في إثر عنايات الزيات – إيمان مرسال | كتبت: سلمي محمود

الإثنين ٢٩ يونيو ٢٠٢٠                         – كتبت : سلمي محمود

“أحيانًا يهزك عمل أدبي ما ولا يعني ذلك إنه عمل غير مسبوق في تاريخ الأدب، أو إنه أفضل ما قرأت في حياتك، إنها الصدف العمياء التي تدفع لك رسالة تساعدك على فهم ما تمر به، في اللحظة التي تحتاجها تمامًا، دون حتى أن تعرف إنك تحتاجها” –  إيمان مرسال

30167760_10156560691002018_7412441077845555023_o
ايمان مرسال 

الصدفة وحدها هي التي قادت الكاتبة إيمان مرسال ليقع بين أيديها رواية “الحب والصمت” للكاتبة عنايات الزيات، إذ حصلت عليها نظير مبلغ زهيد أثناء تجولها بسور الأزبكية للبحث عن كتاب أخر، ولكنها المصادفة العجيبة التي بدأت بكتاب وقع عفوًا في طريقهاوانتهت برحلة بحث استقصائية عن حياة كاتبة انتحرت في ظروف غامضة!

فعلى طريقة فيلم حكايات الغريب وبأسلوب مُبهر استعانت فيه بأدوات التحقيقات الاستقصائية ممزوجة بالسرد الدرامي المُشوق، بدأت إيمان في تقفي إثر الكاتبة الموهوبة بهدف التعرف على حياتها عن قُرب وما الذي دفعها لتُنهي حياتها بمأساوية وتتخلي عن كل شيء في السابعة والعشرين من عمرها!

تعددت مصادر بحث إيمان مرسال، ما بين شتات الأوراق القديمة المتناثرة وقصاصات الجرائد، أقوال أصدقاء وجيران عنايات وحتى من لم يعرفون عنها سوى القليل، وصولاً بصديقتها المقربة بولاً أو الفنانة «نادية لطفي» وأختها المترجمة عظيمة الزيات اللاتي كشفن لإيمان مرسال الكثير عن حياة عنايات المجهولة، ليس هذا وحسب بل قادها البحث إلى العديد من كبار الأدباء ممن كانوا علي معرفة بعنايات، إذ كانت تعرض عليهم انتاجها الأدبي مثل أنيس منصور ويوسف السباعي ومصطفى محمود وغيرهم، وبعد وفاتها استعان منصور بقصتها كثيرًا في مقالاته تارة يأتي ذكرها في سياق الحديث عن أديبات شابات وأخرى عن الانتحار وغيره.

بل ودعمت إيمان بحثها بوصف مثير لكل الأماكن التي وطئتها أقدام عنايات لتجعل القارئ يعيش الحكاية بكامل تفاصيلها وكأنها قصة درامية وليست حكاية واقعية!

30821210_10156560691032018_7669169836774351615_oالبحث الدؤوب أوصلها لحكاية عنايات التي قررت الانتحار عام 1963 وهي في عنفوان شبابها، لتنتهي حكايتها قبل حتى أن تبدأ، حكاية عنوانها الاكتئاب والخسائر المتتالية بدءًا من وفاة أخيها الأصغر مرورًا بانهيار زواجها وخسارة حضانة ابنها وحتى رفض نشر روايتها الوحيدة والتي لم تكن رواية بقدر ما كانت صرخة ألم وانهيار أفرغت فيها عنايات كل ما في جعبتها من حزن ووحدة وإحباط، متجسدة في شخصية نجلاء والتي تشابهت لحد كبير مع واقعها المظلم والكئيب، وهذا يبرز فيما عبرت عنه إيمان قائلة “كل خروج كان مهددًا بالعودة إلى دورة من الاكتئاب والعزلة في كل مرة، كأن هناك شيئًا معطوبًا في نجلاء وهي تحمله معها في الخروج والعودة”

نُشرت الرواية عام 1967 لسخرية القدر عقب وفاة عنايات، هذا القدر الذي لم يمهلها الوقت الكافي لتحظى بلحظة نجاح كانت تستحقها، ربما هذا ما جعلها في لحظة تقرر توديع الحياة التي لم ترى منها سوى ما لم تحب!، بعد أن فقدت كل شيء بحثت عنه؛ الأمومة، الحب، الاستقرار والمنزل وأخيراً عدم نشر روايتها وأدراكها أن أحلامها لم تكن سوى شيء يتجاوز حدود واقعها.

اختارت عنايات إنهاء حياتها ولكن حكايتها لم تمُت بفضل إيمان التي ساهمت في تأريخ كفاح كاتبة لم يُعرف عنها سوى الموت فسعيت لتكتب حياتها من جديد، لم تعد القصة في النهاية عن إثر عنايات ومعاناها وحدها إنما أصبحت عن الأمل الذي يقود للهاوية أحيانًا والأحلام التي قد تتحول إلى كوابيس فتدفعك للموت، وعما كانت تعانيه الكاتبات من مصاعب وعوائق ولازلن حتى اليوم، عن الاكتئاب الذي يحرمك من الحياة ويدفعك للموت، عن الكثيرات ممن عانين مثل عنايات، عن الحب والصداقة وكل شيء .. كل ذلك في إثر عنايات الزيات.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق