داليا يونس تحكي تجربتها مع ابنها المصاب بالتوحد

الأربعاء ١٨ ديسمبر          ــ كتبت: رضوي حسني

75349219_10162814800305601_2315183523700408320_o
داليا يونس مع ابنها أنس

شاركت الطبيبة داليا إيهاب يونس مؤخراً تجربتها كأم مع طفلها أنس المصاب بالتوحد وفرط الحركة عن طريق نشرها لعدد من التدوينات عبر موقع الفيسبوك علي مدار ٢١يوماً بدايةً من يوم ١ نوفمبر وحتى يوم ٢١ نوفمبر الموافق ليوم ميلاد أنس، وتفاعل مع تجربتها أكثر من ١٠٠ ألف شخص. وكانت تهدف داليا من نشر تجربتها مع طفلها أنس في رحلتهما مع التوحد إلى إلهام كل الأمهات اللاتي يعشن نفس تجربتها، والعمل على توعيتهن بطرق التعامل السليمة مع أطفالهن المصابين بالتوحد، بالإضافة إلى توفير الدعم الكامل لهن وإمدادهن بالمعلومات اللازمة عن طبيعة مرض التوحد.، من خلال تجربتها

29214372_10160299553520601_7440522350551891968_oوقد بدأت رحلة أنس العلاجية فور تشخيصه بإضطراب التوحد وفرط الحركة في عام ٢٠١٧،وما ساعد في سرعة تشخيصه هو كون والدته داليا طبيبة. لذا فقد تولدت لديها الظنون تجاه إصابة أنس بالتوحد منذ أن بلغ سن سنة وثمانية أشهر ولم يكن يتحدث بعد، كما كان اهتمامه الغير عادي بالأشياء التي تدور كالمراوح و كومبريسورات أجهزة التكييف غريبا الي حد كبير عن المعتاد لسلوكيات الأطفال في هذه السن، وخاصة أن حالة أنس بدءت تسوء مع مرور الوقت، حيث امتنع عن التواصل مع من حوله، وتجنب اللعب مع الأطفال ممن هم في مثل عمره، كما أنه لم يكن يبدي أي اهتمام بالحيوانات الأليفة مثل الأطفال في عمره. بدأت داليا تقرأ باستفاضة عن إضطراب التوحد لتزيد حصيلة معلوماتها عنه، هذا إلى جانب ما تعلمته خلال دراستها للطب.

وعلى الرغم من ظنونها السابقة حول إصابة أنس بالتوحد إلا أن داليا قامت بإلحاقه بحضانة أطفال عادية، ولكن تصرفات وسلوكيات أنس بعد التحاقه بالحضانة أثارت شكوكها مجددا تجاه إصابته بالتوحد. كان يستخدم كل ما يتعلمه من كلمات جديدة في صورة لحن إيقاعي مثلما تعلم في الحضانة، وبالرغم من سهولة نطقه لما يقع على مسامعه من كلمات جديدة إلا أنه كان يستخدم الكلمات في غير موقعها رغم إدراكه لمعناها، وهو ما يختلف تماماً عن حالات التلعثم ومشاكل النطق لدى الأطفال.

73051642_3180362785324287_8077780340615151616_oوبعد التحديات التي واجهتها في تمكين أنس من النطق، ومساعدته في استخدام الكلمات بشكل صحيح للتعبير عن نفسه وعما حوله، اتخذت قرارها لزيارة الطبيب لفحص أنس والتأكد من حالته. أشارت داليا في تدويناتها عن رفض زوجها السابق ووالد أنس لفكرة زيارة الطبيب، وعدم اقتناعه بها، هذا إلى جانب معارضة الأهل لهذا القرار، وعدم تقبلهم للأمر. ولكن بعدما وقع الانفصال بين داليا وزوجها أصبحت الفرصة سانحة أمامها للذهاب إلى الطبيب وبدء رحلة التشخيص والعلاج لأنس. وقد اتخذت قرارها بناءً على تداركها كأم لثلاثة عوامل هي البحث والملاحظة والإحساس؛ فالبحث من خلال دراسة طبيعة المهارات التي يكتسبها الطفل الطبيعي خلال تطور نموه ومقارنتها بمهارات أنس، والملاحظة من خلال مراقبة تصرفات أنس ورصد ما يقوم به بصورة تكرارية حتى تصفها للطبيب بشكل موضوعي، وأخيراً إحساسها كأم كان عامل أساسيا لاتخاذها هذا القرار.

وفي البداية استعانت داليا بطبيبة للتخاطب أملاً منها أن يكون ما يعانيه أنس ما هو إلا تأخر في النطق فقط، ولكن الطبيبة نصحتها بالتوجه إلى عيادة الطب النفسي للتأكد من صحة إصابته بمرض التوحد. ومن واقع تجربتها نصحت داليا أمهات أطفال التوحد بعدم الشعور بالذنب تجاه أطفالهم، أو السماح لأحد بإلقاء اللوم عليهم، خاصةً وأن التوحد يأتي بلا سبب واضح حتى يومنا هذا، ولكن ما يعتقده الطب هو أن السبب قد يرجع إلى بعض العوامل الجينية والبيئية وليس للانطواء الاجتماعي دخل في ذلك، لأن التوحد ما هو إلا مشكلة في التواصل اللفظي أو التواصل الشعوري الإداركي. وقد سبق لداليا أن تعرضت إلى اللوم من أحدهم عندما اتهمها بالتقصير تجاه أنس لأنها لم تكن تسمح له بالاختلاط مع غيره من الأطفال بشكل كبير، في مقابل سماحها له بمشاهدة أفلام الكرتون، واستخدام الهاتف الجوال، رغم كون ذلك لا يتسبب إطلاقاً في الإصابة بالتوحد حتى وإن كان يلعب دوراً في تطور المرض.

74696577_3187153757978523_6586959164533112832_oورغم انتشار مرض التوحد، ولكن إلى الآن لا يوجد علاج يقضي تماماً عليه رغم ما يشاع عن النتائج الايجابية للعلاج بالخلايا الجذعية. وأما عن اتباع نظام غذائي صحي فلم تجد داليا نتيجة ملحوظة تجاه حالة أنس لدى اتباعها نظاماً خاصاً في تغذيته. وصفت داليا التوحد بأنه بمثابة رحلة طويلة من تجربة للأساليب العلاجية المتاحة كالتخاطب والتعديل السلوكي، أو إعطاء أدوية للطفل، أو كليهما، وهو ما قد يساعد في تحسين الحالة المرضية للمصاب به وتنمية مهاراته حتى تتاح له الفرصة لممارسة حياته بشكل طبيعي أكثر. وتتحدد الخطة العلاجية بناءً على ما تلاحظه الأم من مراقبتها المستمرة لتصرفات طفلها.

وقد نصحت داليا الأمهات بعدم وضع توقعات سريعة للاستجابة العلاجية أثناء مرحلة تلقي العلاج، خاصةً وأن الوضع يتفاوت من طفل إلى آخر، ولكن يمكن وضع خطط وأهداف قصيرة المدى لتحسين مهارات الطفل بشكل دوري، كوضع خطط أسبوعية أو شهرية متكاملة الجوانب بين البيت والمدرسة والطبيب المعالج مع التأكد من سيرها على نحو جيد للحصول على النتائج المرجوة في أسرع وقت ممكن.

وعن اختيار المركز العلاجي المناسب، فمن خلال تجربتها طلبت داليا من الأمهات عمل بحث واسع ومكثف عن المراكز العلاجية الخاصة بأطفال التوحد والتي يتبع أطباؤها نظم علمية حديثة ومتطورة في علاج التوحد، كما حذرتهن من اتباع أسلوب العلاج بالأدوية في بداية الأمر دون عمل جلسات التخاطب وتنمية المهارات اللازمة للطفل المصاب، وطلبت منهن العمل على تأخير هذه المرحلة قدر المستطاع – إذا اضطروا للجوء لها – لإعطاء الطفل الفرصة للتجاوب مع العلاج السلوكي دون تدخل كيميائي، ثم البدء بإعطاء الطفل أقل الجرعات الممكنة، كذلك حذرتهن من التوقف المفاجئ عن إعطاء الأدوية، وطلبت داليا منهن متابعة تغير سلوك الأطفال في البيت والمدرسة أثناء فترة تناوله للعلاج، وأخذ الحيطة من الأعراض الجانبية التي قد تظهر عليه.

