المرأة في مرمى النيران الصديقة| كتبت د. ليلي الغلبان

الثلاثاء ١٠ مارس            كتبت : د. ليلي عبد العال الغلبان

88964323_2958613244177350_1587413001999220736_o (1)“ستعم الفوضى الحياة ” و”المرأة لا تستطيع القيادة لأنها غير مؤهلة بالقدر الكافي جسمانيا و عقليا”، و”لعن الله قوما ولوا أمرهم امرأة”. كانت هذه عينة من الاستجابات التي وردت إلىّ من طالباتي حين طلبت منهن ذات محاضرة في مارس الماضي، وتزامنا مع أعياد المرأة، الكتابة عن رأيهن في قيادة المرأة. كان عددهن 200 طالبة، وبعد فرز كل الأوراق تبين أن هذه هي آراء 62% منهن. ومع شعوري بالصدمة المشوبة بالاستفزاز، بدت بعض الأسئلة ملحة: لماذا؟ وما السياق الثقافى والاجتماعي الذي أدى إلى ذلك؟ وما حقيقة جدارة المرأة بالقيادة التي من شأنها أن تغير نظرة المجتمع وخاصة المرأة ذاتها إلى نفسها، وتعزز الثقة بها؟

التناقض مع الذات

أول هذه الأسباب، في رأيي، أن ثمة تناقض مع الذات تمارسه المرأة بشكل كبير. ففي الوقت الذي تسعى فيه إلى الحصول على مزيد من الحقوق، فإنها تسلم نفسها لمورثات اجتماعية متجذرة دأبت على تكريس الصورة الدونية للمرأة كجسد و كمخلوق ضعيف وتابع. والمرأة نفسها هي من تساهم في تكريس هذه الصورة أيضا عن طريق الخضوع لهذه المعايير المجتمعية التي تنصب على الاهتمام بالجسد والمظهر، وبكل ما يتعلق بهما وتدخل في صراع محموم من أجل ذلك، وإن لم تنجح، تقع ضحية الإحساس بهزيمة الذات، ومشاعر عدم الاحترام، وفقدان الثقة بنفسها.

نيران صديقة

ويمكن السبب الثاني في أنه في بعض الأحيان تكون بعض النساء أكبر عدو للمرأة، حيث يتصدين لكل محاولات تغيير الوضع القائم. ويتهمن بنات جنسهن ممن يحاولن ذلك بالنساء المسترجلات. ويدخلن في تنافس محموم من أجل الفوز بالرجال، وهو ما يعد في نظرهن مقياس النجاح في هذه الحياة.

القيادة لا علاقة لها بالنوع

ويشكل الربط بين النوع والقيادة سببا مهما في عدم الثقة بجدارة المرأة. فهناك حتما فروق بيولوجية بين الرجل والمرأة. و نكران ذلك وعدم التسليم به أمر لا طائل من ورائه. بيد أن معظم ما نعتقد أنه فروق بين الجنسين هو بالأساس فروق من صنع المجتمع وثقافته. وقد أظهر علم الأعصاب أن الطريقة التي يعمل بها المخ والنيورونات والوصلات العصبية والشبكة العصبية به تتأثر بشكل كبير بالثقافة السائدة التي تؤثر كذلك في الأدوار التي يلعبها أي من الجنسين، وكيفية لعبها ورؤيتهما للعالم، وكيف يشكل ذلك كله هوية كل منهما وتوقعاته. فلننح عامل النوع جانبا وننظر إلى كل من المرأة والرجل كبشر، و أن القيادة لا علاقة لها بالنوع، وإنما بالسمات الشخصية وامتلاك المهارات الأساسية للقيادة مثل امتلاك الرؤية والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة،والاستغلال الأفضل للموارد المتاحة وغيرها.

ماذا تقول الدراسات؟

تقول الدراسات إنه لا توجد فروق دالة بين الرجل والمرأة حينما يبدآن العمل في مجال ما. وعندما يبلغان الأربعين تصبح مهارات القيادة لدى المرأة أكثر فاعلية، ذلك أنها تعمل بكل دقة وإخلاص على كل جانب من جوانب المهام التي تتصدى لها للوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة. كما أن المرأة تولى اهتماما للملاحظات والاقتراحات التي ترد إليها أثناء تنفيذ المهام، وبعد الانتهاء منها. كما أنها عادة ما تسأل أكثر. فيما يتوقف الرجل عن القيام بذلك ظنا منه أنه بالفعل يؤدي المهام على ما يرام. وتشير أيضا الدراسات إلى أن المرأة تفوق الرجل في أخذ زمام المبادرة و خلق بيئة محفزة للعمل.

وفي أحدث استفتاء أجرته Gallup تبين أن الأمريكيين باتوا لا يفضلون رؤساء العمل الرجال، خاصة بعد موجة تهم التجاوزات الأخلاقية التي طالت العديد منهم مؤخرا. كما أظهر الاستفتاء أن المرأة تتفوق على الرجل في ثلاث عشرة مهارة، من إجمالي خمس عشرة مهارة للقيادة. و أنها ليست بالضرورة أقل ثقة من الرجل، ولكنه المجتمع الذي يمارس ضغوطا عل المرأة ويشكك في قدراتها وثقتها في نفسها وكفاءتها. وأن المرأة بحاجة إلى التمكين، وأن تعطى الفرصة كي تعزز ثقتها بنفسها وثقة بنات جلدتها، وثقة المجتمع كله بجدارتها للقيادة.

وأخيرا لا يجب أن لا تنسينا هذه الاستجابات، وبهذه النسبة أن هناك تغيرا ملحوظا في نظرة المرأة لنفسها، ونظرة قريناتها في صالح مزيد من الثقة في قدرة المرأة على القيادة.
إننا جميعا بحاجة إلى مزيد من الوعي والإيمان بجدارة المرأة، وأن تكون المرأة أكبر نصير للمرأة، لا أن تكون أول من يرميها بالنيران. لقد خلق الله الرجل والمرأة متمايزين، لذا فللمرأة الحق في أن تتناول مختلف الأمور ومنها القيادة، وعلى طريقتها، التي تثبت الوقائع نجاحاتها كل يوم.

 د. ليلى عبد العال الغلبان
أستاذ اللغويات ورئيس قسم اللغة الإنجليزية بآداب كفر الشيخ
نشر المقال في مارس ٢٠١٨ في جريدة الأخبار

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق