هل الحياة تبدأ بعد الطلاق؟ | ما بين عُلا وفاتن أمل حربي.. الجزء الأول | سلمي محمود

١٧ أبريل ٢٠٢٢
كتبت سلمي محمود

منذ فترة ليست بالطويلة عُرض مسلسل «البحث عن عُلا» على منصة نتفليكس وآثار حينها جدلاً واسعاً بدأ بالتعجب من التغير الصادم في المستوى الاجتماعي «لعُلا» والذي دفع بها لأكثر من عشرة مراكز اجتماعية في فترة لا يُمكن وصفها «بالطويلة»، واستمر الجدل المُثار حول حالة  «عُلا» بعد الطلاق والتي تم وصفها من قِبل البعض «بالخيالية» والبعض الآخر وصفها بتجربة «يُنصح بتجربتها»!

هل الحياة بالفعل تبدأ بعد الطلاق؟

المسلسل طرح تجربة «عُلا» بعد الطلاق والتي كانت بمثابة البوابة التي أخرجتها من روتين الحياة اليومية الخاوية وفقدانها لذاتها وحياتها الطبيعية التي نسيت معناها في غُمرة تواجدها في «قمقم» الزوجة والأم التقليدية إلى حياة مختلفة لم تعلم حتى بوجودها، حياة ساحرة اكتشفت رفقتها ذاتها من جديد، عادت لأصدقائها، بدأت مشروعها الخاص في مجال لم تعلم بتميزها به سوى في تلك اللحظة، جربت وفشلت ونجحت وجربت مرة أخرى وشعرت وكأن الكون فتح ذراعيه لها من جديد.. لتبدأ حياتها فعليًا «بعد الطلاق».

لكن هل الجميع يحظى بنفس التجربة مثل «عُلا»؟، هل تمنح الحياة جميع النساء نفس فرصة تجربة «ترك الماضي جانبًا والبدء من جديد» .. دعونا نُلقي نظرة على أحداث العمل الدرامي لنفهم أبعاد تجربة «عُلا» والفرق بينها وبين الواقع.

الفرق بين تجربة «عُلا» وتجارب النساء بعد الطلاق في الواقع.

البداية مع «هشام» الزوج باعتباره طرف الصراع الأول ومَن وضع حجر الأساس في مشروع الطلاق من البداية عندما أعلن عن قراره بعدم الاستمرار بشكل مفاجئ دون إبداء أية أسباب واضحة وهو السبب الذي جعل الجميع يضعه في سلة «نموذج الزوج السيء» الذي حطم قلب زوجته ورحل تاركًا كل شيء وراءه، بل وتجاوز الأمر سريعًا وكأنه لم يكن!

لكن على أرض الواقع «فهشام» كان كما يقولون بالنسبة لنسبة كبيرة من الأزواج بعد الطلاق «أحسن الوحشين» فقد ترك منزل الزوجية لزوجته لتستمر بالعيش بها رفقة أطفالها ووالدتها ورحل في صمت دون أن يقرر أن يُلقي بها خارجها بالتعاون مع أحد المحامين ذو الحيل الملتوية، أيضاً استمر بتحمل كل نفقات أطفاله المالية بعد الطلاق بشكل طبيعي، لم يدفع زوجته «للف على المحاكم» حتى تحصل على فتات الأموال، والأهم من ذلك لم يلعب بورقة أطفاله للضغط على طليقته للتنازل عن بعض من حقوقها أو لتعود إليه قهرًا، بل استمر في دوره كأب وحاول التقرب منهم ودفعهم لفهم وتقبل الوضع، أيضاً استمر في التعامل بأدمية واحترام مع  «طليقته» بعد الطلاق، لم يُشهر بها أو يحاول الانتقام منها أو تشويه صورتها أو تهديدها عندما علم إنها في طريقها لخوض تجربة جديدة مثله تمامًا .. استمر الأمر بينهما بشكل طبيعي رغم بعض المناوشات القليلة إلا أن الوضع لم يصل إلى قاع تجربة الطلاق الواقعية المؤلمة.

