حوار مع د. أسماء أسامة: فهم العنف الرقمي وسبل حماية النساء في الفضاء الإلكتروني

٤ ديسمبر ٢٠٢٥
سيدات مصر

في ظل الانتشار الواسع للتكنولوجيا وتحوّل حياتنا اليومية إلى فضاء رقمي مفتوح، تتزايد التحديات التي تواجهها النساء والفتيات على منصات التواصل، حيث تظهر أنماط جديدة من العنف لا تقل خطورة عن العنف المباشر. في هذا الحوار، تتحدث د. أسماء أسامة إلى ”سيدات مصر“ عن أبرز أشكال العنف الرقمي، وأسباب انتشاره، وأثره الاجتماعي والقانوني، كما تقدم رؤيتها حول سبل الحماية ودور المؤسسات في مواجهة هذه الظاهرة المتصاعدة، إلى جانب نصائح مهمة للنساء والفتيات للتعامل الآمن مع العالم الرقمي.

د. أسماء أسامة، باحثة دكتوراه في القانون الجنائي، متخصصة في القضايا المعاصرة المتعلقة بالجريمة الإلكترونية ووسائل الإثبات الحديثة. قدمت د. أسماء أسامة إسهامات بحثية مميزة في المجال القانوني من خلال مجموعة من الدراسات المتخصصة التي تناولت قضايا معاصرة مرتبطة بالتقنيات الحديثة والفضاء الرقمي. تركز أعمالها على تحليل أثر التطور التكنولوجي على المنظومة القانونية، ودور الأدلة الرقمية في الإثبات الجنائي، إلى جانب استشراف مستقبل التقاضي الإلكتروني. كما تتناول في أبحاثها التحولات الاجتماعية والأخلاقية التي فرضها العالم الرقمي، والتحديات القانونية الناتجة عن الجرائم المالية والاعتداءات الإلكترونية، مما يجعل نتاجها العلمي مرجعًا مهمًا لفهم العلاقة المتشابكة بين القانون والتكنولوجيا في عصرنا الحالي.

سيدات مصر: ما أبرز أشكال العنف الرقمي التي تتعرض لها النساء والفتيات؟
د. أسماء أسامة: العنف الرقمي الاكثر انتشارا التحرش الالكتروني و الابتزاز الالكتروني

س م: ما هي أكثر منصة ترين أنها مليئة بالمخاطر على الفتيات؟
أ أ:  الفيسبوك  بسبب ارتفاع معدلات الخطاب المسيء والتنمّر والانتهاكات اللفظية والسلوكية ، مما يجعلها البيئة الأكثر إنتاجًا وتداولًا لمظاهر العنف الإلكتروني. 

س م: ما الأسباب التي تدفع البعض لممارسة العنف الإلكتروني ضد المرأة؟
أ أ: يرتبط العنف الإلكتروني ضد المرأة بعدة عوامل ، من أبرزها استمرار الصور النمطية التي تنتقص من مكانة المرأة وتمنح المعتدي مبررًا اجتماعيًا غير مباشر لممارسة الإساءة ضدها، إلى جانب ضعف الثقافة الرقمية لدى بعض النساء مما يجعلهن أكثر عرضة للاختراق والابتزاز والتنمر. كما يسهم غياب الردع القانوني الفعّال أو بطء الإجراءات القضائية في تشجيع المعتدي على الاستمرار في سلوكه دون خوف من العقاب، في وقتٍ توفر فيه وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لهذا النوع من العنف بسبب سهولة إخفاء الهوية، وهو ما يمنح المعتدي جرأة أكبر على الإساءة والتهديد. ويؤدي الخطاب المجتمعي السلبي تجاه المرأة إلى تعزيز مناخ يسمح بقبول هذا السلوك، خصوصًا عندما يرتبط الأمر بالسيطرة أو الانتقام العاطفي، حيث يلجأ البعض إلى استخدام أدوات التكنولوجيا للإيذاء أو التشويه بعد الخلافات أو انتهاء العلاقات. ويزداد الوضع تعقيدًا نتيجة ضعف الوعي القانوني لدى النساء وعدم إدراكهن أن هذه الأفعال تُعد جرائم إلكترونية تستوجب العقاب، فضلًا عن الخوف من اللوم الاجتماعي الذي يمنع الكثيرات من الإبلاغ، مما يخلق دائرة مغلقة تدعم استمرار العنف الإلكتروني وتوسّع نطاقه بفعل سهولة تداول المحتوى وسرعة انتشاره عبر المنصات الرقمية.

س م: هل ما زالت النظرة المجتمعية تقلّل من خطورة العنف الرقمي مقارنة بالعنف المباشر؟
أ أ: نعم ، ما زالت النظرة المجتمعية تقلّل من خطورة العنف الرقمي مقارنة بالعنف المباشر، بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن ما يحدث عبر الإنترنت أقل تأثيرًا لأنه غير ملموس، ولضعف الوعي بآثاره النفسية والاجتماعية الخطيرة. كما تَميل بعض الفئات إلى لوم الضحية واعتبار أن بإمكانها ببساطة تجاهل المعتدي أو حظره

س م: كيف يسهم “الفراغ القانوني أو ضعف تطبيق القانون” في انتشار هذه الممارسات؟
أ أ:.يسهم الفراغ القانوني أو ضعف تطبيق القوانين في تفاقم العنف الرقمي، إذ يمنح المعتدين شعورًا بالأمان والإفلات من العقاب، ويجعل الضحايا أقل جرأة على الإبلاغ لغياب الثقة بفعالية الإجراءات. كما يؤدي بطء التحقيق وضعف تجهيز الجهات المختصة إلى ضياع الأدلة الرقمية، بينما تظل بعض الأفعال الحديثة خارج نطاق النصوص القانونية الصريحة، مما يفتح المجال لانتشار هذه الممارسات دون ردع حقيقي.

س م: هل القوانين الحالية كافية لحماية النساء من الابتزاز الإلكتروني والتحرش الرقمي؟
أ أ: القوانين المصرية الحالية تُشكّل إطارًا مهمًا لمواجهة الابتزاز والتحرش الرقمي، لكنها رغم ذلك لا توفر حماية كاملة، إذ ما زالت بعض الثغرات في التطبيق وضعف الوعي القانوني يحدّان من فاعليتها، مما يجعل حماية النساء من هذه الجرائم ممكنة من حيث النصوص، لكنها ليست مضمونة دائمًا في الواقع العملي.

س م: ما أهم العقبات القانونية التي تواجه الضحية عند تقديم بلاغ؟
أأ: تواجه الضحية عند تقديم بلاغ  عن جريمه  رقمية عدة عقبات، أبرزها صعوبة إثبات الأدلة الإلكترونية وسهولة محوها، وبطء الإجراءات وتعقيدها، إلى جانب ضعف الوعي بالإجراءات القانونية والخوف من الوصم الاجتماعي. كما قد تعاني الضحية من نقص خبرة بعض الجهات المختصة في التعامل مع الجرائم الرقمية، أو من عدم التعامل الجاد مع الشكوى، مما يجعل الحصول على الحماية القانونية عمليًا أكثر تعقيدًا من المتوقع.

س م: ما المطلوب من صانعي السياسات لمواجهة الظاهرة؟
أ أ: لمواجهة العنف الرقمي بفعالية، يجب على صانعي السياسات تحديث القوانين لتغطية جميع أشكال الجرائم الرقمية الحديثة، وتعزيز تطبيق القانون من خلال تدريب الجهات المختصة وتمكين فرق متخصصة، إلى جانب إنشاء منظومة دعم وحماية للضحايا تشمل خطًّا ساخنًا ودعمًا نفسيًا وقانونيًا، مع رفع الوعي المجتمعي بخطورة هذه الظاهرة وأهمية التعامل معها بجدية.

س م: كيف يمكن للمؤسسات الإعلامية مواجهة التطبيع مع العنف الرقمي?
أ أ: يمكن للمؤسسات الإعلامية مواجهة التطبيع مع العنف الرقمي من خلال تبنّي سياسة تحريرية مسؤولة تحترم خصوصية الضحايا، وتجنب عرض محتوى يروّج للعنف أو يستغله للترند، مع التركيز على التوعية القانونية والاجتماعية، وتدريب الصحفيين على التعامل الأخلاقي مع هذه القضايا، بحيث يكون الإعلام وسيلة للتثقيف والحماية بدلًا من الإثارة أو الاستغلال.

 س م: ما النصائح التي توجهينها لامرأة تتعرض الآن لابتزاز أو عنف رقمي وتخاف من الإبلاغ؟
أ أ: اذا كانت امرأة تتعرض للابتزاز أو العنف الرقمي وتشعر بالخوف من الإبلاغ، فمن المهم أن تحافظ على الأدلة الرقمية دون حذفها، وتتجنب المواجهة المباشرة مع المعتدي، وتلجأ إلى استشارة قانونية أو مراكز دعم موثوقة، مع تعزيز حماية حساباتها وبياناتها، والبحث عن دعم نفسي واجتماعي من أشخاص موثوقين لضمان الأمان النفسي والجسدي أثناء التعامل مع الموقف.

س م: نصيحة قصيرة للبنات في سن المراهقة؟
أ أ: لا تدعي التعليقات السلبية أو المضايقات الرقمية تكسر ثقتك بنفسك، ركزي على قيمتك الحقيقية واحمي خصوصيتك دائمًا

 س م: ما رسالتكِ للمجتمع في يوم مناهضة العنف ضد المرأة؟
أ أ: رسالتي للمجتمع في يوم مناهضة العنف ضد المرأة هي أن نوقف الصمت ونتحمل مسؤوليتنا جميعًا، فلا مكان للتمييز أو العنف سواء جسديًا أو رقميًا. يجب تعزيز الوعي، وحماية النساء، وتشجيعهن على التحدث والإبلاغ دون خوف، مع التأكيد على أن الاحترام والمساواة هما الأساس لبناء مجتمع آمن وعادل للجميع.

أضف تعليق