أنقذينا يا ست أمينة

الأربعاء ٤ أبريل ٢٠١٨           كتبت –  جيهان جمال

d8a2d985d8a7d984-d8b2d8a7d98ad8afرواية “انا حرة” للكاتب إحسان عبد القدوس والتي تدور احداثها في عام ١٩٥٢، تحولت الى فيلم سينمائي في عام ١٩٥٩، لعبت فيه الفنانة لبنى عبد العزيز دور شخصية أمينة، بطلة الرواية، الفتاة المتمردة على تقاليد المجتمع، التي لا تبحث عن عريس وتفضل ان تعيش حرة. ‎هذه الشخصية وبالرغم من تشابه اسمها مع الست أمينة زوجة السيد أحمد عبد الجواد (سي السيد) في ثلاثية نجيب محفوظ والتي تدور احداثها بداية من عام ١٩١٧، الا ان الشخصيتين مختلفتين تمام، شكلا وموضوعا.225px-anahorra

على عكس “أمينة” احسان عبد القدوس، فان الست أمينة زوجة سي السيد والتي يضرب بها المثل حتى يومنا هذا للمرأة المقهورة مهيضة الجناح، كانت تعيش في كنف رجل لم ترى منه غير بٓرم الشنب والسهرات الحميمة عند الست جليلة العالمة، والقسوة والاستبداد في التعامل معها ومع اولادها.‎ادى الفنان يحيى شاهين دور سي السيد ببراعة شديدة، فكرهت النساء صورة هذا الديكتاتور ونفروا منه.

.ولكن مع مرور الوقت، اهتزت صورة سي السيد في نظر السيدات ولم يعدن يهبنه، وشيئاً فشيئاً وضعنه جانبا سواء بكامل أرادته أو رغماً عن شنباته.  ‎ولو نظرنا لارتفاع اعداد المرأة المعيلة في مجتمعنا لأدركنا أنه كان لزاماً أن يركن بعض الرجال على جنب.

‎لو عقدنا مُقارنة بين شخصية الفتاة المتمردة “امينة” في رواية “أنا حرة” وبين شخصية “الست أمينة” ‎في ثلاثية نجيب محفوظ، سنضع أيدينا على بعض من الأسباب التي ادت الى تصدع صورة سي السيد في نظر الكثير من السيدات.  اولا يجب ان نُدرك أنه كان هناك دوماً خيط رفيع يربط بين هاتين الشخصيتين، ‎هذا الخيط هو الحُب والحُرية، فقلب المرأة المُتدفق بالعاطفة والمُتسع ليظلل بالمحبة على الجميع كان هو وجه التشابه بينهم. ‎

4-2قلب الست أمينة أتسع للجميع بما فيهم ابن زوجها، ولعدم تفرقتها في حبها للجميع كبر الاخوة والاخوات كُعصْبَة واحدة ليعيشوا هُم وأبيهم تحت جناح قلبها الكبير، هي لم تُرغم على هذا الحب والعطاء رغم القهر والمعاناة من استبداد هذا الزوج وقسوته مع الجميع. ولكن انصافا للحق كان للسيد عبد الجواد مواقف تُحترم، متمثلة في الإمساك بزمام العيلة وأن كان هذا الإمساك غارق في قسوة تشوبها أنانية مُفرطة. هذا الرجُل بالرغم من نزواته وقسوته الظاهرية، الا ان مشهدي انكساره على ابنه المنحرف مثله بغرام الراقصات، ومشهد استشهاد ابنه اظهرا ما كان يخفيه في قلبه تجاههم وتجاه بيت لم يقصر ابدا في مسؤولياته المادية، عكس رجال كثيرين اليوم يجرون وراء نزواتهم ويتعاملون مع مسؤولياتهم الاسرية بللا مبالاة، وقد يكون البيت أخر اهتماماتهم، إن لم يكن عند معظمهم غير موجود بالحسبان اصلا.

8في ثلاثية نجيب محفوظ لم تحمل الست أمينة هٓم مصروف بيت والتزامات أُسرة أو الخروج لشراء متطلباتهم أو الجري اللاهث وراء الأولاد ودروسهم وتدريباتهم وزيارات الأطباء وما إلى اخر ذلك من مسؤوليات. كذلك تعايشت مع استبداد زوجها حين ارتأت بطريقتها الخاصة أن لها دوراً أكبر ألا وهو الحفاظ على البيت والأولاد، وبالرغم من اعتراضنا جميعاً كنساء على هذا القهر الذي عانت منه مع هذا الرجل الأناني المُستبد، الا اننا لا يمكن تجاهل دور الست امينة في تربية اولادها، هذا الدور الذي جعلها خلاقة بطريقتها الخاصة.

 . ‎أٓمٓا الأستاذة أمينة في رواية “انا حرة” ، فعلى الرغم من مفهومها الخاطئ في البداية عن الحرية، إلا أنها حين طرق قلبها الحُب عرفت أن الحرية لها هدف فصححت مسار الحياة بتحديد هذا الهدف ، و الذى لم تٓكُن بسببه الأستاذة رافضة للأسرة و الاستقرار، هي أحبت وتمنت أن تُحقق ذاتها أولاً وتصنع من نفسهٓا كائن مستقل له عالمه الخاص غير إتكالى على الرجُل ، ومن هنا سيتحقق لها الهدف الأعظم في القدرة على تكوين الأُسرة الداعمة لمجتمع حُر.

549‎الأستاذة أمينة كانت هي الأُخرى خٓلاقة بطريقة أكثر عُمقاً وإيجابية، ايمانا بحلمها بِخلق أجيال تُمثل كيان واحد من الرجال والنساء لا تقبل القسمة على أتنين، وهذا كان سِر كثير من النجاحالذى رُبما صاحب بعض من سيدات ورجال أجيال الخمسينيات والستينيات للحفاظ على كيان الأسرة، وكانت هذه سِمة وطبيعة معظم بيوتنا المصرية.

للأسف لم يدم هذا الهدف، سنجد أن ما حٓدث فيما بعد من تفكك كان عكس ما ارتأت الأستاذة أمينة التي كانت تريد مجتمع مُتكامل يتحمل فيه الرجال والنساء المسؤولية على السواء. فجرأة أمينة وثقتها بنفسها في رواية “انا حرة” كانت لأجل خلق مجتمع مستنير يصنع كيان واحد متوحد تحت راية العلم والمشاركة الأُسرية والحياتية الواجب. ‎ما كان أبداً لأجل التمرد من اجل الوصول الى الوضع الذي وصلت اليه المرأة اليوم، متحملة المسؤولية بمفردها على حساب أعصابها وصحتها وأنوثتها التي دُهست تحت أقدام المسئوليات المُتعددة.

40817_425041417856_3146999_nوكانت نتيجة ما يحٓدث اليوم بعد استفحال بطش سي السيد، وبعدما رفع يده عن ممارسة دوره كرب للعائلة، سواء بالفرار لزوجة اخرى أو وجوده الغير مرئي، ان اشهرت “أمينة” سيفها في وجه هذا الرجُل ‎وطردته هي الأخرى من جنتها المزعومة، وقامت بخلعه ومرمطته وحرمانه من رؤية المساكين الذي كان حظهم البائس أنهم نشاؤا في مجتمع اختلطت فيه القيم والمبادئ والمسؤوليات،‎ليستمر مسلسل بحثنا وراء الأسباب التي دفعت لذلك.

‎واليوم نقف حيارى امام بيوت دخلت غرف العناية المركزة ‎وبيوت تحتضر ‎وأخرى شُيعت إلى مثواها الأخير، وفي ظل الغلاء الفاحش أصبح كل من الزوجين ‎يرمى بالمسئولية على الأخر، بدلا من تحمل الطرفان الشراكة الكاملة، من أجل هذا الكيان الذي ارتضوا به ‎أو وضعتهم الأقدار فيه ألا وهو الأسرة، نحن نعيش في زمن صعب ويجب على الجميع اعادة ترتيب اوراقهم والا النتيجة ستصبح اكثر كارثية مما نعيشه على مدار بعض السنوات الفائتة.

أضف تعليق