أيضاً «علا» رغم ابتعادها عن مجال عملها بسبب استقرارها بالمنزل «برغبتها»، إلا إن عملها كصيدلانية لفترة ليست بالقليلة أفادها في بدء مشروعها التجاري الخاص في مجال منتجات البشرة الطبيعية والذي فُتحت لها أبوابه بالصدفة وساعدتها صديقتها وبعض المعارف الذين قابلتهم خلال رحلة البحث عن حُلمها، هذا بجانب ظروفها المالية الميسورة التي ساعدتها على الإقدام على تلك الخطوة دون خوف أو تردد أو إجبار على سلك طريق آخر مُختلف وصعب.

أما في الواقع فنموذج «علا» قليل للغاية فنسبة كبيرة من السيدات لم يعملنّ مطلقًا من قبل أو تركنّ العمل بشكل مُبكر وبعد الطلاق وجدنّ صعوبة في العودة مرة أخرى للعمل أو البدء من جديد مع قلة الخبرة وكبر السن فيضطررن حينها للعمل في وظائف شاقة لا تناسبهن أو أقل من طموحهنّ ومستواهنّ التعليمي حتى يستطعنّ تدبير نفقات المعيشة اليومية لأطفالهن. 

أيضاً تعامل الأهل كان مختلفاً قليلاً هنا أيضاً، رغم إن الأم في العمل الدرامي كانت معارضة لانفصال ابنتها وتبحث معها عن سُبل لإقناع طليقها عن العدول عن قراره إلا إنها هاودتها في قرارها في النهاية ووقفت بجوارها في عملها وحياتها الجديدة، عكس بعض الأهل في الحياة الواقعية الذين يتفننون في تكدير حياة «الابنة المطلقة» بعد الطلاق إما بمنعها من الخروج والحياة الطبيعية بحجة الخوف على سمعتها لكونها «مطلقة» أو إجبارها على العمل للمساعدة في المصاريف أو إجبارها على العودة للطليق حتى وإن كان لا يُحتمل العشرة. 

أيضاً معظم الرجال الذين قابلتهم «علا» بعد الطلاق ما بين الصديق والرفيق المحتمل كانوا «رجال أسوياء» تعاملوا معها بشكل طبيعي، وهذه ميزة يُصعب إيجادها بشدة اليوم في مجتمع يتعامل فيه الرجال مع المرأة المطلقة بكونها فريسة سهلة الاصطياد أو امرأة يُمكن استغلالها والإيقاع بها بسهولة. … فقط لكونها «مطلقة».

بين «عُلا» و«فاتن أمل حربي»!

تلخيصًا يُعرض الآن في الموسم الرمضاني مسلسل «فاتن أمل حربي» والذي يُمكن اعتباره تجربة معاكسة لتجربة «علا» أو يُمكن القول إنه يُسلط الضوء على الجانب المظلم من حياة النساء بعد الطلاق والذي يتمثل في الغرق في بحر النفقة وتبديد المنقولات والخلافات وطرق الانتقام .. لتتحول حياة السيدة إلى حياة «راهبة» تُربي أطفالها في صمت ووحدة ويصبح روتين حياتها مُقسم بين زيارات المحاكم والعمل دون توقف توفيرًا لنفقات أطفالها وتدبير المكائد لطليقها حتى تتمكن من اقتناص حقوقها منه وإن كانت لا تجني سوى الفُتات بعد ذلك.

أخيرًا كانت «علا» محظوظة لأنها حصلت على دعم أسرتها ومساعدة أصدقائها وعلاقة سوية مع طليقها بعد الطلاق ونظرة مجتمع سوية .. وهذا ما لا تحصل عليه معظم السيدات ومن ضمنهن «فاتن» في مجتمعنا الواقعي بعد الطلاق..

وماذا عن معظم السيدات أمثال فاتن أمل حربي …. يتبع في الجزء الثاني

*إذا أعجبتك هذه المقالة أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق