السوبرانو العالمية: «بفضّل العُزلة وأستمع إلى المهرجانات»

الوجه الآخر لـ فاطمة سعيد بعيدًا عن الأوبرا

٣٠ نوفمبر ٢٠٢٥
كتب أحمد مصطفي

في عالم الموسيقى الكلاسيكية، حيث يلتقي الصوت بالشغف والموهبة بالاجتهاد، تبرز فاطمة سعيد كسوبرانو مصرية استطاعت أن تصنع لنفسها مكانًا مميزًا بين كبار الفنانين العالميين. من القاهرة، حيث ارتبطت أولى خطواتها بالغناء بأستاذتها دكتورة نيفين علوبة، إلى ألمانيا وإيطاليا، حيث صقلت مهاراتها على يد أساتذة بارعين، ثم على مسرح «لا سكالا» الشهير، حملت فاطمة صوتها كجسر بين التراث الموسيقي المصري وروح الأوبرا الأوروبية. سنوات التدريب والدراسة والعمل الدؤوب لم تمنحها صوتًا فحسب، بل أعمق فهم للعاطفة والإحساس الذي ينقله الفن، لتصبح رحلتها لوحة من العمل المستمر، الصبر والانفتاح على الثقافات المختلفة.

Photos courtesy Fatma Said

في هذا الحوار، تأخذنا فاطمة في رحلة عبر بداياتها، تجاربها الفنية الكبرى، علاقتها بالموسيقى المصرية الكلاسيكية، لحظاتها الإنسانية اليومية بعيدًا عن الأضواء ورؤيتها للغناء كفن يترك أثرًا خالدًا في قلوب الناس.

ما اللحظة الأولى التي شعرتِ فيها أن الغناء ليس مجرد موهبة بل قدر؟

صراحة، أنا أصلًا ما بحبّش أفكّر في حكاية الموهبة، لأن اللي الناس بتشوفه على المسرح بالنسبة لي هو 99٪ شغل وتعب. أمّا عن القدر: ده برضه ماكانش في إيدي. بحس إنّ رحلتي هي اللي وصلتني لحاجة بحبّ أعملها. ماكانش في لحظة فجأة فهمت فيها كل حاجة، هي كانت رحلة فيها طلعات ونزلات وفي الآخر الغُنا بقى قَدَري.

كيف تتذكرين أول مرة وقفتِ فيها على خشبة المسرح وأين كانت؟

كان في القاهرة على مسرح دار الأوبرا، حفلة الكريسماس السنويّة بتاعة مُدرّسة الغِنا بتاعتي، دكتورة نيفين علوبة، إدّتني الفرصة أغنّي سولو لأول مرّة في حياتي. غنّيت أغنية واحدة بس الليلة دي ولسه فاكرة لحد دلوقتي إزاي صوتي كان خايف من كتر التوتّر.

من بين الأساتذة الذين تتلمذتِ على أيديهم، من ترك الأثر الأعمق في تكوينك الفني والإنساني؟

بعتبِر نفسي محظوظة جدًا بالمدرّسين اللي قابلتهم في طريقي. أقدر أبدأ بدكتورة نيفين علّوبة، أول مدرسة اشتغلت معاها وأنا عندي 14 سنة، علّمتني وجهّزتني لامتحانات الغِنا في ألمانيا وادّتني قاعدة قوية أبدأ بيها دراسة الغِنا الكلاسيكي في أوروبا.

في ألمانيا، مدرّستي كانت ولازالت البروفسورة ريناته فالتِن. أنا مديونة لها لأنها بتدرسلي بقلها 16 سنة. أيضًا بدين بجزء كبير من موسيقيّتي وفنّي لِلبروفسور توم كراوزه والبروفسورة جوليا فارادي.

ولا زم أقول إن كل المدرّسين دول مش بس أساتذة عِظام، دول أيضًا كان ليهم تأثير إيجابي كبير على شخصيّتي وخلّوني إنسانة أحسن.

كيف غيّرت الإقامة والدراسة في أوروبا نظرتكِ للفن الكلاسيكي؟

اتعلّمت إن الموسيقى مش رفاهية. اتعلّمت إن الموسيقى الكلاسيكية، بكلّ الشِّعر والحكايات والشعراء وتاريخ الألحان، بتغنّينا كبشر وبتخلّينا نبقى ناس أحسن. واتعلّمت كمان إزاي دول العالم الأوّل بيستثمروا في الموسيقى الكلاسيكية لإنهم عارفين قدّ إيه تأثيرها إيجابي على المجتمع.

ما الذي تعلمتِه من تجربتكِ في دار أوبرا «لا سكالا» الإيطالية،؟

الغُنا على مسرح «لا سكالا» في إيطاليا كان مِن أهمّ التجارب في حياتي المهنية. ثلاث سنين عمري ما هانساهم. اشتغلت مع أحسن مُخرِجين وأفضل قادة أوركسترا ووقفت على المسرح مع نجوم عِظام ماكنتش حتى بحلم إني أقابلهم. كنت حاسّة إني زي الإسفنجة، عايزة أتعلّم كل حاجة أقدر عليها.

وممتنّة جدًا إني تعلّمت الإيطالي وبقيت باتكلّمها بطلاقة لحد النهاردة. الإيطالية هي اللغة الأساسية في عالم الأوبرا.

لحظة المتحف المصري الكبير..

كيف تصفين شعوركِ وأنتِ تغنين أمام هذا الصرح الحضاري العظيم؟

كانت من أهمّ لحظات حياتي وبحسّ إني ممتنّة بشكل مايتوصفش إني كنت جزء منها. حسّيت وكإنّه حلم فجأة لقيته بيتحقّق قدّامي. كنت مبسوطة لدرجة إني مش عارفة أوصّفها بكلام.

من وراء الكواليس… ما أكثر لحظة لن تنسيها خلال التحضير للحفل؟

عمري ما هنسى الدقايق القليلة قبل ما أطلع فعليًّا من تحت المسرح في دخولي. كنت سامعة دقّات قلبي بوضوح في وداني. حسّيت فجأة إن كل حاجة ركّبت مع بعض، والإحساس ده بتاع: «هو بيحصل بجد دلوقتي؟»

صفِ لنا علاقتك الفنية بالموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب..

عبد الوهاب هو المُلحّن المصري المفضّل عندي ومن أكتر المُلحّنين اللي بحبّهم في العالم. ناس كتير بتقول إن عبد الوهاب هو موزارت الشرق الأوسط. بس أنا ما بحبّش النوع ده من المقارنات، لأنّي شايفة إن عبد الوهاب في مكانة لوحده عالميًّا، زي ما موزارت وبيتهوفن كانوا في مكانة لوحدهم.

وبفضل والدي، اتعرّفت على موسيقى عبد الوهاب من وأنا صغيرة جدًا. كبرت وأنا عارفة كتير من أغانيه، وكان حلمي دايمًا إني أغنّي موسيقاه على المسارح الكلاسيكية. ومعناه كبير قوي بالنسبة لي إنّي قدرت أحقّق الحلم ده، وإنّي أقدّم موسيقى عبد الوهاب للدول الغربية بطريقة أكتر أوبرالية وكلاسيكية.

وبصراحة، أنا حاسّة إن قاعات الحفلات حوالين العالم لازم يتعزف فيها موسيقى عبد الوهاب أكتر من كده بكتير.

بعيداً عن البروفات والضوء، كيف تبدو فاطمة سعيد في يوم عادي؟

في يومي العادي، بعيد عن المسرح والبروفات، أنا شخص بسيط جدًا. بحب أقعد مع عيلتي واستمتع بوقتي في البيت. شُغلي بيخلّيني أسافر كتير وعشان كده في الأيام العادية بحب أفضّل في البيت وآكل أكل بيتي وأقضي وقت لطيف مع جوزي وأولادي. وبحب أرتاح وماعملش حاجات كتير، لأن جسمي بيحتاج الراحة دي عشان أكون جاهزة للحفلة اللي بعدها.

هل تفضلين العزلة أم الضوضاء عندما تحتاجين للتركيز أو الإلهام؟

أنا طبعًا بفضّل العُزلة. مش العُزلة اللي هي أقعد لوحدي في أوضة مقفولة، بس بحب أمشي لوحدي في هدوء وبستمتع أروح حفلات كلاسيكية لوحدي وبحب أذاكر لوحدي. وقتي مع نفسي مهم جدًا بالنسبة لي وباخده بجدّية قوي.

ما نوع الأغاني التي تستمعين إليها عندما لا تكونين على المسرح؟

بحب أسمع موسيقى كتير ومنوّعة جدًا. بستمتع بالكلاسيكيات القديمة زي عبدالحليم حافظ، شادية وفيروز. وبحب كمان موسيقى الجاز. مش بسمع أوبرا كتير، بس بستمتع جدًا بالسيمفونيات والكونشيرتوهات بتاعة البيانو زي أعمال رخمانينوف أو شوبان. ويمكن ناس كتير مش هتصدّق، بس أنا فعلًا بستمتع إني أسمع مهرجانات لما أكون في المود.

ما أكثر ما يلهمكِ في الحياة اليومية؟ مشهد، كتاب، لحظة، أم إنسان؟

إنسان

إن لم تكوني مغنية أوبرا، في أي مجال كنتِ ترين نفسكِ؟

يمكن كنت هابقى مُخرِجة، راقصة أو مُمثّلة. أكيد حاجة ليها علاقة بالفن.

مع السفر الدائم، هل لديكِ روتين معين لتحافظي على توازنكِ الذهني؟

مع جدول السفر المستمرّ بتاعي، اضطريت أتعلّم بالطريقة الصعبة إزاي أعتني بنفسي. اتعلّمت إن الاهتمام بنفسي والتأكّد إنّي باخد قسط كافي من الراحة مهمّ قدّ نفس المجهود والتعب اللي بحطّه في الغِنا والعروض.

اتعلّمت إن الراحة مش معناها إني أقعد في البيت ومأعملش حاجة. الراحة كمان معناها إنّي أتأكّد إن أكلي صحي وإنّي أغذّي روحي بتجارب جميلة زي حضور حفلة موسيقية حلوة أو قعدة دافية مع أصدقاء. وبتعني كمان إنّي أتأكّد إن عضلاتي مرتاحة، وإن لو احتجت أحجز سبا أو مسّاج بشكل منتظم. وطبعًا، أهمّ حاجة في كل ده، إنّي أنام كويس.

أخيرًا… كيف تحبين أن يتذكركِ الجمهور بعد سنوات طويلة من الآن؟

في مقولة جميلة قوي بتقول «الناس ممكن مايفتكروش إنت قلت إيه ولا عملت إيه ولا كسبت كام جايزة. بس دايمًا هيفتكروا إنت خلتّهم يحسّوا بإيه. وأنا بقى ده بالضبط اللي أتمنّى الناس تفتكرني بيه، أتمنّى يفتكروا الإحساس اللي كنت بسيبه جواهم وده هيكون معناه كبير قوي بالنسبة لي».

أضف تعليق