ليست هى العمياء … بل أنتم من لا تبصرون

السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٩             كتبت ــ نيرة حامد

Nawal-High-Resolution2

منذ عدة أيام طلعتنا الصحف بخبر مفاداه ان الدكتورة نوال السعداوى قد تفقد بصرها على إثر خطأ فى جراحة قد أجرتها فى العين، وهذا ما نفته  ابنتها منى حلمى فيما بعد. وكان لهذا الخبر ردود أفعال متفاوتة علي صفحات فيس بوك، بعضها حمل مظاهر كراهية وشماتة.

نوال السعدواى اسم تردد على مسامعى منذ كنت صغيرة وكان دائما مقرون بتعليقات سلبية، فكانت هى السيدة الكافرة او الملحدة ، وكانت هى السيدة المارقة المعقدة، والعميلة من الخارج “بتاعة” امريكا والغرب ووالتى تريد هدم  قيمنا وتجعلنا منحلين مثل الغرب، واخيرا سمعت يوما من شخص ان اؤلئك السيدات المشغولات بالأمور النسوية وحقوق المرأة وما غير ذلك هن فقط الدميمات وضرب مثل بنوال السعدواى . فى ذلك الوقت لم يعنى لى هذا الاسم وما يثار حوله اى شىْ .

مرت ايام وايام وكبرت وبدأت شيئا بشىْ اهتم بالقضايا النسوية وهنا عاد اسم نوال السعداوى فى التردد على مسامعى ولكن هذه المرة بشكل مختلف…. مختلف تماما.

فالفتاة الصغيرة التى ولدت فى احدى قرى بنها بمحافظة القليوبية والذى كان والدها رجلا ازهريا، لم تكن كمن سواها من الفتيات الصغيرات لاسيما فى الارياف. بل كان لها دائما وجهة نظر وكانت تملك شجاعة البوح بها . تلك الفتاة التى استنكرت على امها بشدة ما فعلته بها فى عملية الختان، وكيف كانت مقيدة فى الحمام بين يدى سيدة غريبة تنتهك جسدها وامها واقفة مبتسمة على الباب. وذكرها لتلك الحادثة فى كتابها المرأة والجنس ينم عن شخص لدية شجاعة ومصارحة مع الذات.

امتلكت نوال السعداوى الكثير من الافكار المختلفة عن الاشخاص العاديين وظهرت هى وافكارها فى فترة سيطر فيها التيار الاسلامى المتشدد على العقل الجمعى للمجتمع المصرى فكيل لها العداء بشكل دائم ولا هوادة فية .

ليست نوال من الاشخاص الذين يتشدقون بكلمات ثم لا يلبثوا ان يتبرأوا منها عند الخطر، ولكنها كانت صاحبة قناعة وايمان شديد بأفكارها تلك الافكار التى دفعت ثمنها غاليا   ففى عام ١٩٧٢ وبعد أن نشرت كتابها المرأة والجنس والتى تحدثت فيه عن جميع أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة كالختان والطقوس الوحشية التي تقام في المجتمع الريفي للتأكد من عذرية الفتاة.تم إقالتها من مركزها في وزارة الصحة، ومن مركزها كرئيس تحرير مجلة الصحة، وكأمين مساعد في نقابة الأطباء.

وفى عام ١٩٨١ عندما ساهمت في تأسيس مجلة نسوية تسمى المواجهة. حكم عليها بالسجن في ٦ سبتمبر ١٩٨١ في عهد الرئيس محمد أنور السادات، وأطلق سراحها في نفس العام بعد شهر واحد من اغتياله. ومن أشهر اقوالها ” لقد اصبح الخطر جزء من حياتي منذ أن رفعت القلم وكتبت . لا يوجد ما هو أخطر من الحقيقة في عالم مملوء بالكذب”

كما تعرضت للمقاضاة من قبل بعض المحامين، إما بإقامة دعوى إسقاط الجنسية، أو الحسبة للتفريق بينها وبين زوجها، كما تم توجيه تهمة “ازدراء الأديان” لها، ووضع اسمها على “قائمة الموت للجماعات الإسلامية”.

فهذا كله ثمن لايمكن لمدعى ان يتحمل دفعه، هذا ثمن لا يدفعة سوى انسان صادق مع ذاته مؤمن بأفكاره ايمانا عميقا. ولم يقف فكر وصراحة نوال عند حد معين فتلك السيدة قالت فى محاضرة القتها فى عام ٢٠٠٢ فى جامعة كاليفورنيا بأن  غزو أمريكيا لأفغانستان هى” حرب لإستغلال النفط في المنطقة ” . وأن السياسات الخارجية لأمريكا ودعمها لإسرائيل هو ” الإرهاب الحقيقي”وأن المساعدات الأمريكية غرضها إبقاء المصريين في حالة فقر وعوز دائم.

يمكنك ان تختلف او تتفق مع افكار نوال السعداوى وهذا امر عادى، بل ربما يكون ضرورى . ويمكنك حتى ان ترفض الطريقة التى تعبر بها عن افكارها . ولكن إن كنت منصفا حقا فأمام هذه السيدة ومسيرتها الطويلة فى الكفاح من أجل أفكار أمنت بها،  لا يمكنك إلا أن تحترمها حتى ولو من باب إحترام الخصوم . فهى كانت تحارب فى جميع الاتجاهات بلا خوف. ويكفى أن تعرف مدى سوء الوضع الذى تعيش فيه المراة المصرية لتقدر انها حين ارادات ان تؤسس جمعية تضامن المرأة العربية سنة ١٩٨٢ــ والتي كانت تضم في عضويتها أساتذة في الجامعة ومدرسات وصحفيات وشاعرات وكاتبات وربات بيوت ــ كانت بغرض النهوض بالمرأة والدفاع عن حقوقها والارتقاء بها.وكانت وتقيم ندوات ثقافية وفنية وأدبية وتناقش بعض الكتب التي ترتبط بأهداف الجمعية. ونظمت دراسات عن مشاكل المرأة العاملة ونظرة الصحافة والتليفزيون والإذاعة والسينما إلى المرأة المصرية.وعندما ارادت نوال السعداوي اشهار هذه الجمعية بشكل رسمي، جاء الرفض في صورة خطاب من إدارة مكافحة جرائم الآداب العامة لقيام هذه الجمعية!!

هل يوجد وضع مزري ومهين أكثر من أن يكون بوليس الآداب هو المخول إلية التعامل مع تصريح جمعية نسوية؟ في هذه البيئة جهرت نوال السعداوي بأرائها بكل شجاعة.

وبعد كل هذا يظن أحدهم ان اشكاليته مع نوال السعداوي سيحلها اصابتها بالعمى وان ذلك انتقاما الهيا. لا يمكن لمثل هذه العقلية ان تدرك ان الاشخاص من امثال نوال يرون ببوصلتهم الخاصة وهى العقل المتفتح والارادة الحرة وليس فقط بحاسة البصر .

نوال السعداوي ليست هي العمياء ……….. بل أنتم من لا تبصرون.

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق