١٥ نوفمبر ٢٠٢٤
في عالمنا اليوم أصبح الإنترنت جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، حيث يوفر لنا فرصًا للتواصل والتعلم والابتكار. لكن إلى جانب هذه الفرص، يوجد أيضا واقع مظلم وهو العنف الرقمي. يشمل العنف الرقمي التنمر الإلكتروني، الملاحقة، والعديد من الأفعال المؤذية التي تترك آثارًا نفسية واجتماعية واقتصادية سلبية على الأفراد في كل مكان.
العنف الرقمي له أشكالًا مختلفة مثل التنمر الإلكتروني، نشر المعلومات الشخصية دون إذن، التحرش عبر الإنترنت، الملاحقة، نشر الصور الإباحية الانتقامية، والتلاعب بالصورة باستخدام تقنيات مثل “ديب فيك”. ورغم أنه لا يترك آثارًا جسدية، إلا أن العنف الرقمي يسبب أذى نفسي عميق.
الأرقام صادمة: دراسة أجريت عام 2022 أظهرت أن حوالي 41% من البالغين في الولايات المتحدة تعرضوا لشكل من أشكال التحرش عبر الإنترنت، وكانت النساء والمجموعات المهمشة الأكثر تعرضًا لهذه الأفعال. كما أشار تقريرللـ يونيسف إلى أن واحدًا من كل ثلاثة شباب في العالم تعرض للتنمر الإلكتروني. هذه المشكلة تتجاوز الحدود الجغرافية، فبفضل منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية أصبحت هذه الأدوات ساحة للعنف الرقمي.
العنف الرقمي يؤثر بشكل عميق على ضحاياه. نفسيًا، يعاني الكثير من الناس من القلق والاكتئاب بسبب التحرش عبر الإنترنت. اجتماعيًا، قد يبتعد الضحايا عن الإنترنت لتجنب المزيد من الأذى، مما يسبب لهم العزلة وفقدان الشعور بالاتصال بالآخرين.
أما اقتصاديًا، فقد يسبب العنف الرقمي مشاكل مهنية، حيث يفقد البعض وظائفهم أو يتعرضون لضرر في سمعتهم بسبب الهجمات الرقمية. على سبيل المثال، الصحفيات يتعرضن لهجمات مستهدفة على الإنترنت بسبب جنسهن، مما قد يمنعهن من متابعة عملهن أو التعبير عن آرائهن.
تختلف الاستجابات لهذه المشكلة من بلد لآخر. بعض الدول فرضت قوانين صارمة ضد العنف الرقمي، بينما في دول أخرى، ما زالت الأنظمة القانونية غير كافية أو قديمة لا تتناسب مع تطورات هذا النوع من الأذى.
تلعب شركات التكنولوجيا دورًا كبيرًا في الحد من العنف الرقمي، لكنها لا تقوم بما فيه يكفي لتقديم حلول فعالة. فأنظمة الإبلاغ على منصات التواصل الاجتماعي تكون غالبًا معقدة وغير فعّالة، ولا يتم التعامل مع المحتوى المسيء بالشكل المطلوب. كما أن الخوارزميات التي تهدف إلى زيادة التفاعل علي الانترنت قد تساهم في نشر المحتوى الضار بشكل غير مقصود.
ومع ذلك، هناك حلول تكنولوجية جديدة تظهر وقد تساعد في الحد من هذه الظاهرة. هناك مثلا أدوات الرقابة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتحقق من الهوية بشكل أكثر دقة، وهي كلها خطوات مهمة لخلق بيئة أكثر أمانًا. ومع ذلك، لازال هناك حاجة إلى المزيد من التعاون بين الحكومات والشركات التقنية.
في الوقت الذي تعد فيه التغييرات القانونية ضرورية، فإن الأفراد أيضًا يمكنهم القيام بدور كبير في مكافحة العنف الرقمي. يمكنهم تحسين مهارات الثقافة الرقمية، مثل فهم إعدادات الخصوصية (privacy setting)، والتعرف على عمليات الاحتيال، والتمييز بين أنواع التحرش على الإنترنت. كما يجب أن تكون هناك مجتمعات داعمة وبيئات آمنة، حيث يشعر الضحايا بالأمان للإبلاغ عن الإساءة دون الخوف من الانتقام. وتشجيعهم علي التحدث ضد التحرش للمساعدة في وقف العنف الرقمي.
العنف الرقمي هو قضية تحتاج إلى استجابة موحدة. يجب أن تعمل الحكومات على وضع سياسات قوية، ويجب على شركات التكنولوجيا ضمان أمان مستخدميها، ويجب على الأفراد تعزيز سلوك رقمي محترم. ومن خلال نشر ثقافة التعاطف والمساءلة والابتكار، يمكننا جعل الفضاء الرقمي مكانًا أكثر أمانًا.
دعونا نعمل الآن جميعا من أجل بناء مستقبل رقمي آمن، حيث تكون التكنولوجيا قوة للخير بعيدًا عن العنف.