كما نصحت الأمهات بالمشاركة في مجموعات ” جروبات” مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بأمهات الأطفال المصابين بالتوحد، لتبادل الخبرات ومعرفة آخر ما توصل اليه الطب في علاج التوحد، وأسماء مختلف الأطباء المعالجين له. كما نبهتهن بضرورة المتابعة الدورية للطفل ومراقبته للتأكد من سلامته خاصةً وأنه لا يستطيع التعبير عما قد يصيبه من ضرر.  تفاجأت داليا في احدى المراحل العمرية لأنس بكونه لديه شعور أقل بالخطر، فهو ببساطة لا يستطيع تمييز ما قد يشكل ضرراً عليه مما حوله، و يعرض نفسه للخطر دون قصد منه، لذا نصحت الأمهات بضرورة متابعة الأشياء التي تجذب اهتمام طفل التوحد لضمان سلامته في وجودها وحمايته مما قد يشكل خطراً منها على صحته، وهي دائماً ما تُحدث من  قائمة هذه الأشياء الخاصة بأنس.

قدمت داليا في احدى تدويناتها أحد الحلول لتمكين الأمهات من التغلب على تكاليف الجلسات العلاجية الباهظة وهي استخدام التأمين الصحي الذي توفره بعض النقابات للعاملين بها كنقابة الأطباء، والتي تغطي جزء كبير من نفقة العلاج.

“السنين الأولى بتفرق” هو النهج الذي اتبعته داليا إيهاب يونس مع ابنها أنس تبعاً لما أقرته احدى حملات اليونيسيف المسؤولة عن التوعية بأهمية أول ١٠٠٠ يوم في عمر الطفل حيث تتطور قدراته الذهنية على نحو لا يتكرر في حياته مرة أخرى، لذا حرصت داليا على ابعاد أنس عن تناول الأدوية خلال هذه المرحلة العمرية، لدرجة أنها تحملت على إثر هذا القرار الكثير من المعاناة معه نتيجة لما كان يقوم به من سلوكيات غريبة أثرت عليها وعلى من هم حولهما.

74634664_3204536336240265_1304780428523077632_o
أنس مع مدرب السباحة

وقد تحدثت داليا أيضا عن احتمالية تمتع أنس بمتلازمة الموهوب/ العبقري savant syndrome  – وهذه المتلازمة قد يكتسبها الأشخاص ذوي الاحتياجات الذهنية الخاصة، والتي تمكنهم من التميُز في أحد المجالات كالموسيقى والرسم والرياضة والحساب وغيرها، وأطفال التوحد هم أكثر من يتمتعون بها. وتعتقد داليا ان ابنها يتمتع بهذه المتلازمة نظراً لامتلاكه قدرة خاصة على تقليد الإيقاع الصوتي والأغنيات التي يسمعها بشكل مميز، كما يمكنه ربط عدد من الأغنيات ذات المقام الموسيقي الواحد ببعضها البعض مما ممكنه ذلك من تعلم الحروف والأرقام والكلمات، وربما لم يكتسب أنس هذه المتلازمة، وإنما هي مجرد موهبة فقط كوالدته داليا التي تهوي الموسيقي والغناء. تحرص داليا علي تطوير موهبته في الغناء لاستخدامها في تطوير مهارات أخرى لديه، إلى جانب اكتشاف مواهب الجديدة.

وأضافت داليا أنه لا علاقة بين التوحد وعدم اكتساب الطفل للمهارات الجسدية، ولكن العائق الوحيد فقط أمام ممارسته لاحدى الرياضات البدنية هو عدم تحليه بالصبر، وافتقاره لطرق التواصل اللازمة لتعلمه احدى المهارات الرياضية، ولكنها أشادت بتجربة أنس في تعلم السباحة على يد مدربه.

وعن تجربة أنس مع الكلام والرد على الأسئلة فقد تحسنت حالته بشكل تدريجي في أعوامه الثلاثة الأولى حتى أدرك أخيراً عبارات الرد المناسبة عما يلقى عليه من أسئلة عادية تخص اسمه وعمره دون الحاجة إلى تكرار السؤال بلا وعي وفهم منه، وهذا ما شجَّع داليا على التقديم له للاتحاق بالحضانة. والتي عانت داليا حتي استطاعت ان تلحقه بمدرسة تفهمت حالته، وذلك لرفض الكثير من المدارس الحاقه بها رغم قرار الدمج الذي اقرته وزارة التربية والتعليم. وبالرغم من تفهم مدرسته لحالته، الا ان هذا لم يعفيه من التعرض لبعض الوصم والتميز.

75380099_3210875822272983_4126053907354877952_o
أنس مع مربيته رابحة

وما سهل على داليا متابعة ابنها داخل المدرسة هو تعيينها للمدرس الظل – وهو الشخص المسؤول عن متابعة حالة طفل التوحد الدراسية داخل الفصل بشكل مستمر – وفي حالة أنس كانت مربيته “رابحة” هي الشخص الأمثل الذي وقع عليه الاختيار لاداء هذا الدور. تنصح داليا الأمهات بضرورة اختيار المدرس الظل المناسب لهذا الدور مع ضرورة تكوين حلقة ترابط بينه وبين الأم ومعلمي المدرسة تحت إشراف الأخصائي المتابع لحالة الطفل.

بعد قبول أنس في المدرسة وقبل بداية الدراسة بأسبوعين تعرض لانتكاسة مفاجئة تسببت في تدهور حالته الصحية بعدما كانت قد تقدمت بصورة ملحوظة، مما تسبب ذلك في انهيار نفسي لداليا، ولكن بفضل مساعدة أهلها وصديقاتها ومربية أنس استطاعت أن تتغلب على هذه الظروف، كما أنها التمست العذر لتدهور حالته لأن حتى الإنسان الطبيعي وراد له أن يتعرض لحالات النسيان، فكيف الحال مع مريض التوحد؟!

تقدم داليا نصيحتها لأمهات أطفال التوحد بضرورة طلب المساعدة من الأهل والأصدقاء في تربية الطفل ورعايته والحصول على الدعم النفسي الكافي خلال أوقات الانهيار التي قد تصاب بها الأم، لتتمكن مرة أخرى من السير بشكل سليم مع ابنها في طريق علاجه من التوحد. كذلك تطرقت داليا في تدويناتها إلى نوعين من الحالات التي قد تتسبب في صراخ الطفل وبكائه أحدهما تحدث بدرجة عالية دون أية أسباب وتسمي meltdown، والأخرى يقوم بها الطفل عن عمد للحصول على ما يريد وتسمي tantrum، وهو ما قد يسبب الكثير من المواقف المحرجة للأمهات إذا حدثت هذه التصرفات في الأماكن العامة، كما أنها قد تحدث مصاحبة لسلوك آخر للطفل. فأحياناً يقوم أنس بالغناء أثناء صراخه وبكائه، لذا تطلب داليا من الأمهات ضرورة استيعاب الطفل نفسياً وعدم معاقبته، وحل المسألة بشكل عقلاني حتى يتعافي من هذه النوبة، وإذا ما رغبت في التفريغ عن مشاعرها بالحزن أو البكاء فلا تتردد شرط أن تبتعد عن الطفل حتى لا تتسبب في إيذائه نفسياً.

وفي ختام الحديث عن تجربتها، قدمت داليا نصيحتها لكل أم بضرورة المحافظة على توازنها النفسي، وفهم طبيعة كونها إنسانة قبل أن تكون أم، وأن تهتم بصحتها النفسية حتى تتمكن فيما بعد من القيام بدورها كأم تجاه طفلها المصاب بالتوحد على أكمل وجه، كما تنصح كل أم أيضاً بأهمية الاستقلال بالذات من فترة إلى أخرى وإلقاء حمل العناية بالطفل على الأهل والأصدقاء والمربية لتتمكن هي من تجديد نشاطها عن طريق قيامها بهواياتها المفضلة ليتسنى لها فيما بعد رعاية طفلها دون تعرضها لسقطات نفسية ، وهو ما تحرص عليه داليا في حياتها. وبالرغم أنها لم تختر يوماً أن تصبح أماً إلا أنها لن تتخلى عن طفلها وستؤدي دورها تجاهه على النحو المطلوب، خاصةً وأن حمل التربية واقع على عاتقيها هي فقط بعد انفصالها عن والد أنس وعدم معاونته لها على تربية طفلهما.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق