دماء محرمة

الجمعة ٢٩ مارس ٢٠١٩               كتبت ــ سمر حسن

menstrual-cycle-pain-fi01

في صباح أحد الأيام استيقظت أماني ذات الـ ١٢عامًا لتجد بقع من الدماء في ملابسها الداخلية، وسرعان ما دخلت في موجة من البكاء الهيستيري عندما شاهدت ذلك اللون المفزع! استنجدت بوالدتها لتفسر لها ما حدث، لتفاجئ الصغيرة بوالدتها تجهش بالبكاء هي الأخرى، مما زاد من شعورها بالصدمة والخوف. جذب نحيب الأم سيدات المنزل، لتنطق أحداهما بلكنة ساخرة “بتعيطي على أيه يا هبلة بنتك جالها الدورة”.

“الدورة الشهرية”.. زائر ثقيل

كعادة معظم الصغيرات، يفزعن عند رؤية الدماء، خاصةً إن اقترب من تلك المنطقة المحرّمة، لذلك أول سيناريو دار في ذهن “أماني” هو أنه حدث شئ ما لا يجب أن يحدث أثناء نومها وأفقدها عذريتها، وكان الأغرب أن تشترك الأم مع ابنتها في نفس الفكر، حتى أفاقتها جاراتها على السيناريو الطبيعي والواقعي.

 وليس من الغريب أن تتعامل الفتيات ممن هن في عمر أماني مع “الدورة الشهرية” كزائر غريب على أجسادهن لا يعلمن عنه شيء. وتعود سمية أحمد، و البالغة من العمر ١٥ عاما، بذاكرتها الي الوراء عامين، لتتذكر اليوم الأول لدورتها الشهرية قائلة: “فضلت أعيط لما لقيت بنطلوني متغرق دم، وبعدين ناديت على ماما، وبعدين فهمتني الدم دا أيه”. انتظرت الأم مجيء الدورة لتبلغ ابنتها بأن من في عمرها لابد أن تأتي له الدورة الشهرية، ففي المجتمع المصري يتم التعامل مع “الدورة الطمثية”، وكأنها من المحظورات، التي يجب استخدام اللوغاريتمات وإيماءات الوجه للإشارة إليها، بل لم نطلق عليها اسمها الحقيقي في المجال العام، والبعد الأخطر هو عدم تثقيف الفتيات عما يقبلون عليه في مرحلة المراهقة.

وهذا ما حدث أيضا مع “ميادة محمد”، التي أتت إليها “الدورة الطمثية” وهي في عمر الـ ١٣عامًا، وحدث معها مثلما حدث مع جل الفتيات الناشئات دون التثقيف الجنسي، فتُوصف استقبالها لدم الحيض بـ “اتخضيت وناديت أختي الكبيرة وبعيط وبقولها شوفي لقيت أيه” امتنعت الفتاة عن نداء والدتها، ولم تحدثها الأم حتى بلوغها الـ ٢٥ عاما عن التغيرات التي تطرأ على الفتيات في مرحلة المراهقة.

كانت حكاية “أمنية صلاح”. مختلفة عن الفتيات السابقات، فمن حسن حظها تزامن مجيء دورتها الشهرية مع حملة أولويز للمراهقات، فعلمت أن هناك شيء اسمه “الدورة”، ولكن هذه الحملة لم تحميها من خضة البقع الحمراء، وأخفت الموضوع على والدتها ” فضلت أغير هدومي كل شوية وأقعد في الحمام كتير لغاية ما اضطريت أقول لماما”.

تلجأ العديد من الأمهات من ترهيب بناتهن عقب مجيء الدورة الشهرية، وهذا ما حدث مع “سماح السيد”، والتي تحدثت معها الوالدة، ولكن بدلا من أن تجعلها تتباهى بأنوثتها قالت لها: “خلاص أنتي مبقتيش طفلة وممكن تتجوزي في أي وقت دلوقتي، ولازم تغيري طريقتك في التعامل مع الناس”، وأزعج ذلك الفتاة كثيرا، وجعلها في عزلة تامة خلال فترة الدورة، تلتفت بشكل مستمر للاطمئنان على ملابسها “مش بلبس غير أسود ، وكل شوية أقوم أبص على بنطلوني.”

رهاب “الفوط الصحية”

“الكيس الأسود” هو كلمة السر المرافقة للفوط الصحية، والتي يتم التعامل معها كأنها من الممنوعات، التي يجب أن تخفى عن الأعين.  ففي هذا الصدد، تحدثت “سمية” عن علاقتها بالفوط الصحية قائلة، “ماما كانت بتخليني اشتري الفوط الصحية بليل عشان محدش يشوفني.” بينما “سماح السيد” كانت ترسل شقيقها الأصغر ليشتريها لها، “وأول ما فهم الفوط دي لأيه حلف ما هيجيبها تاني،” فاضطرت الفتاة الي شراء الفوط الصحية بنفسها، ولكنها وضعت لنفسها مجموعة من القواعد وهي “لازم أحطها في أكثر من كيس، ولو اللي بيبعها شاب استحالة اشتري منه، وكمان لو الصيدلة زحمة بمشي واشتريها من صيدلية فيها بنت.”

