيعه حتى لا تعم الفاحشة أرجاء المجتمع.

o-SINGLE-WOMAN-facebook

فكرة الاستقلال في مجتمعنا مختلفة عن المجتمعات الأوربية، ففي الوقت الذي تترك الفتاة الاوروبية بيت أهلها بحثاً عن ذاتها وسعياً وراء تكوين مستقبلها، نجد في مجتمعنا، باستثناء فئة قليلة من الطبقة الميسورة، أن فكرة الرستقلال ترتبط غالبا بمأساة أو دافع قهري يدفع الفتاه إلى اتخاذ ذلك القرار الصعب، كالهروب من تسلط والدها أو معاملة زوج امها السيئة، أو الدراسة أو البحث عن فرصة عمل، أو غيره، وبرغم ذلك لا تفلت أياً منهن من مقصلتهم وأحاديثهم القاسية.

تعاني الفتيات المستقلات في مجتمعنا من العديد من المشكلات التي تبدأ منذ تفكيرها باتخاذ تلك الخطوة، ولا تنتهي حتى إذا قررت إنهاء التجربة والعودة لأحضان والديها. تبدأ معاناة الفتاة أولا بمحاولة إقناع أهلها بفكرة الاستقلال، والتي غالباً ما تكون صعوبه هذه المهمة أشبه بمهمة انتحارية، فكيف لفتاة صغيرة تعيش في مجتمع شرقي، لا تشعر فيه بالأمان معظم الوقت، ولا تمتلك الخبرات الحياتية – كيف لها أن تقنع أهلها بأن تقيم بمفردها بعيدا عن أعينهم. إقتناع الأهل ليست بالسهولة التي قد يتخيلها البعض، فالأمر لا يتعلق فقط بالخوف عليها، وإنما يشمل أيضا نظرة الناس، والعادات والتقاليد ، بالإضافة الي تخوفهم من أن تسلك سلوكاً خاطئا بعيداً عن أعينهم.

إذا حالف الفتاة الحظ وأنهت الامتحان الأول بنجاح، فغالبا ما ستواجه إمتحانا آخر أكثر صعوبة، وهو إيجاد مسكن مناسب لها. البحث عن مسكن في منطقة آمنه بسعر متهاود وجيران محترمين، أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش. إن وجدت ميزة لن تجد الأخرى، فالشقة المناسبة الواقعة في منطقة راقية غالبا ما تكون مرتفعة الثمن لن تقدر فتاة في مقتبل حياتها على تدبير نفقاتها، و المنخفضة الثمن غالبا ما ستكون في منطقة نائية غير آمنة.

shutterstock_134955680

بعد استقرارها تجد الفتاة أمامها تحد جديد، وهو إيجاد فرصة عمل مناسبة تستطيع من خلالها تدبير نفقاتها والإنفاق على نفسها. والعمل هنا له شروط، فهي لا تستطيع أن تقبل أي عمل «والسلام»، فهي تبحث عن عمل  ثابت يدر دخلاً مرتفعاً، ويضمن لها تغطية مصروفاتها واحتياجاتها، وهذا قد يدفعها الي قبول عمل أقل من مؤهلها الدراسي أو لا يتناسب معها، ولا تحقق ذاتها من خلاله.

أما أكبر التحديات التي تواجهها الفتاة التي ترغب في الاستقلال فهي نظرة المجتمع لها. هذه الفتاه تعاني من نظرات كل فئات المجتمع من حولها؛ بدءاً من بواب العمارة الذي يرمقها بنظرات تساؤل وشك وريبة في آن واحد، وتسمع همزاته ولمزاته أثناء دخولها وخروجها، مرورا بسكان العمارة الذين تتنوع نظراتهم بين الحقد والرغبة والاحتقار، بالإضافة إلى همساتهم عنها والتي غالبا ما تكون قصصا نسجها خيالهم حول الفتاة الهاربة من أهلها، أو التي تمارس عملاً منافيا للآداب، أو المختفية من حكم ما! وزملائها الرجال في العمل يتعاملون معها كفريسة سهلة يحاول كلاً منهم نصب شباكه حولها لافتراسها، وقد تستغلها زميلاتها في فعل ما يحلو لهن بعيدا عن الأعين بحجة إقامتها منفردة.

remedios-para-el-cuero-cabelludo-seco-2

وبالرغم من كل ما يتعرضن له، فانهن يواصلن مسيرة الكفاح والعمل وإثبات الذات بعيداً عن قسوة المجتمع ونظرته الظالمة لهن، وهذا ما وجدته فعلياً بعيداً عن الشعارات والخطب الزائفة أثناء تصفحي لجروب على الفيس بوك يدعى «femi-hub ». هذا الجروب يتكون من مجموعة من الفتيات المستقلات، لكل منهن حكاية وأسباب مختلفة دفعتها للاستقلال. وفي هذا الجروب تعرض الفتيات تجاربهن مع الاستقلال، وخبرتهن التي اكتسبنها من العيش منفردات بعيداً عن أسرهن، ويساعدن من خلاله من يرغبن في تكرار التجربة، ويحاولن توفير فرص عمل لهن، وإيجاد مساكن مناسبة. والاهم من ذلك هو عرضهن للجانب الايجابي من تجربتهن، مثل كيف ساعدهن الاستقلال على تحمل المسئولية ومعرفة حقوقهن وواجباتهن، وتفهمهم لمعني الحرية التي يضعن قوانينها وشروطها بأنفسهن بعيدا عن القيود المفروضة عليهن من جميع الاتجاهات. لقد ساعدهن الاستقلال على التحول من مجرد فتيات صغيرات لا تعرفن عن الدنيا الا القليل إلى أخريات ناضجات يمتلكن تجارب حياتيه قد لا يمتلكها من عاش مئة عام كاملة.

تختلف التجارب وتتنوع الأسباب وتبقى المعاناه واحدة لكل من تحمل لقب «مستقلة» مهما اختلفت ظروفها، فإن لم تتغير ثقافة المجتمع ونظرته تجاه الفكرة ستظل قضية الاستقلال قضية شائكة تحتاج الي الكثير من الوقت والجهد لتغير مفهومها في نفوس وأذهان الكثيرين، وستظل الفتيات، يعانين ويصارعن في مختلف الاتجاهات للحصول علي حقهن في الإستقلال.

 إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق