العنف الرقمي ضد المرأة… عنف من نوع جديد يحتاج إلى وعي وحماية

الجمعة ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٥
كتبت د. يارا كمون

في ظل تشابك حياتنا اليومية مع العالم الرقمي، أجد نفسي كامرأة أراقب بقلق بالغ ظاهرة العنف الرقمي التي أصبحت تهدد سلامة كل امرأة، والتي حولت الفضاء الافتراضي من مساحة للتعبير والتمكين إلى ساحة يختبئ فيها المتحرشون خلف الشاشات، مستغلين ضعف الوعي المجتمعي وغياب القوانين الرادعة.

العنف الرقمي هو شكل خبيث من أشكال العنف، إذ يشوه سمعة النساء ويهدد أمنهن، ويتخذ صورًا متعددة مثل التحرش الإلكتروني، والابتزاز، ونشر الصور دون إذن، والتتبع عبر الإنترنت، وانتحال الشخصية، وخطاب الكراهية، إضافة إلى التقنيات الحديثة كـ التزييف العميق (Deepfake).

وتشير دراسة صادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية إلى أن نحو 49٪ من النساء لا يشعرن بالأمان أثناء استخدام الإنترنت بسبب التحرش الإلكتروني، وترتفع النسبة إلى 70٪ بين الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان. كما أظهرت أن 60٪ من النساء تعرضن للعنف الرقمي خلال العام الماضي فقط، و44٪ منهن أكثر من مرة، مما يدل على أن الظاهرة أصبحت متكررة لا حالات فردية. والأسوأ أن العنف الرقمي لا يبقى خلف الشاشات، إذ أفادت 33٪ من الضحايا بأن التعديات انتقلت إلى الواقع، وارتفعت النسبة إلى 44٪ خلال جائحة كوفيد-19، مما يثبت الارتباط الوثيق بين العنفين الواقعي والرقمي ويضحض الادعاء بأنه “مجرد كلمات على الشاشة”. كما تُظهر الإحصاءات أن أكثر الانتهاكات تقع على فيسبوك بنسبة 43٪، تليه إنستغرام بنسبة 16٪، ثم واتساب بنسبة 11٪.

إن هذا العنف شكل من أشكال القتل الصامت، إذ تعاني ضحاياه مشاعر الخوف والقلق والاكتئاب والخزي، وتتعرض كثيرات منهن للوصم من أقرب الناس إليهن — من آباء وأمهات وإخوة وأزواج — الذين يتجاهلون كونها ضحية ويتعاملون معها كمتهمة.

ومن هنا أوجه حديثي إلى الأسرة، فهي خط الدفاع الأول في مواجهة هذه الظاهرة. على الآباء والأمهات أن يربّوا أبناءهم على احترام الآخرين وصون الخصوصية عند استخدام الإنترنت، وأن يتابعوا استخدامهم للتقنيات بروح تربوية قائمة على الحوار لا العقاب، وأن يكونوا قدوة حسنة في السلوك الرقمي المسؤول. كما يجب توعية الأبناء بمخاطر مشاركة المعلومات الشخصية أو التعامل مع الغرباء عبر الإنترنت. وإلى كل أب وأم وأخ وزوج، كونوا سندًا لا مصدر خوف، وملجأً آمنًا لا موضع اتهام. فالتعامل بثقة وتفاهم والاستماع دون تهوين أو لوم هو السبيل لدعم الضحية ومساندتها، لا محاكمتها أو زيادة معاناتها.

كما أوجه حديثي إلى المجتمع، الذي يتحمل مسؤولية نشر ثقافة الاحترام والمسؤولية في استخدام التكنولوجيا. فالمجتمع الواعي هو القادر على الحد من مظاهر العنف الرقمي وحماية المرأة من تبعاته. وتؤدي المدارس ووسائل الإعلام دورًا محوريًا في توعية الشباب بخطورة هذا النوع من العنف وطرق الوقاية منه. كذلك يجب أن تكثّف الجمعيات الأهلية ومبادرات المجتمع المدني جهودها لتوفير بيئة آمنة للتبليغ والمساندة النفسية والقانونية.

وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الإبلاغ عن حوادث العنف الرقمي لا تتجاوز 3٪ من إجمالي الحالات، بسبب اعتقاد 41٪ من النساء أن الإبلاغ لن يُحدث فرقًا، و27٪ لعدم معرفتهن بالجهات المختصة، فيما تخشى أخريات الوصم أو اللوم. والأخطر أن جزءًا من المجتمع لا يزال يبرر الجريمة، إذ يرى رجل من بين كل اثنين وأربع نساء من كل عشر أن “من تنشر صورها تتحمل العواقب”. هذه النظرة تُظهر الحاجة إلى إصلاح ثقافي شامل يبدأ من التعليم والإعلام ويمتد إلى تشريعات رادعة تضمن للمرأة الأمان والكرامة في العالمين الواقعي والرقمي.

إن حملة “16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة”، التي تُقام من 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر من كل عام، تذكّرنا بأن العنف ضد المرأة — سواء كان جسديًا أو نفسيًا أو رقميًا — قضية إنسانية تتطلب موقفًا جماعيًا حازمًا. فالعنف الرقمي لا يقل خطرًا عن الجسدي، بل قد يكون أشد قسوة لأنه يقتحم المساحات الخاصة ويلاحق المرأة في صمتها وضعفها.

ختامًا، فإن سلامة المرأة الرقمية حق إنساني أصيل، ولتحقيق ذلك يجب أن تتكامل الجهود القانونية والتقنية والتوعوية. نحن بحاجة إلى تشريعات تواكب تطور التكنولوجيا، وثقافة مجتمعية ترفض لوم الضحية، ومنصات إلكترونية مسؤولة تطور أدوات فعالة لرصد المحتوى العنيف والتعامل معه، حتى يصبح العالم الرقمي مساحة آمنة تحترم المرأة وتؤمن بحقها في الأمان والكرامة.

أضف تعليق