6 أكتوبر 2025
سيدات مصر
عندما تولّت رانيا جوهر قيادة شركة ”جوهار“ عام 2011 بعد رحيل والدها، لم ترث مجرد منصب، بل تبنّت رسالة. وبصفتها الجيل الثاني من قادة واحدة من أبرز شركات المنتجات المنزلية في مصر، حافظت رانيا على إرث العلامة التجارية، وفي الوقت نفسه دفعت نحو التحديث، والتوسع العالمي، والاستدامة.
وبينما وازنت بين التقاليد والابتكار، حافظت على التزام ”جوهار“ بشعار “صُنع في مصر” كرمز للجودة، مع إدخال تقنيات صديقة للبيئة، وعمليات رقمية، وأسواق تصديرية جديدة. وإلى جانب نجاحها في عالم الأعمال، تدعم رانيا تمكين الشباب والنساء، محوّلة ”جوهار“ إلى مركز لتنمية المواهب.
وبقيادتها، تطورت ”جوهار“ لتصبح علامة مصرية عصرية ذات حضور عالمي، تجمع بين القيم العائلية والقيادة المستقبلية.
سيدات مصر: بدايةً، كيف تصفين رحلتك كامرأة في عالم الأعمال والصناعة؟
رانيا جوهر: رحلتي كانت مزيجًا بين التحدي والشغف. نشأت وسط بيئة عائلية اعتادت على الانضباط والعمل الجاد، وكان والدي هو المعلم الأساسي لي، إذ زرع في داخلي منذ الصغر قيمة الالتزام وأهمية المسؤولية. هذا منحني أساسًا قويًا، لكنه أيضًا جعل دخولي المجال يحمل مسؤولية مضاعفة، كوني امرأة في قطاع يغلب عليه الطابع الذكوري. كان عليّ أن أثبت نفسي، ليس فقط بقدرتي على الإدارة، ولكن أيضًا برؤيتي المختلفة التي توازن بين الحزم المطلوب في الإدارة والمرونة في التعامل مع الفريق. أعتبر أن نجاحي الشخصي انعكاس لنجاح النساء المصريات عامة، اللواتي يثبتن يومًا بعد يوم أنهن قادرات على قيادة أكبر المؤسسات.
س م: ما هو أكبر تحدٍ واجهك في مسيرتك؟
ر ج: التحدي الأبرز كان الحفاظ على استمرارية نجاح شركة عمرها أكثر من أربعة عقود، وفي نفس الوقت إدخال روح جديدة تواكب العصر. الحفاظ على هذا التوازن بين الأصالة والابتكار لم يكن سهلًا، خصوصًا مع تغير أذواق المستهلكين وتطور السوق. أحيانًا، كان علينا اتخاذ قرارات صعبة مثل إعادة تصميم منتجات تقليدية لتصبح أكثر ملاءمة للأسواق الحديثة، وهو ما تطلب شجاعة ورؤية مستقبلية.
س م: ماذا يعني لكِ كونك امرأة تقود علامة تجارية عريقة؟
ر ج: يعني الكثير. أشعر أنني أحمل رسالة، ليس فقط للشركة ولكن أيضًا لكل امرأة تحلم بخوض مجال الأعمال. وجودي اليوم في هذا المنصب هو فرصة لأثبت أن الكفاءة والرؤية أهم بكثير من النوع الاجتماعي. أتمنى أن أكون مثالًا يلهم سيدات أخريات أن يخضن مجالات قد تبدو صعبة، ويثبتن أن النجاح لا يعرف حدودًا.
س م: كيف أثرت القيادة النسائية في أسلوب الإدارة داخل GOHAR؟
ر ج: أعتقد أن القيادة النسائية منحت الشركة طابعًا خاصًا، فأنا أميل إلى بناء ثقافة عمل تقوم على التعاون، الاستماع، والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي تُحدث فارقًا كبيرًا. هذه المنهجية جعلت الفريق أكثر التزامًا، والعمل أكثر إبداعًا. ومنذ أن توليت إدارة شركة جوهار، حرصت على فتح المجال أمام النساء والشباب للعمل في مواقع صناعية كانت حكرًا على الرجال سابقًا، إيمانًا بأن الكفاءة لا تُقاس بالنوع، بل بالقدرة على الإنجاز والإضافة الحقيقية.
س م: كقائدة، كيف تلهمين فريقك يوميًا؟
ر ج: أؤمن أن القائد الحقيقي هو من يعمل جنبًا إلى جنب مع فريقه. لذلك أحرص دائمًا أن أكون موجودة، أشاركهم القرارات الصعبة والنجاحات أيضًا. أفتح لهم المجال للإبداع واقتراح أفكار جديدة، وأعتبر أن كل إنجاز نحققه هو ثمرة جهد جماعي. بالنسبة لي، سر النجاح هو أن يشعر كل فرد في الفريق أن له دورًا مؤثرًا في مسيرة الشركة.
س م: ما هي نصيحتك للنساء الراغبات في دخول عالم الأعمال؟
ر ج: أن يثقن في أنفسهن وقدراتهن. البدايات دائمًا صعبة، لكن مع وضوح الرؤية والإصرار على تحقيقها، ستجد كل امرأة لنفسها مكانًا في هذا العالم. أنصحهن ألا يخشين التجربة أو الفشل، فكل تجربة تحمل درسًا يقربهن من النجاح.
س م: شركة جوهار تأسست عام 1986، كيف استطاعت أن تحافظ على مكانتها طوال هذه السنوات؟
ر ج: من البداية، بنينا سمعتنا على الجودة التي لا تقبل التنازل. لكن السر الحقيقي في استمراريتنا كان المرونة وقدرتنا على مواكبة التغيرات. مع كل جيل جديد من العملاء، كان علينا أن نعيد التفكير في منتجاتنا وتصاميمنا. هذا بالإضافة إلى التوسع في الأسواق، وعدم الاكتفاء بالسوق المحلي فقط. وجود رؤية طويلة المدى هو ما جعلنا نحافظ على مكانتنا، ليس فقط كشركة، بل كعلامة تُشعر الناس بالثقة.
س م: ما هي أبرز محطات النجاح في مسيرة GOHAR؟
ر ج: هناك عدة محطات فارقة: أولها نجاحنا في تأسيس مصنع قادر على تلبية احتياجات السوق المحلي في فترة كان الاعتماد الأكبر فيها على المنتجات المستوردة. ثم جاء التوسع الإقليمي الذي جعلنا اسمًا حاضرًا خارج مصر. كذلك، إدخال خطوط إنتاج حديثة كانت خطوة كبيرة في رحلتنا، لأنها سمحت لنا بتقديم منتجات متنوعة وعصرية. وكل ذلك تحقق بفضل فريق عمل متفانٍ يؤمن بنفس القيم التي تأسست عليها الشركة.
س م: كيف ترين إرث الشركة الممتد لأكثر من أربعة عقود؟
ر ج: بالنسبة لي، الإرث ليس مجرد تاريخ، بل هو التزام يومي. نحن نتحدث عن علامة عاشت في كل بيت مصري تقريبًا. هذا الإرث يُلهمني لأكون على قدر المسؤولية، ويحفزني لأحافظ على الهوية التي وضعها المؤسس، مع إضافة لمسات جديدة تجعلنا نواكب المستقبل دون أن نفقد أصالتنا.
س م: كيف استطاعت GOHAR أن تحافظ على صلتها بالمجتمع المصري؟
ر ج: نحن جزء من حياة المصريين اليومية، وهذا جعل العلاقة بيننا وبين المجتمع علاقة صادقة. لم نكن يومًا شركة بعيدة عن الناس، بل كنا نستمع إلى احتياجاتهم ونطور منتجاتنا بناءً عليها. حتى اليوم، نهتم أن تعكس منتجاتنا القيم والعادات المصرية، وفي الوقت نفسه تواكب التغيرات الحديثة.
س م: في رأيك، ما الذي يميز GOHAR عن غيرها في السوق؟
ر ج: تميزنا ينبع من ثلاث ركائز أساسية: الجودة التي لا تتغير، الثقة التي بنيناها مع العملاء، والتجديد المستمر. نحن لا نكتفي بتقديم منتج جيد، بل نركز على تجربة العميل بالكامل؛ من التصميم وحتى خدمة ما بعد البيع. هذا ما يجعل الناس يشعرون أننا قريبون منهم، ولسنا مجرد شركة تبيع منتجًات.
س م: كيف توازنين بين الابتكار والتجديد من ناحية، والحفاظ على هوية “جوهار” العريقة من ناحية أخرى؟
ر ج: هذه المعادلة هي جوهر عملنا اليومي. نحن نحافظ على قيمنا الأساسية: الجودة والالتزام والشفافية، فهي التي صنعت ثقة العملاء في “جوهار”. وفي الوقت نفسه نعمل على التطوير المستمر سواء في التصميمات، أو في استخدام التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج. بهذه الطريقة نظل أوفياء لتراثنا العريق، ونواكب تطلعات الأجيال الجديدة.
س م: ما الدور الذي لعبته العلاقات مع الموردين والعملاء في نجاح “جوهار” على مدار العقود الماضية؟
ر ج: العلاقات بالنسبة لنا ليست مجرد معاملات تجارية، بل شراكات ممتدة. الموردون هم شركاؤنا في ضمان جودة المنتجات، والعملاء هم مرآتنا التي تعكس لنا مستوى نجاحنا. لقد حرصنا دائمًا على بناء جسور ثقة تقوم على الاحترام المتبادل، وهذا أحد أسرار استمرارنا في السوق لأكثر من 40 عامًا.
س م: كيف ترى “جوهار” مستقبل الصناعة المصرية في ظل التحديات الاقتصادية العالمية؟
ر ج: رغم التحديات الاقتصادية العالمية، أنا متفائلة جدًا بمستقبل الصناعة المصرية. لدينا عقول مبتكرة، وشباب متعطش للفرص، وسوق محلي وإقليمي يحتاج إلى منتجات عالية الجودة. إذا استثمرنا أكثر في التكنولوجيا والتدريب، فمصر قادرة أن تكون مركزًا صناعيًا رائدًا في المنطقة، و“جوهار” تسعى لأن تكون جزءًا أساسيًا من هذا التحول. وقد قاومنا وقف الإنتاج في أصعب الأزمات، وحرصنا على عدم تسريح أي عامل رغم الضغوط الاقتصادية. كما إنني تعلمت من إدارة الأزمات أن الاستقرار الوظيفي والمرونة هما الأساس لتجاوز المراحل الصعبة دون المساس بجودة المنتج أو ثقة العملاء.
س م: كيف تنظرين لمستقبل الشركة في السنوات القادمة؟
ر ج: المستقبل بالنسبة لي مليء بالفرص. نعمل على تعزيز وجودنا في الأسواق الإقليمية بشكل أكبر، ونفكر في التوسع لأسواق جديدة خارج المنطقة أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، نركز على إدخال التكنولوجيا الحديثة في التصنيع لضمان الكفاءة والاستدامة. هدفي أن تبقى GOHAR اسمًا حاضرًا وقويًا لأربعين سنة قادمة كما كان في الماضي.
س م: هل ترين أن مسيرة GOHAR تلهم رواد الأعمال الشباب؟
ر ج: بالتأكيد. مسيرتنا تعكس أن النجاح لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل هو رحلة طويلة من العمل المتواصل والصبر. الشباب اليوم بحاجة إلى قصص حقيقية مثل قصتنا ليعرفوا أن التحديات جزء من الطريق، لكن بالإصرار يمكن تخطيها وبناء علامة قوية تعيش لأجيال.
س م: ما الذي يجعلكِ فخورة أكثر عند النظر لمسيرة 40 عامًا؟
ر ج: أكثر ما يملؤني فخرًا هو أن منتجاتنا أصبحت جزءًا من حياة ملايين الناس. أن ترى اسم “جوهار” مستخدمًا يوميًا في بيوت مختلفة، من أبسط البيوت إلى أفخمها، هو أكبر دليل على أننا نجحنا في الوصول للناس جميعًا. هذه القاعدة الواسعة من العملاء هي رأس مالنا الحقيقي.
س م: كلمة أخيرة تحبين أن توجهيها عبر Women of Egypt؟
ر ج: أود أن أقول إن النجاح الحقيقي ليس فقط فيما نحققه لأنفسنا، بل فيما نتركه من أثر للآخرين. أتمنى أن تكون رحلة GOHAR ورحلتي ملهمة للنساء وللشباب أيضًا، وأن يثق كل فرد أن بإمكانه ترك بصمة إيجابية في مجتمعه، أياً كان مجاله. وأنا أؤمن أن الحفاظ على الإرث لا يعني التمسك بالماضي، بل تطويره برؤية تُشبه المستقبل وتُشبهنا.

