الهوس بعمليات التجميل في مصر

الثلاثاء ١ أكتوبر ٢٠١٩                 كتبت – جيهان شاهين – ترجمة أليكساندرا كينياس 

جيهان شاهين تستقصي عن هوس بجراحات التجميل في مصر ا والتي لم تعد مقصورة على النساء او على أفراد من فئة اجتماعية واحدة. – الأهرام ويكلي ٢٠١٧

personal-space-dating-app-plastic-surgery
Image Credit Shutterstock/RomarioIen

جلست مني في إحدى مستشفيات العيون الخاصة في ضاحية السيدة عائشة، انها التاسعة صباحا والعيادة ممتلئة بالمرضي من مختلف شرائح المجتمع، أغلب المرضي جاءوا لاستشارات طبية، ولكن العديد منهم أيضا جاءوا لعمليات التجميل المختلفة، الجراحية والغير جراحية والتي توفرها المستشفى.

تقول مني والبالغة من العمر ٤٨ عاما بان اول عملية تجميل أجرتها منذ سنوات طويلة كانت لشد الجفون، وهي ممتنة بهذه العملية وتعتقد ان قرارها لإجرائها كان قرارا صائبا. مني (هذا ليس اسمها الحقيقي) هي ربة منزل، مطلقة وثرية، تحب اقتناء الملابس ذات العلامات التجارية الغالية. وكانت تجلس في قاعة الاستقبال في المستشفى في انتظار شقيقها الذي جاء لإجراء عملية مشابهة لإزالة الجيوب الدهنية المنتفخة في الجفون السفلي.

why-do-men-get-plastic-surgery-722x406
Via Everyday Health 

ربما كان شكل مني بعد عمليات التجميل هو ما شجع شقيقها لاجراء هذه العملية. جفون مني كانت مرفوعة ومشدودة، مما أعطي مظهر شبابي لعيونها الخضراء المستديرة والمحددة بحواجب مرسومة بدقة بالتاتو. وجهها ناعم بلا أي تجاعيد ترسمها تعبيراتها المختلفة، خدودها مرفوعة ومنتفخة، وشفتاها ملونتين بألوان التاتو ومرسومتين بدقة أيضا. لا تجد مني صعوبة او حرج في الاعتراف بانها خضت لمشرط الجراحين لتحصل على هذه النتائج، او النيو لوك. وتعترف قائلة، “كل الناس بتعمل عمليات تجميل.”

تعرفت مني علي عمليات التجميل لأول مرة في أواخر الثلاثينات عندما أرادت ازالت بعض الجيوب المنتفخة في جفنيها السفليين، منذ حينها، قامت بعمليات أخري منها البوتوكس و الفيللر، علاجات بالليزر، و ماكياج دائم، و تاتو و إزالة شعر بالليزر. كذلك قامت صديقاتها بعدة عمليات تراوحت ما بين تجميل الانف ونفخ الخدود وشد البطن وتبييض الاسنان. عن تأثر هذه العمليات عليها قالت مني، “حقيقي العمليات دي بتغير من النفسية، تجربة جميلة جدا. وبعد ما عملت العملية، كل الناس قالت لي ان شكلي اتغير. العملية صغرتني أكتر من عشر سنين، وكان شعور حلو جدا، يستاهل فلوس العملية.”

مني ليست وحدها، فجراحات التجميل الجراحية والبسيطة أصبحت شائعة في جميع أنحاء العالم للدرجة التي جذبت انتباه الأطباء النفسيين وأيضا علماء الاجتماع المهتمين بدراسة هذه الظاهرة. وبالرغم من أن عمليات التجميل معروفة منذ عقود إلا أنها كانت في الماضي محصورة إلى حد كبير على هؤلاء الذين لديهم تشوهات خلقية أو الذين تعرضوا لحوادث. كذلك كانت منشرة في الماضي بين نجوم السينما والتليفزيون. وتقول مني انه اليوم ربما يكون أغلب أصدقاءها، رجال ونساء، متزوجين او عزاب، ما بين سن العشرين والستين قد خضعوا لعمليات تجميل جراحية او بسيطة.

https---specials-images.forbesimg.com-dam-imageserve-781977988-960x0.jpg?fit=scale
Image Credit Shutterstock 

وهناك إجماع بين المشاهدين للموقف بأن هذه الظاهرة انتشرت في الآونة الأخيرة في الطبقات السفلي والمتوسطة في مصر، وكذلك بين الرجال، الذين يقال الآن أنهم يشكلون حوالي ٤٠ في المائة ممن يخضعون لإجراء عمليات تجميلية.

لم تعد عمليات التجميل من الرفاهيات، زينب والبالغة من العمر ٢٨ عامًا، تعمل مقدمة رعاية للمسنين و يبلغ دخلها الشهري في المتوسط ٦٠٠٠ جنيه، وهي في شجار مستمر مع والدتها بسبب عمليات التجميل، والدتها تجادلها بسبب صرفها مبالغ طائلة علي هذه العمليات، ما بين تاتو وشد البطن وغيرها، ولكن زينب والتي تنتمي لأسرة منخفضة الدخل وتعيش في أحد الأحياء الفقيرة في منطقة عين شمس في القاهرة ، لا يمكنها التخلي عن ادمانها لهذه العمليات.

تقول زينب بينما تنظر الي شاشة تليفونها المحمول، “أنا فاهمة ان والدتي لها أولويات تانية، وخصوصا الدنيا بقت غالية.” زينب مثل الكثيرين، أصبحت مدمنة لنشر صور جديدة لها يوميا علي واتس آب وفيس بوك، ربما بحثا عن المزيد من الاعجاب “لايكات” لمظهرها وهيئتها الجديدة.

في مقال نشرته رويتز مؤخرا، قامت خلاله برصد هذه الظاهرة المتنامية بين المصرين من الطبقة العاملة، والذين قاموا بعمليات تجميل تراوحت ما بين البوتوكس وتكبير الثديين وشد البطن، بأمل ان تؤدي هذه الجراحات، والتي كانت محصورة على افراد الطبقات العليا والأثرياء، الي رفع فرصهم للزواج والعمل.

وكتب مقال رويترز، “زوجات غير متعلمات يخشون الهجر، جنود يتعرضون للسخرية بسبب صدروهم المترهلة، وسيدات بدينات يبحثن عن أزواج، كلهم يدفعون من دماءهم، او يعتمدون على التبرعات من أهل الخير وقد يستدينون من أهلهم وأصحابهم، او يلجؤون الي عيادات غير مرخصة لهذه العمليات ولكن أسعارها متهاودة.”

د. حسام فودة، أستاذ جراحة تجميل الوجه بكلية الطب جامعة الإسكندرية يوافق على أن جراحات التجميل لم تعد مقصورة على الأثرياء او السيدات. وفي حواره مع الاهرام ويكلي قال، “الثورة في تقنيات عمليات التجميل ونتائجها الباهرة، والتي تنشر أخبارها على مدار الساعة، شجعت الأشخاص الذين ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية المتوسطة والدنيا على إجراء هذه العمليات أيضا.”

Why-women-age-faster-than-men-after-50
Image Credit: Shutterstock/Evgeny Atamanenko

وتقول عالمة الاجتماع هدي زكريا بان الهوس بعمليات التجميل هو ناتج عن البروباجاندا الإعلامية التي تركز علي جمال الجسد بدلا من الذكاء وخفة الدم وجمال الروح. الاعلام يركز على تقديم الراقصات والممثلات بدلا من العلماء والمفكرين، كنماذج على المجتمع أن يتبعها. “قد تفقد المرأة احترامها وتقديرها لذاتها إذا لم يتوافق شكلها وهيئتها مع القوالب والمعايير التي تقدمها وسائل الاعلام. ومثل أي امرأة تريد أن تشعر بأنوثتها، فإن أولئك الآتي ينتمين إلى الطبقة العاملة هم أول ضحايا هذه الدعاية الإعلامية، وربما تشعر العديد من النساء الأقل تعليماً ان هذه العمليات ستجعلهن يبدون كالنساء من الطبقات العليا.”