وفيما يتعلق بالصوت الصادر عن فتح أكياس “الپادز- الفوط الصحية” كانت “أمينة” تخجل من هذا الصوت، واشترك معها العديد من فتيات عائلتها، خاصة لو كان بالمنزل ذكور، فقالت فتاة لم تفصح عن اسمها، “بابا أول ما يعرف أن عندي الپريود ولو سمعنى وهو معدي وأنا بفتح الفوط، بيقرف مني ومابيخدش مني أي حاجة.”

ولرصد العديد من مواقف شراء الفوط الصحية، ذكرت “آيات محمد” التي تعمل في إحدى صيدليات منطقة شيرا الخيمة، أنه في إحدى المرات أتت إليها فتاة تظهر علي وجهها علامات الارتباك، وطلبت منها بصوت منخفض “أنا عايزة فوط صحية،” فأتت لها آيات بالفوط أمام زميلها في العمل، مما أزعج الفتاة كثيرا وقالت لها، “أنا بقولك بصوت واطي عشان تفضحيني قدام زميلك”، والموقف الأكثر غرابة الذي مرت به آيات عندما آتي الي الصيدلية شاب ثلاثيني وقال لها “هديكي مراتي تكلميها في التليفون هتطلب منك حاجة”، وكان طلب الزوجة هو “الفوط الصحية”.

وأوضحت الطبيبة الصيدلانية “مي منصور” والتي تعمل بصيدلية في محافظة إسيوط، ان الصيدلية تستخدم الأكياس السوداء لبيع الفوط الصحية حتي لاتظهر داخل الأكياس البيضاء التي تحمل اسم الصيدلية، كذلك وافقت “مي منصور” الرأي بأن الارتباك و الصوت المنخفض هم ما يميز من يشترين الفوط الصحية.

كيف تتحدثين مع طفلتك عن العادة الشهرية؟

عرف دليل الفتاة المراهقة الصادر عن منتدى الجنسانية العادة الشهرية، بأنها نزول الدم من الرحم مرة واحدة شهريًا، ويحدث الحيض عندما تتهيأ البويضة للخروج من المبيض إلى الرحم، ويتهيأ الرحم لاستقبال البويضة، فتتحول بطانة الرحم (الجدار الداخلي)، إلى طبقة مليئة بالأوعية الدموية، وفي حالة الحمل تلتصق البويضة ببطانة الرحم، التي تمد الجنين بالأوكسجين والغذاء، وفي حالة عدم حدوث حمل، تتسلخ البطانة وتندفع خارج الجسم، وتخرج في صورة دم وهو ما يسمى بالحيض.

والحديث مع الفتيات عن الدورة الطمثية، أفرد الدكتور خالد منتصر في كتاب “تواصل لا تناسل فصول في الثقافة الجنسية” فصلا بعنوان “كيف تتحدثين مع طفلتك عن الدورة الشهرية؟..كي لا تصبح الدورة الشهرية مفاجأة غير سارة”، وقال على الأم أن تستعد لكل الأسئلة التي تتكرر من البنت بعد حديثها الصريح الأمين أو بالأصح أحاديثها الصريحة الأمينة عن الدورة الشهرية وهذه الأسئلة على سبيل المثال، هل البنت ياماما هي اللي عنده دورة وإشمعنى الولد معندهوش؟، والإجابة هي أن الولد “بكبر وبيبلغ بس بطريقة تانية ومختلفة”، وهل الدورة ستظل عندي طول العمر؟، والإجابة أنها تتوقف ما بين الخامسة والأربعين والخمسين. أما ما هي مدتها وكميتها؟ فالإجابة من ثلاثة أيام لأسبوع والكمية تختلف من بنت لأخرى.

وعلى الأم أن تفهم ابنتها أن “الفوط الصحية”، لن تعوقها عن أداء أي نشاط حتى الرياضة، وذلك لكي لا تحس البنت أنها معوقة لمدة ثلاثة أيام أو أكثر بسبب الدورة، أما سؤال المغص والتقلصات، فإجابته أنها شىء طبيعي تضيع بحمام ساخن أو بمسكن بسيط أو بممارسة بعض الرياضة وتناول غذاء متوازن.

“الدورة الشهرية”..الألم الممنوع

 تصاحب الدورة الشهرية شعور لا يمكن تجاهله بالألم قبل نزول الحيض وأثناء الأيام الأولى منه في منطقة البطن وأسفل الظهر ، بالإضافة إلى انتفاخ البطن والذراعين وتورم الثديين وارتفاع درجة الحرارة وتسارع نبضات القلب؛ إذ توصلت دراسة أمريكية إلى أن بعض تشنجات الحيض يمكن أن تساوي في حدتها النوبات القلبية، في هذا الصدد توصف “سحر جمال” الألم الذي يصاحبها خلال فترة نزول الحيض، والذي يتراوح لديها من (٨- ١٠) أيام “أنا مش بيجيلي دورة عادية أنا بيكون عندي نزيف، الدم بينزل مني بشكل يخوف”، وعلى الرغم من ذلك لابد أن تتواجد في عملها وتؤديه على أكمل وجه، فأكدت على أنها من المستحيل أن تغيب، لأن طبيعة عملها تتطلب التواجد في شيفت عمل لمدة ١٢ ساعة متواصلة.

