محتوى جلب الحبيب

٩ ديسمبر ٢٠٢٤
سهيلة عمر

شهدت منصات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة ظهور شكل جديد من أشكال العنف ضد المرأة، يتمثل في المحتوى الذي يقدمه بعض الأفراد، سواء كانوا رجالًا أو نساءً. يتناول هذا المحتوى مواضيع مثل: “كيف تكونين جذابة للزواج”، “كيف تجذبين الرجل”، “كيف تسيطرين على العلاقة العاطفية”، “كيف تظهري كزوجة مثالية”، و”كيف تمنعينه من الخيانة”، وغيرها من الموضوعات التي تكرّس صورًا نمطية تحد من استقلالية المرأة وتؤطر أدوارها الاجتماعية.

يُوحي هذا النوع من المحتوى بأن قيمة المرأة تُختزل في حيل وأساليب تهدف إلى كسب اهتمام الرجل والفوز بقلبه. فهل يُعقل أن تظل هذه النظرة مقبولة في عصرنا الحالي؟

يمثل هذا أحد الأشكال المبطنة للعنف ضد المرأة، حيث يسعى البعض إلى تحقيق المشاهدات والأرباح على حساب تقليل ثقة الفتيات بأنفسهن وزرع شعور بعدم الكفاءة لديهن. وفي المقابل، يندر وجود محتوى يخاطب الرجال بنفس الأسلوب.

يُصوَّر الرجل وكأنه لا يحتاج إلى أي مجهود ليكون مميزًا، وكأن مجرد وجوده كافٍ لمنحه تلك المكانة. لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن العديد من الرجال بحاجة إلى تأهيل نفسي وعاطفي ليتمكنوا من التعرف على أنفسهم بشكل أعمق بعيدًا عن الصورة المثالية التي يرونها في أعين أمهاتهم. هذه الصورة المبالغ فيها تمنحهم ثقة زائدة في كفاءتهم، وتجعلهم يؤمنون بأنهم يستحقون الأفضل دائمًا، حتى لو كان ذلك على حساب مشاعر النساء والفتيات، اللواتي لا ذنب لهن سوى سعيهن إلى حياة واضحة ومستقرة.

للأسف، تقع العديد من النساء ضحية لهذا النوع من المحتوى، فيسعين لتغيير أنفسهن سواء في التصرفات أو المظهر. ورغم أن بعضهن قد ينجحن في بناء علاقات باستخدام هذه الأساليب السحرية، إلا أن النتيجة غالبًا ما تكون الارتباط بأشخاص لا يتوافقون مع حقيقتهم. مع مرور الوقت، تتفاقم المشكلة، ويشعر الطرفان بأنهما تعرضا للخداع، مما يؤدي في النهاية إلى انهيار العلاقة، وقد تزداد الأمور تعقيدًا إذا كان هناك أطفال في الصورة.

المشكلة هنا ليست في الرجل كشخص، بل في مجموعة من الأفكار المجتمعية المغلوطة. أول هذه الأفكار هي تربية البنات على الشعور بالنقص منذ الصغر وانتقاد مظهرهن وتصرفاتهن البريئة، وإصدار الأحكام من الأهل والأقارب، مثل: افردي شعرك، وطي صوتك، عيب تطلبي، هدومك اوعي تتوسخ، خسي شوية، وشك مش حلو، دمك تقيل، مخك تخين، هتصرفي فلوسك في كلام فارغ، بطلي دلع، امشي بسرعة، لو كنتِ لابسة كويس محدش كان عاكسك، فلانة أحلى منك هتتجوز الأول، مبروك التخرج والشغل والماجستير والدكتوراه، بس ها مش هنفرح بيكي.

تخيلوا حجم التأثير السلبي عندما تُوجَّه كل هذه الانتقادات والأحكام نحو النساء، فيدفعهن ذلك إلى الشعور بالإحباط واليأس. تحت وطأة هذا الضغط، قد يجدن أنفسهن ضحية لهذا النوع من المحتوى، فيصدقن الخطط والأساليب التي يروج لها، ويحاولن تطبيقها فقط ليشعرن بأنهن كافيات وذكيات. وكأن كل الإنجازات التي حققتها النساء عبر العصور وفي زمننا الحاضر لا تكفي لإثبات ذكائهن ومواهبهن، بل يُشترط عليهن الحصول على تقييم من أشخاص لا يعرفونهن ولا يعرفن قيمتهن الحقيقية.

نحن بحاجة إلى الحد من هذا النوع من المحتوى الذي يعرض المرأة للعنف النفسي. بالطبع، في العديد من الحالات نحتاج إلى النصح والإرشاد، ولكن يجب أن يأتي ذلك من أهل الخبرة الذين يساعدوننا في اكتشاف أنفسنا وتطويرها لتحقيق علاقات صحية وآمنة، مما يساهم في بناء مجتمع قائم على أسر مترابطة وقوية. 

كل شيء يبدأ من المرأة؛ فإذا كانت الأم واعية بقيمتها ومدركة لذاتها، ستربي أبناءً يتمتعون بالفطرة السليمة، وحب التطور، والشعور بالقيمة الذاتية. أما إذا كانت الأم تعاني من شعور بالنقص، فإنها تتحول إلى الناقد الأكبر والحكم الأشد على أبنائها، مما يتركهم عرضة للضعف النفسي، مهما حققوا من نجاحات، ويجعلهم أكثر تأثرًا بالنصائح الضارة والمفاهيم المشوهة.

أضف تعليق