6 أكتوبر 2025
د. جيهان رجب
الوصول إلى ما يمكن تسميته الحالة الملكية ليس رفاهية ولا لحظة استرخاء عابرة، بل هو امتحان وجودي يمس أعماق الإنسان. ان تمتلك زمام مشاعرك، أن تحافظ على هدوئك العميق وسط الضجيج، وأن تصنع قرارك بوعي واتزان من دون أن تتأرجح تحت ضغط الخوف أو التوقعات. ومع ذلك، يظل السؤال مطروحا: هل يسلك الرجل والمرأة المسار نفسه للوصول إلى هذه الحالة، أم أن لكل واحد منهما طريقا شائكا بطريقته الخاصة؟
الرجل منذ طفولته يربى داخل صورة محددة ومشددة: صورة القوة التي لا تهتز. عليه أن يخفي خوفه، أن يدفن ضعفه، وأن يتجاوز قلقه بصمت وكأن مشاعره عيب لا يليق به. كل شيء يطالبه بأن يكون صلبا مهما كلفه الآمر، حتى لو اشتعل داخله صراع خفي. من هنا، يبدو أن رحلة الرجل نحو حالته الملكية معقدة؛ فهي تبدأ من كسر القناع الذي ارتداه طويلا، والاعتراف أولا بانسانيته، وبأن حاجته إلى الدعم ليست نقصا بل شجاعة. لحظة الاعتراف بالضعف قد تكون مفتاحا لقوة أعمق وأكثر صدقا.
أما المرأة، فصورتها ليست واحدة بل صور متراكمة لا تنتهي. المجتمع يريدها كل شيء في وقت واحد: أما مثالية، زوجة داعمة، مهنية ناجحة، صديقة خفيفة الظل، وجميلة في كل لحظة. هي أسيرة هذا الكم من الأدوار المتزاحمة التي تستهلكها بإستمرار. رحلتها نحو حالتها الملكية تبدأ حين تجرؤ على الإنسحاب من لعبة الارضاء الدائم، حين تقول لنفسها: يكفيني ان أكون أنا. التمرد هنا ليس رفاهية، بل فعل خلاص يعيد إليها حريتها الداخلية ويمنحها السلام الذي تحرم منه وهي تركض خلف توقعات لا تنتهي.
ورغم إختلاف التفاصيل، فإن هناك خيطا مشتركا بين الرجل والمرأة. التحدي لا يكمن في وصفة جاهزة أو خطوات محفوظة، بل في التحرر من الضغوط الاجتماعية التي تعيد صياغة الداخل باستمرار. الرجل يقاتل صورة القوة الجامدة التي صاغها له المجتمع، والمرأة تقاتل ازدحام الأدوار المستنزفة التي تفرض عليها دون توقف. كلاهما لا يبلغ ملكيته إلا حين يقف أمام مرآته بصدق، ويتعامل مع ذاته كما هي، لا كما يريدها الآخرون أن تكون.
فمن يسبق الآخر في هذه الرحلة؟ هل المرأة أسرع لأنها بطبيعتها أقرب إلى التصالح مع عاطفتها وتستطيع أن تعلن هدنتها مع نفسها بمرونة أكبر؟ أم أن الرجل، حين يتمكن من هدم الأسوار العالية التي بنيت حوله عبر سنين طويلة، يصل إلى سلام أعمق لأنه حقق الانتصار الأصعب؟
قد لا يكون هناك فائز واحد، لأن الحالة الملكية ليست سباقا بين رجل وامرأة. هي رحلة فردية داخلية، اختبار لجرأة كل شخص على مواجهة صوته الداخلي لا صدى المجتمع فقط. والذين ينجحون هم من يخلعون تاج المجتمع المزيف، ليكتشفوا تاجهم الداخلي الحقيقي، تاج الهدوء والسيطرة والحرية.
كتبت : ا.د جيهان رجب

