خواطر أنثي ثائرة | جيهان راضي 

٩ أكتوبر ٢٠٢٢
جيهان راضي

أذكر جيدًا كيف حذرتني أمي _رحمها الله_ حينما كُنتُ صغيرة فقالت لي: ” إوعي تروحي لحد يقولك تعالي.”

أدركتُ حينها بفِطنة أنُثى مبكرة في ذات طفلة بنت العشرةِ أعوام أنها تخشى عليّ، تخاف على جسدي وبالأحرى تخشى على “غشاء بكارتي”. أنصتُ لها جيدًا واستوعبت الدرس تمامًا. والآن بعد مرور السنين؛ بعد أن تزوجت؛ وأنجبت؛ فصرتُ أمًا ثم انفصلت؛ لا زالت تستوقفني تلك الجملة مرارًا وتكرارًا.

أُدرك الآن أن المشكلة لم تكن تكمن في غشاء بكارتي، لرُبما هناك ما هو أكثر أهمية وهو “عقلي”، قد تكمن المشكلة في عقلي يا أمي لا جسدي ولا غشاء بكارتي، فلمن أُسلِّم عقلي؟ و لمن تذهب روحي؟ و لمن أهِب عمري؟ و لمن ترضخ إرادتي؟ و لأي طريق أروح بعقلي يا أمي؟ و الآن وأنا على مشارف التسع و العشرين عام أدركتُ أن عقلي هو الأجدر بالاهتمام، عرفت كم يتوجب عليّ أن أضع كل ما أقرأ و كل ما أسمع و كل ما أشاهد تحت التحليل والتمحيص، أحيانًا يُخيَّل إليّ أنه عليَ أن أُعيد قراءة ما قرأت، وأُعيد تعلم ما تعلمت، وأُعيد إحياء ما حييت، وأُعيد عيش ما عشت من تجارب؛ آلام؛ أحزان؛ فقدان؛ و خذلان. رُبما حينها أفهم الحياة، ولكن؛ هل عليّ فهم الحياة؟ أم عليَ الحياة؟ فقط أحيا، لكن كيف أحيا؟ 

كيف أحيا وأنا مُكبَّلة بقيودٍ من القراءات والخبرات و العادات و الأفكار في مجتمع ظالم لكل ما يستوجب عدل وكاره لكل ما يستوجب حب. أَأحيا على شاكلة المجتمع؟ أم أحيا على شاكلتي وأفكاري وفطرتي؟ استوعبت الآن أنه لا حقيقة مطلقة ولا شيء ثابت في تلك الحياة. لا شيء يبدو مثلما يبدو. أدركتُ كيف أن العقل هو الأجدر بالاهتمام، و طالما أن المعرفة هي غذاء ذلك العقل فلن أتوقف عنها طالما أحيا هذه الحياة، ولن أحياها إلا كما يحلو لي، كما يحلو لفكري وعقلي و ذاتي و روحي و كُلي. ورُوحي تعشق الحرية وتُحب الحياة، وذاتي تعشق كونها فراشة تتطلع للسماء وتتأمل البحر وتطير في الأُفق وتتلون بكل الألوان.

 وقد اتخذتُ قراري، سأذهب في كل صوب وكل اتجاه، سأذهب دون خوف أو ترقب طالما عقلي معي، فالمعرفة سلاحي وإرادتي الحرة مصدر قوتي.

**إذا أعجبتك هذه المقالة، اشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق