أزمة اسم… حين يصبح التطابق الورقي فخًا قانونيًا يهدد الأبرياء

٤ ديسمبر ٢٠٢٥
د. هالة إمام

لم تعد مشكلات تشابه الأسماء مجرد مواقف طريفة أو التباسات بسيطة يمكن تجاوزها؛ بل تحولت في السنوات الأخيرة إلى إحدى أخطر القضايا القانونية والإنسانية التي تطال مواطنين بسطاء ذنبهم الوحيد أنهم يحملون اسمًا شائعًا يتكرر بين ملايين الأشخاص.

ومع الزيادة السكانية الضخمة واتساع قاعدة البيانات الحكومية، بات التطابق الاسمي يشبه “مصيدة صامتة” قد يقع فيها الفرد وهو لا يدري، ليجد نفسه مدرجًا على قوائم المنع من السفر، أو مطلوبًا للتحقيق، أو محجوبًا عن خدمة حكومية؛ فقط لأن اسمه يشبه اسم شخص آخر متهم في قضية لا تمت له بصلة.

قصص تتكرر… والخطر واحد

كم من مواطن فوجئ في المطار بقرار يمنعه من السفر!

وكم من شخص تم توقيفه لساعات أمام أسرته أو زملائه بسبب تشابه اسمه مع مطلوب!

وكم من موظف تعطلت ترقيته بعدما التبست هويته بآخر مدان!

هذه الوقائع، وإن اختلفت تفاصيلها، تكشف حقيقة واحدة:

النظام التقليدي القائم على الاسم وحده أصبح غير قادر على حماية الأفراد في مجتمع يتزايد عدده يومًا بعد يوم.

لماذا يتفاقم التشابه؟

هناك ثلاثة أسباب رئيسية أسهمت في تضخم الظاهرة:

انتشار الأسماء المشتركة مثل محمد، أحمد، محمود… وغيرها، خاصة مع تشابه الأسماء الرباعية داخل العائلات الممتدة.

تعدد الجهات الحكومية وتباين قواعد البيانات، مما يجعل مراجعة الهوية عملية بطيئة وغير دقيقة.

عدم ربط القرارات الحساسة—مثل المنع من السفر أو الضبط والإحضار—بنظام تحقُّق رقمي موحد يضمن أن الشخص المقصود هو بالفعل صاحب الواقعة.

ثمن الخطأ… يدفعه الأبرياء

الطامة ليست فقط في التوقيف أو المنع؛ بل في الأثر النفسي والاجتماعي:

إحراج أمام الأسرة والوظيفة.

فقدان الثقة في المؤسسات.

شعور بالظلم يُلازم الشخص حتى بعد إثبات براءته.

وفي أحيان كثيرة، يستغرق تصحيح الخطأ وقتًا أطول من تحمّل المتضرر، فيعيش فترة من القلق أو الانتظار القسري لمجرد أنه “يحمل الاسم الخطأ”.

حلول ممكنة… لكنها تحتاج إرادة

لا تحتاج معالجة الظاهرة إلى ثورة تشريعية معقدة، بل إلى تحديث عقلية التعامل مع الهوية، ومن أهم المقترحات:

الاعتماد على الرقم القومي كمرجع وحيد في قرارات الضبط أو المنع، وعدم الاكتفاء بالاسم.

الربط الفوري بين الجهات الحكومية عبر قاعدة بيانات مركزية محدثة.

استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف حالات الالتباس قبل وقوعها.

تفعيل حق المواطن في تصحيح الخطأ سريعًا دون بيروقراطية أو تأخير.

في الختام…

تشابه الأسماء ليس خطأً يرتكبه المواطن، لكنه قد يتحول إلى عقوبة غير معلنة إذا لم تتم مراجعة الأنظمة والإجراءات المنظمة للتحقق من الهوية.

ومجتمع يتزايد تعداده يحتاج إلى منظومة تحقق أكثر ذكاءً وإنصافًا…

تحمي الأبرياء قبل أن توقعهم في دائرة الاشتباه.

أضف تعليق