العنف الإلكتروني ضد النساء: ما بين الخطر وجهل المجتمع

٢٥ ديسمبر ٢٠٢٥
كتبت لمياء حجر


إن العنف، بكل مفاهيمه، ليس وليد العصر الحالي أو نقطة تشكلت في أشهر قليلة؛ فالعنف ضد النساء وُلد ونما منذ وجود كيانها على الأرض، وقد تعددت أشكاله، منها الحسي واللفظي، حتى أن أول وصم وُصفت به كان “الغواية”، وكان الوصم من نصيب الأم حواء.

وقد نما العنف وتسلسل حتى وصل إلى أقبح الجرائم التي قد تُسن وتُصدق عليها التشريعات. وتطوّر العنف من مجرد وصمٍ بالغواية إلى جعل المرأة نموذجًا مثاليًا للفساد والانحدار الأخلاقي؛ فسعى المجتمع، متشكّلًا في بؤرته الفكرية الملوثة بالجهل، إلى تفريغ أنفاسه المكبوتة والظلم الواقع عليه في وجه المرأة، بكافة أعمارها: طفلة، شابة، أو مسنّة.

وبظهور التكنولوجيا، فإنها بدورها أسهمت في خلق مساحات شاسعة يُبدَّد فيها كيان المرأة، وتُوصم بكل العبارات المُدينة، ويُسلب منها حقها دون أن يُهدر جهدٌ مادي في إيذائها؛ يكفي أن تُحرّك الأصابع على لوحة مفاتيح أو شاشة.

وهذا المقال يحاول إلقاء الضوء على مظاهر هذا العنف، وأسبابه، وسبل إيقافه.

ما هو العنف الإلكتروني ضد المرأة؟

استنادًا إلى تعريف الأمم المتحدة (UN Women)،

فإن العنف الإلكتروني ضد المرأة هو: “أي عمل من أعمال العنف يُرتكب أو يُضاعف تأثيره باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ويترتب عليه أذى جسدي أو نفسي أو اجتماعي للنساء والفتيات، بما في ذلك التهديدات، والتحرش، والابتزاز، والتشهير، ونشر المحتوى غير المرغوب فيه.”

من أبرز مظاهر العنف الإلكتروني ضد المرأة:

1. التحرش اللفظي عبر منصات التواصل الاجتماعي:

وهو النوع الأبرز والأكثر انتشارًا، ويكون وليدًا للكبت المتغلغل داخل الشباب أو حتى الكبار؛

فما قد يفعلونه في الشوارع من تحرش لفظي على مرأى ومسمع من المجتمع، أصبح يُمارس على المنصات دون أن يشاهدهم أحد.

2. التهديد والابتزاز بالصور:

وقد نما هذا النوع بشكل لافت ومرعب في الآونة الأخيرة، نتيجة للتطور الكبير الذي شهده قطاع الذكاء الاصطناعي (AI)، وعدم وجود وعي مجتمعي لدى شرائح متعددة من المجتمع حول ماهيته، وما يُنتج عنه من جرائم ممنهجة في حق السيدات على وجه التحديد.

3. الملاحقة الرقمية والتجسس عبر الإنترنت:

ذاع صيت هذا النوع من العنف مؤخرًا، ويرجع ذلك إلى عدم استيعاب عدد كبير من الجنس الآخر لمفهوم الرفض؛

فأصبح الرجال يلاحقون المرأة حتى على حساباتها الشخصية، التي تُعد متنفسًا لها من ضغط الأيام، ويحاولون تنغيص براحها الوحيد.

4. تداول الصور والمقاطع الإباحية:

ويُعد هذا النوع هو الأعنف، نتيجة لنشر صور ومقاطع إباحية للنساء بدافع الابتزاز والانتقام منهن، لتشويه صورتهن أمام الأقارب والمجتمع والبيئة التي يعملن بها، لقطع مصدر دخلهن.

ما هي الآثار التي قد تترتب على العنف الإلكتروني ضد النساء؟

1. الانتحار:

تُقدم الفتيات على هذا الفعل نتيجة للخوف من الوصم المجتمعي أو الفضيحة، أو خشية من مواجهة عوائلهن.

ولا توجد إحصائية دقيقة عن نسبة الفتيات اللواتي انتحرن نتيجة العنف الإلكتروني، وذلك بسبب خوف ذويهن من التبليغ، خشية الوصم بالعار.

2. الخوف، القلق، والاضطرابات النفسية:

تنشأ هذه الآثار داخلهن نتيجة لقلة الوعي، وما يترسخ في عقولهن منذ الصغر، أن الفتيات، حتى وإن ظُلمن، فإنهن لا يُظلمن هباءً، بل لخطأ قد ارتكبنه.

3. القتل بدعوى الشرف:

يُقدم العديد من الأهالي على التخلص من بناتهم أو أخواتهم بعد انتشار عدد من الصور لهن، التي قد تكون في الأغلب صورًا مفبركة، دون أن يهتز لهم يد، وقبل أن يتأكدوا من صحتها؛

وذلك لأن شرائح المجتمع الفقيرة، وحتى المتوسطة، يثقون في كل شيء يُقال لهم، سوى شيء واحد: صدق وشرف نسائهم.

ما هي الجهود والتوصيات لمواجهة وردع هذا النوع من العنف؟

1. سنّ قوانين وتشريعات تُجرّم التحرش، والابتزاز، والتشهير، وكل ما يندرج تحت مسمى العنف الإلكتروني.

2. فرض وتغليظ وتنفيذ العقوبات ضد هذا النوع من الجرائم؛

لأننا ما زلنا بحاجة ماسّة إلى تطبيق العدالة القانونية بشكل كامل في هذا الأمر

3. تأسيس وحدات خاصة في مراكز الشرطة، تكون مختصة بهذا النوع من الجرائم؛

وذلك لسرعة إيقافها والتعامل معها بشكل منفصل ودقيق.

بالإضافة إلى حملات توعية وإعلانات لتثقيف النساء والفتيات حول الحفاظ على خصوصياتهن، والإبلاغ عن أي حالة من حالات العنف التي قد يتعرضن لها،

وزيادة الدعم للمنظمات الأهلية والمؤسسات الخاصة المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة.

في النهاية،

نرجو من كل الجهات المعنية زيادة المتابعة والتصدي لهذا النوع من العنف، وزيادة حملات التوعية للنساء ولذويهن؛ لأننا سئمنا من فقد نسائنا نتيجة للجهل والأوصام المجتمعية، ونأمل في الاعتناء بكافة البلاغات المُقدمة من السيدات، حتى لا نجد أنفسنا في النهاية أمام خيارين لا مفر منهما:

إما أن تقتل الفتاة نفسها، وإما أن تُقتل من قبل أفراد عائلتها.

أضف تعليق