وقد أجري د. فودة حتى الآن ما يزيد عن ستة آلاف عملية تجميل للأنف في مصر، وهو يؤكد انجميع النساء تقريبا قد اتخذن قرار اجراء عملية التجميل من تلقاء أنفسهن دون أي ضغط حتى من أزواجهن. “هن يجرين هذه العملية إرضاء لذاتهن فقط، وليس من أجل أزواجهن كما يعتقد الكثيرون. إنهن يفعلن ذلك ليشعرن بمزيد من الثقة والتمكين وحتى يتغلبن عن الخجل من مواجهة كاميرات التصوير او المجتمع.”

يشرح فودة أن الاتجاه لإجراء المزيد من عمليات التجميل هو محاولة لتحقيق الرضا النفسي وتقديرا أعلي للذات، إنه نوع من التمكين الشخصي، والذي يصر على أنه ينطبق على كلا الجنسين. وقال فودة: “يسعى المزيد من الرجال لإجراءات تجميلية لأنهم يشعرون أن تحسين مظهرهم يساعدهم على الاندماج في المجتمع بشكل أفضل، وخاصة أولئك الذين يعملون في مجال الأعمال والسياسة”.

cosmetic1
Image Credit Shutterstock 

الدراسات الحديثة حول أهمية صورة الجسم في المجتمع، أقرت إلى أن “الأشخاص أصحاب الجمال والجاذبية يتمتعون بميزات أكثر ممن هم أقل جاذبية.” وجاءت في دراسة في المملكة المتحدة بعنوان “لماذا ننظر إلى المرآة” الي أن “القلق بشأن المظهر أمر طبيعي ومفهوم”. تقول الدراسة، الصادرة عن مركز أبحاث القضايا الاجتماعية (SIRC) ) الغير هادف للربح والذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، “الأطفال الذين يتمتعون بجمال وجاذبية لديهم شعبية أكبر لدى زملائهم في الفصل والمدرسين، وكذلك فان المتقدمين للوظائف لديهم فرصة أفضل للحصول على الوظيفة ورواتب أعلى لو كانوا أصحاب جمال وجاذبية، وليس هذا فقط، بل في كثير من الأحيان يتم تبرئة المذنبين في بعض القضايا لتمتعهم بجاذبية وجمال.”

وخلصت دراسة مركز أبحاث القضايا الاجتماعية في بريطانياإلى أن “التحيز لصالح الجمال” يعمل في جميع المواقف الاجتماعية تقريبًا، وتُظهر جميع التجارب أننا نتفاعل بشكل أكثر إيجابية مع الأشخاص الذين يتمتعون بجمال وجاذبية”. وتوضح الدراسة أيضًا أن هذا لا يقتصر على النساء فقط، حيث “في أحدث الأبحاث، هناك بعض الدلائل على زيادة عدم رضا الذكور عن صورة أجسامهم”.

وحسب نفس الدراسة فانه بالإضافة إلى بعض الصبية والشباب في أعمار مبكرة، هناك الرجال الذين يمرون بأزمة منتصف العمر – أي الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين ٤٥ و٥٥ عامًا – والذين هم أيضا غير راضين عن مظهرهم.

ونتائج هذه الدراسات والتقارير تساعد كثيرا في تفسير الأعداد المتزايدة من الرجال الذين يلجئون إلى عمليات التجميل في مصر.

نشرت هذه المقالة في الأهرام ويكلي عام ٢٠١٧

*إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق