ماجدة صالح: قصة أول بريما باليرينا في مصر

الثلاثاء ٩ أكتوبر ٢٠١٨                 كتبت : ايجيبشن ستريتس ترجمة: رحمة ضياء

magdasaleh
ماجدة صالح –  “جيزيل” (الفصل الثاني) ، ستديو ألبان ، شارع قصر النيل ، القاهرة ، ١٩٦٨

مرت الهوية المصرية بعدة مراحل.  ومنذ عصر مصر القديمة وصولا إلى تأثير الحضارات القبطية والإسلامية لايزال السؤال عما يشكل ما هو “مصريا” محيرا جدا.

غالبا ما ينسب الرقص المصري، على سبيل المثال، إلى الدراويش الراقصين في حركات دائرية (الموالوية)، والتحطيب والرقص الشرقي. وليس من الشائع أن يسمع أحد عن راقصة باليه مشهورة مثلما يحدث في موسكو أو باريس. لكن في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، لاقي الباليه أول ازدهار له مع صعود النفوذ السوفيتي والطفرة الثقافية التي حدثت في ذلك الوقت.

في خضم كل هذا، شهدت مصر ولادة أول بريما باليرينا أو (راقصة أولى) مصرية على الإطلاق: ماجدة صالح. كانت قصة هذه الباليرينا في قلب كافة التغيرات الدراماتيكية التي حدثت في مصر، من تراجع النفوذ البريطاني، إلى ثورة ١٩٥٢، وأخيرا إلى حرب أكتوبر ١٩٧٣، وكل هذه التغيرات كان لها تأثير كبير على مشوارها المهني كراقصة باليه. وتقول ماجدة صالح، “كان من الصعب للغاية السعي وراء هذا الحلم، وأنا أدين بالفضل لوالداي لدعمي طوال الطريق،” وتضيف: “كنت أدرس الأدب الإنجليزي في جامعة عين شمس بجانب رقصي، لذلك تطلب الأمر الكثير من العمل الجاد والعزيمة، لكنني كنت محظوظة للغاية لأن والداي شجعاني”.

saleh
ماجدة صالح وزميلاتها الاربعة أمام مسرح البولشوي: ديانا حقاق ، وعليه عبد الرازق ، ومايا سليم ، وودود فبظي.

ولدت ماجدة صالح لأب مصري وام أسكتلندية، وكانت من أول من تعلم على يد مدربين بريطانيين خلال الفترة الملكية المصرية. ولكن بعد أحداث ثورة ١٩٥٢ وانتقال مصر من النظام الملكي إلى الجمهوري، بدأت مسيرتها في الباليه تأخذ مسارا جديد كليًا. أنشأ وزير الثقافة الجديد ثروت عكاشة أكاديمية للفنون تضم معهد عالي للباليه في عام ١٩٥٩، والذي تصوره كحجر أساس في الوزارة الجديدة لتعليم وتخريج الفنانين المحترفين. وتقول عنه صالح: “كان أحد أبناء مصر العظماء. وزارة الثقافة اليوم هي ما  عليه الآن بسببه. وكان تأثيره كبيرا عل الأحداث، ذلك لأنه كان لديه رؤية وخطط للمستقبل.”

في عام ١٩٦٣، حظي خمس طلاب من المعهد بمنح للدراسة في أكاديمية بالية البولشوي في الاتحاد السوفيتي، وعندما عادوا، أنتجت فرقة باليه القاهرة أول عرض لها، كتبه بوريس أسافييف، وهو نافورة باخشيساراي. كانت التجربة الأولى لفرقة الباليه مدهشة، وتصف صالح نجاح العرض الاول بأنه كان “رائعا”، إلى درجة أنه للمرة الأولى في تاريخ مصر، منح الرئيس جمال عبد الناصر الراقصين وسام الاستحقاق. “كل الراقصون كانوا مصريين، وكان المحترفون الوحيدون هم فقط أنا وزملائي الآخرين”، وتضيف: “اليوم، توظف فرقة باليه القاهرة الكثير من الراقصين الأجانب، ولا أعرف لماذا، لأنهم يجب أن يُخَرجوا المزيد من الراقصين المصريين. “

img411-2-dragged
ماجدة صالح: دونكيشوت – موسكو

ومع تتابع المزيد من العروض، تمكنت صالح من الوصول إلى قمة نجاحها لتصبح أول بريما باليرينا (راقصة أولى) في مصر. وكان الحدث الذي لم يسبق له مثيل هو دعوتها من قبل وزارة الثقافة السوفييتية للقيام بجولة في الاتحاد السوفييتي مع شريكها عبد المنعم كامل، حيث شاركت بالرقص كفنانة زائرة مع فرقة البولشوي في موسكو وفرقة كيروف للباليه في لينينجراد.  ولكن مرة أخرى، بدأت مصر تواجه تحديات جديدة وتبديل المسارات. كان الروس الآن يحزمون حقائبهم للعودة إلى ديارهم، إذ قرر الرئيس السادات طرد المستشارين السوفييت في السبعينيات وقطع العلاقات مع الاتحاد السوفياتي. وبعد ذلك بعام، أحرقت دار الأوبرا الملكية في القاهرة، مما ترك أملاً ضئيلاً في إنعاش فن الباليه من جديد.

ومع رحيل العديد من زملائها في الرقص لمواصلة مسيرتهم في فرق روسيا وأوروبا، غادرت صالح إلى الولايات المتحدة للحصول على درجة الماجستير في الرقص الحديث من جامعة كاليفورنيا، ثم الدكتوراه من جامعة نيويورك. في عام ١٩٨٣، عادت إلى القاهرة للعمل كعميدة في المعهد العالي للباليه، ثم مدير مُؤسس لدار أوبرا القاهرة الجديدة، والتي أعيد افتتاحها بنجاح في عام ١٩٨٨. وهي تقيم حالياً في نيويورك مع زوجها عالم المصريات جاك جوزيفسون.

IMG_2095
ماجدة صالح : دونكيشوت – موسكو

وتقول صالح، “بالنظر إلى الاضطرابات الحالية، أعتقد أنه من الإعجاز أن (المعهد العالي للباليه) لا يزال موجودًا، حيث يوجد حاليًا قوتين متعارضتين تتصارعان على روح [هوية]  مصر .” وتضيف صالح، “هناك مقولة لصديق لي توفى مؤخرا، وهو الملحن المصري حليم الضبع. قال: ‘إذا خدشت (خربشت) مصريا، ستجد [تحته] مصريًا قديمًا’ مما يعني أن لدينا جوهرًا عميقًا يرتبط بتاريخنا القديم، وأنا آمل أن يكون كلامه على صواب ، لأن ذلك يعني أنه لا يزال بإمكاننا  الازدهار من جديد على الرغم من التحديات”.

اليوم، لا تزال هذه الروح موجودة في شوارع مصر، وظهور صفحة “باليرينات القاهرة”، وهي صفحة علي فيس بوك واسعة الانتشار، تُذكر المصريين والراقصين الشباب بأن مستقبل الصوت الفني المصري لا يزال حياً إلى حد كبير.

المقال كتبتها ميرنا عبد العال لايجيبشن ستريتس 

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

One comment

أضف تعليق