الاثنين ١ أغسطس ٢٠٢٢
كتبت د.إيمان الأمير

كتبت لي صديقتي عن مخاوفها من السفر وكيف أنها تحلم أن عصابة ما قد خطفتها . والأخرى تخاف أن ينقطع بها الطريق وإحداهن يلاحقها الكلاب في شارع لا تعرفه. منهن من تخاف على دينها من الفتنة وتخاف ألا تجد حلالا تأكله. كلهن خائفات من المجهول المنتظر على طريق السفر. وكيف يا صديقتي سنتعلم العوم إذا لم ننزل إلى البحر .
سافرت يا صديقتي ورأيتهم بشرا مثلنا لهم أعين وأنف وأذنين. مشيت في شوارعهم ولم يطاردني أحد. رأيت الشحاذين في الشوارع ومحطات القطار وتعرضت للسرقة كما يمكن أن يحدث في أي شارع في بلادي. أكلت من طعامهم ولم يصيبني أي تسمم ، وجدت الكثير من الطعام الحلال في كل بقاع الأرض .

حدثيني عن حياتك وماذا تفعلين كل يوم . اليوم طلبت مني أمي أن أحضر لها شيئا من مكان لا أعرفه. إذن فقد تاهت بك الطرق ولم تعودي إلى المنزل؟ بلى عدت سالمة وقضيت مهمتي. وكيف عرفتي الطريق؟ استعملت خريطتي وسألت بعض الناس وبدلت أكتر من مواصلة. وما الفارق إذن ؟ سافرت يا صديقتي من لشبونة إلى اشبيلية تماما مثل ذهابي من القاهرة إلى الإسكندرية. قدت سيارتي من إيطاليا إلى فرنسا تماما مثلما أقودها من مصر الجديدة إلى حي المهندسين.
استعملت الخرائط وقواميس الترجمة وسألت المارة في الشوارع. قرأت عن كل مكان قبل أن أسافر إليه ثم بات قلبي شجاعًا وبدأت أذهب لأتعلم هناك ماذا يمكن أن أفعل. ركبت كل أنواع الموصلات وسط لافتات بلغات لا أعرفها وأحرف لا أميزها. لا أملك عصا سحرية ولا قوة خارقة ولكنني حاولت ومن سار على الدرب وصل.

رأيت المسلمين في شتى البلاد يملئون المساجد. وسمعت الترانيم في الكاتدرائيات والكنائس. شاهدت من يضعون البخور في معابد البوذيين والهندوس. رأيت اللادينين ومن يعبدون البقر. لم يغير ما رأيت قناعتي بديني. ثم وجه الله أينما ارتحلت. رأيت الله في كل ما أبدع وصور . زادت الطبيعة الخلابة التي رأيتها من حبي لخالق هذا الكون. سافرت لأرى عدل الله في كونه وعجائب صنعته في عباده. دعوته في السر والعلن ورجوته في الشدة والرخاء. سافرت ليعمر قلبي بالإيمان مثلما لم يعمر من قبل .
سافرت يا صديقتي وعرفت أننا لسنا وحدنا في هذا الكون. عظمت في عيني أمور وهانت علي أمور أخرى. واجهت نفسي بأشياء لم تخطر لي على بال. قابلت شعوب وقبائل وأقوام مختلفة وتعلمت منهم ما لم أتعلمه في الكتب ولا فصول الدراسة.

الخوف يكمن في أفكارنا نحن. تلك قناعات زائفة آن لنا أن نحيا بدونها. وما كان الله ليخلق كل هذا العالم لنعيش في بقعة واحدة. والآن يا
صديقتي هل ما زلتي تهابين السفر ؟

د. إيمان الأمير كاتبة أدب رحلات مصرية. د. الامير حاصلة علي الدكتوراة في نظم المعلومات الجغرافية ، و هي تدرس بكلية الحاسبات والمعلومات جامعة بنها. صدر لها عدة كتب في أدب الرحلات منها: ” في رحلة الحياة،”يا مسافر وحدك “، “السفر والترحال: سلسلة العين السحرية.” الواحات البحرية سلسلة الأماكن حواديت “.
إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **