فى الاحتفالية المئوية بتأسيس الاتحاد النسائى المصرى | تحية الى مؤسسته هدى شعراوى

١١ يناير ٢٠٢٥
أليكساندرا كينياس

19260330_1448532445185445_7982857144607422983_n

تمكين المرأة ليس من الموضوعات المفضلة للنقاش في الكثير من دول الشرق الأوسط، و النساء اللاتي ينشأن في مجتمعات ميسوجونية (الكارهة للمرأة والتي تحمل أفكارًا متحيزة ضدها) يواجهن صعوبات مستمرة لتحقيق بعض النتائج الملموسة للحصول علي بعض من حقوقهن الأساسية.

مؤخرا، سألتني إحدى الشابات عن إنجازات هدى شعراوي (1887 – 1947). ظننت أنها تمزح، لكنني أدركت سريعًا أنها تسأل بجدية، لأنها لم تكن تعرف من هي هدى شعراوي أو أي إنجازات حققتها، سوى أنها سمعت بوجود شارع ومدرسة تحملان اسمها.

ما أدهشني حقًا هو أن هذه الشابة لم تكن تعرف أن هدى شعراوي كانت رائدة الحركة النسوية في مصر والعالم العربي. وتسألت بيني وبين نفسي كيف انه بعد سبعين عامًا من وفاتها، أصبحت رائدة تحرير المرأة المصرية ومؤسسة الاتحاد النسائى المصرى والاتحاد النسائي العربي، شخصية غير معروفة لجيل الشباب.

هذا الأمر ليس فقط محزنًا، بل يمثل صدمة لكل من يؤمن بحقوق المرأة. يبدو أن هناك محاولات متعمدة لإسكات أصوات النساء. ومع تهميش وتجاهل دور الرائدات اللاتي ناضلن من أجل حقوق المرأة والمساواة، تُحرم الفتيات والشابات من وجود قدوة تلهمهن وتدفعهن للسير على خطاها.

Capture_d_écran_2014-12-09_à_19.18.54-d4f58b0fbb029871cfaed7cf5ff4b6e9

ولدت نور الهدى سلطان في 23 يونيو 1879، وتلقت تعليمها داخل أسوار الحريم بقصر والدها السياسي الثري مالك الأراضي الزراعية. أمضت حياتها المبكرة في هذا العزلة حتى تم اجبارها على الزواج في سن الثالثة عشرة من ابن عمتها محمد شعراوي والذي كان فى الاربعينات من عمره. وقد حصلت علي لقب زوجها بعد الزواج، وأصبحت تعرف بإسم هدى شعراوى.

انفصلت عن زوجها بعد خمسة عشر شهرًا من الزواج، بعد أن أنجبت خليلته طفله، وكسر بذلك بندا في عقد الزواج والذي كان ينص علي تحرير محظيتة قبل الزواج من هدى سلطان، وبعدم الزواج أو العيش مع  إمرأة أخري سوي زوجته هدى. وبعد الانفصال عادت العروس الصغيرة الى بيت والدها ولتعيش مع والدتها.

19420662_1448532328518790_382325950704045232_n

انفصلت هدى شعراوي عن زوجها لمدة سبع سنوات، وخلال هذه الفترة تمكنت من استكمال تعليمها والحصول على قدر أكبر من الحرية. استغلت هذه الحرية لحضور الحفلات الموسيقية، والتعرف على سيدات أخريات، والمشاركة في الاجتماعات النسائية التي كانت تنظمها يوجين لوبورن، وهي سيدة فرنسية متزوجة من سياسي مصري.

توطدت علاقة هدى شعراوي بيوجين لوبورن، التي ألهمتها وشجعتها على العمل من أجل إحداث تغيير في حياة النساء. ومع ذلك، وتحت ضغط من عائلتها، عادت هدى شعراوي إلى زوجها، وأنجبا معًا طفلين، صبيًا وبنتًا.

في مذكرتها “سنوات الحريم” التي نُشرت عام 1987، بعد أربعين عامًا من وفاتها ، روت هدى شعراوي عن نشأتها، وكيف كان شقيقها هو المفضل لدى العائلة كونه صبيا، وكيف كان لديه الكثير من الحريات التى حُرمت منها هى  بسبب جنسها. كان مسموح له بمزاولة العديد من الانشطة خارج اسوار القصر، والذهاب الى  المدرسة وتعلم مواد مدرسية اعتُبرت غير ضرورية للفتيات. 

كتبت هدى شعراوى: “أصبت بالاكتئاب وأهملت دراستي ، كرهت كونى فتاة لأنها حرمتني من التعليم الذى كنت ارغبه. وأصبح كوني أنثى حاجزًا بيني وبين الحرية التي كنت أتوق إليها.

802229_orig
”Huda Sharawi stands between Nabaweya Moussa (left) and Size Nabarawy (right) –  Rome 1923. 

تجربة هدى شعراوي الشخصية مع العزلة داخل أسوار الحريم، وعدم المساواة بينها وبين شقيقها، وكبت آرائها ورغباتها، وتقييد حركتها ومنعها من الخروج بحرية، إضافة إلى زواجها في سن مبكرة، دفعتها إلى النضال لكسر القيود التي جعلت النساء سجينات في منازلهن.

لم تكن هدى شعراوى هى أول من طالب بحقوق المرأة، إلا أنها كانت أول من حول هذه المطالب إلى واقع عملي.. وبفضل جهودها ، كان جيلها من النساء آخر من عانى من العزلة والتمييز بين الرجال والنساء، فى بعض الاحيان تحت سقف بيت واحد.

اليوم، وبسبب الدعاية السلبية، يختصر الكثيرون إنجازات هدى شعراوي في مجرد خلعها الحجاب علنًا عام 1923 عند عودتها من المؤتمر الدولي للمرأة في روما. ورغم أن هذا الفعل كان تحديًا للأعراف الثقافية والاجتماعية في ذلك الوقت، إلا أنه لم يكن ذو أهمية كبيرة بالنسبة لها، حيث كان الحجاب آنذاك تقليدًا اجتماعيًا أكثر منه التزامًا دينيًا.

43a0c990025fd7cd9427a4dc02e95195
Shaarawy stands in the back- Women Meeting at her Residence 
hodasharawi
women meeting at her residence – Huda Shaarawi seated 

كرائدة وطنية وناشطة في حقوق المرأة وصاحبة مبادرات خيرية عديدة، تجاوزت إنجازاتها مجرد هذا الحدث الرمزي. لكنها لم تصل إلى ما حققته بسهولة، فقد ناضلت في كل خطوة. لم تواجه فقط تقاليد المجتمع الذكوري وثقافته، بل تحدت أيضًا رجال الدين الذين عارضوا أفكارها. ورغم شدة التحديات، استطاعت بإصرارها وقيادتها أن تواجه الوضع الراهن وتكسر العديد من التابوهات (المحرمات) المجتمعية.

استطاعت خلال حياتها من تحقيق الكثير من المطالب التى نادت بها، وتحقق بعضها بعد وفاتها، وهناك العديد من من المطالب الأخرى التى لا تزال النساء تناضل من أجلها حتى يومنا هذا.

من بين إنجازاتها، أنشأت هدى شعراوي مبرة محمد علي، أول جمعية خيرية تديرها مصريات لتقديم الخدمات للنساء والأطفال الفقراء؛ افتتحت مدرسة للبنات؛ وأنشأت الجمعية الفكرية للمرأة المصرية لتحسين الحياة الفكرية والاجتماعية للمرأة. في عام 1919 ، نظمت وقادت أول مظاهرة نسائية ضد الاحتلال البريطاني، وبعد عام أصبحت رئيسة اللجنة المركزية للمرأة في حزب الوفد، وهي أول منظمة سياسية للمرأة المصرية.

في عام 1923 ، أسست هدى شعراوى الاتحاد النسائى المصري وأصبحت رئيسة له حتى وفاتها  فى عام 1947. كان هدف الاتحاد النسائي هو النضال من أجل حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والقانونية. طالبت هدى شعراوي برفع الحد الأدنى لسن الزواج ، ووضع قيود على تعدد الزوجات، وإصدار قوانين طلاق أكثر صرامة للرجال. كما قامت بحملة من أجل قبول الفتيات فى التعليم العالى. وبحلول عام 1930، تم قبول الطالبات في الجامعات.

91bdc98e73dd43529b11dae91e603ed2
Women demonstrations against the British Occupation – 1919

لم تكن هدى شعراوي مجرد رمزا لتحرير المرأة المصرية، بل كانت هى من اشعل فتيل الحركات النسوية فى المنطقة العربية. في عام 1944 أسست الاتحاد النسائى العربي وأصبحت رئيسة له. 

ولكن على الرغم من جهودها وتفانيها في الحياة لتمكين المرأة، لم تكن هدى شعراوي لديها الحق فى التصويت الانتخابى، بالرغم من انه احد المطالب السياسية التى حاربت كثيرا من اجله.  

ولكن مع الجهود المتواصلة التي بذلتها النساء الأخريات الذين ساروا على خطاها ، مُنحت المرأة المصرية حق التصويت في عام 1954.

GetImage.aspx
Meeting with Women Delegations from Arab Countries – Shararawi on the right with black purse – 1944

واجهت المرأة المصرية خلال العقود القليلة الماضية، ولا تزال، تحديات كبيرة تعيق تقدمها. وفي الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد النسائي المصري، يجب أن نتذكر ونكرم إنجازات هدى شعراوي من خلال الاستمرار في المطالبة بمزيد من الحقوق لتمكين المرأة. الطريق نحو التقدم والمساواة ما زال طويلًا، ولكن بالإصرار والعمل المستمر، يمكننا تحقيق مستقبل أفضل للمرأة والمجتمع ككل.

أضف تعليق