٢٩ مارس ٢٠٢٥
جيهان راضي

هل يجب على الفن أن يحمل رسالة ليصير فنًا؟ هل يلزم الفن أن يكون ذو قيمة مجتمعية؟ قبل أن أجيب على هذا السؤال، أريد أن أقتبس قول أوسكار وايلد في مقدمة روايته صورة دوريان غراي:
“ليس بين الكتب كتب أخلاقية وكتب منافية للأخلاق. فالكتب إما جميلة التأليف وإما رديئة”
وأنا أقول: “ليس بين الفنون فن أخلاقي وآخر منافي للأخلاق، فالفن إما جميل الصُنع وإما رديء”
وأظن أننا هنا أمام عمل مكتمل الجمال؛ كتابةً وفنًا على حدٍ سواء، وعلى صعيدٍ آخر يرفض (رولان بارت) الناقد الفرنسي في مقاله “موت المؤلف” سلطة المؤلف على النص، ويرى أن السلطة في يد القاريء، بل يرفض أحادية التفسير وينادي بتعدد المعاني، بمعني أبسط يرى رولان بارت أن النص لا يملك معنى أو تفسيرًا واحدًا، بل عدة معانِ، فكُل قارئ يرى العمل من زاويته، وكلما اختلف القراء كلما تعددت المعاني، وكلما يمر الوقت يظل النص حيًا دون تقييده بمعنى واحد.
ولقد نوه صُناع مسلسل (لام شمسية) منذ عرض أولى حلقاته عن أي محاولة لحصر تفسير فكرته في فكرة واحدة وهي (البيدوفيليا)، وأظن أنه تنويه هام من صناع عمل حقيقي جاد، فأنا أرى هنا قدرة مذهلة على تحقيق معادلة صعبة؛ تقديم صورة جمالية للمشاهد تُعبِّرعن تجربة إنسانية، وتسليط الضوء على قضية مجتمعية هامة، أي أن المسلسل استطاع أن يقدم صورة جمالية تتمثل في كادرات رائعة، تعبر عن تجارب مؤلمة، بينما أثارت الفكرة انتباه المشاهد لقيمة خطيرة في نفس الوقت.
لام شمسية يحمل العديد من القضايا التي يصعب حصرها، وينطبق هنا رأي (رولان بارت) عن قدرة النص على أن يبقى حيًا، فهذا المسلسل سيظل حيًا، كل حلقة تشاهدها تخرج بمعنى مختلف عن سابقتها، وأظن لو أعادنا المشاهدة بعد عدة سنوات، سنخرج بمعانِ آخرى، بل إن عنوان المسلسل نفسه (لام شمسية) يُمثِّل العديد من الدلالات، صندوق النجوم أيضًا رمزية بمفرده.
لا يثير المسلسل قضية التحرش بالأطفال فقط، ولا يثيرها بشكل سطحي، بل بأشد الأشكال عُمقًا، هنا تجد رفض الانتهاكات النفسية والبدنية للأفراد صغارًا أو كبارًا، توعية مجتمع بأكمله بقضية طالما أخرست ألسنتنا من باب عدم خدش الحياء أو من باب (إذا اُبتليتم فاستتروا)، وماذا عن باب (لا ضرر ولا ضرار)؟
أأتحدث عن مضطرب يُسبِّب الأذى للناس؟ وكم من مضطربين حولنا في كل مكان! كم من نماذج ترتع بالراحة بينما تُسبب الألم لأقرب الناس إليها!
أم عن عدد الأمهات اللاتي تعرضن للتحرش في طفولتهن فأصبحن مُشوَّهات؟ متى تصبح المرأة قادرة على مواجهة الحقيقة أمام المجتمع أو حتى أمام نفسها؟ كيف ننتظر مجتمع ناجح دون أشخاص ناجحين؟ وكيف تأتي بأجيال سوية من أمهات لم يتعافين من إساءات الطفولة بعد؟ وكم من زوجة تُنتهَك جسديًا ونفسيًا و فكريًا كل ليلة باسم الزواج الرباط المُقدَّس أو الدين؟ والدين بريء من تلك الأفكار المسمومة، ينهى الدين عن الضرر بكل أشكاله.
وأنا هنا لست بصدد الإشادة بالإخراج، أو الأداء التمثيلي، أو الكتابة، أو التصوير، فالكل أبدع وأتقن في مكانه، والمسلسل قد حقق النجاح بالفعل وشهادتي مجروحة، لكن ما يثير الإعجاب هو محاولة كل الفتيات إيقاظ وعي أطفال العائلة بعد مشاهدة المسلسل، ليستطيعوا التمييز بين اللمسة الحلوة، والوحشة، وأنا أقرأ تعليقات البنات على السوشيال ميديا من كافة الدول العربية ويزداد إعجابي بتلك المبادرة، لكن أرجو أن أرى مُستقبلًا مادة دراسية في مدارسنا تُعلِّم الأطفال مساحاتهم الخاصة بكل أشكالها، لا بالجسد فقط بل بالنفس والفكر أيضًا.
في النهاية؛ أختتم كلامي بقول أوسكار وايلد: “كلما اختلف النقاد أحسَّ الفنان بأنه أدى واجبه”
وكل ليلة عقب مشاهدة إحدى الحلقات؛ أرى استوديو تحليليًا للشخصيات، وسجالًا وتكهنات بالأحداث، فبكل المحبة أقول لصناع لام شمسية لقد أديتوا الواجب كاملًا.