وبالرغم من تحملها ا الألم الذي يفتك ببطنها، الا انها لم تستطع التخلص من خجلها خاصة عندما تريد أن تبدل الفوط الصحية “أنا ممكن أبدل ٧ فوط في اليوم وبتكسف جدا وأنا خارجة كل شوية قدامهم”، وعادت بالذاكرة إلى الموقف الأسوأ بالنسبة إليها عندما أصيبت بالأنيميا خلال فترة الپريودوتعرضت إلى إغماء، وهذه هي الحالة الوحيدة التي استطاعت أن تحصل على إجازة مرضية وكان السبب هو الإغماء والأنيميا وليس “الدورة الشهرية.”، واشتركت معها العديد من الفتيات اللائي لا يتحملن ألم الدورة الشهرية ويلجأن إلى الحقن المسكنة، فقالت أخرى “أنا عشان أغيب من الشغل وقت الپريودلازم أقول أن عندي كارثة ومينفعش أقول إني تعبانة منها.”

في هذا الصدد وثقت الكاتبة والصحفية “رشا الديب” الدورة الشهرية والتميز الجنسي الناتج عنها في بيئة العمل في فيلم قصير مدته ثلاثة دقائق يحمل اسم “عندك أيه يعني؟”؛ إذ يبدأ الفيلم بفتاة تتلوى في الفراش من شدة الألم، تزامنا مع ذلك يأتيها مكالمة هاتفية من مديرها في العمل، ويحدثها بلهجة حادة بسبب تأخرها عن العمل ويجبرها على الحضور، فتنهض من السرير المختلط ببقع الدم، ومن ثم تتجه للحمام، تأخذ أكثر من مسكن وتأخذ فوطة صحية وتغلق الباب.

وتذهب للعمل منهكة، فيتراكم الأعمال على مكتبها فيستدعيها المدير لمكتبه ويسألها لماذا كان التأخر؟، وتعطيل العمل فتصمت الفتاة وترد بجملة: “أنا تعبانة النهاردة، وعندي الپريود” ردا على عنوان الفيلم “عندك أيه يعني؟”، يحرج المدير محاولًا أن يخفي ملامح وجهه.

وفيما يتعلق بالألم النفسي المصاحب للدورة الشهري، شخصت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين الاضطرابات النفسية المرافقة للدورة الشهرية إلى: شعور بالاكتئاب، شعور مفاجئ بالحزن والبكاء، الحساسية الزائدة، خمول وكسل لا إرادي بسبب آلام المفاصل، شعور بالقلق والتوتر وعدم الراحة، الغضب وسرعة الانفعال،فقدان السيطرة على الأعصاب، صعوبة التركيز والانتباه.

أين نحن من إجازة الدروة الشهرية؟

اتجهت بعض دول العالم إلى منح المرأة إجازة مدفوعة الأجر تختلف مدتها من دولة لأخرى خلال فترة الدورة الشهرية، ففي عام ٢٠١٥ ، ويوم عيد الأم أصدرت جمهورية زامبيا الواقعة في جنوب القارة الأفريقية، قانوناً يسمح للموظفات اللواتي يعانين أثناء الدورة الشهرية من أخذ عطلة وفترة راحة، سواء كانوا في القطاع العام أو الخاص، وفي أوائل العقد الأول من القرن الحالي، بدأت كوريا الجنوبية إجراء يسمح للمرأة بأخذ عطلة يومين في الشهر اذا كانت الدورة مؤلمة، وفيالفلبينيمكن للمرأة أن تحصل على إجازة الطمث ولكنها تحصل على نصف المبلغ المالي المخصص، وصوتت ايطاليا عام ٢٠١٧ على إجازة الطمث، لكن فرضت شروطاً على النساء مثل تقديم ورقة طبية لصاحب العمل تثبث أنها في مرحلة الدورة الشهرية وتعاني من ألم، وتماثلت معها الصين، وافقت على منح النساء إجازة شهرية مدفوعة الأجر أثناء فترة الطمث، إذا كن يعانين من تشنجات الحيض الشديدة، ويأتي ذلك عن طريق تقديم شهادة من المركز الطبي عن الحالة الصحية لها في فتره الحيض.

وفيما يتعلق بالشركات الهندية أعلنت عن تغيير في سياساتها الداخلية يعطي للمرأة الحق في الحصول على إجازة حيض مدفوعة الأجر في أول يوم من أيام الدورة الشهرية، أما في اليابان فقد بدأ النساء يحصلن على هذه الإجازة الشهرية منذ عام١٩٤٧ .

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

One comment

أضف تعليق