٢٥ ديسمبر ٢٠٢٥
ميار عبد المنعم
العنف، كلمة نرددها ونسمعها دائمًا، وأتوقع أن ما خطر في بال معظمنا الآن هو الاعتداء اللفظي أو الجسدي في مواجهة حادة بين شخصين، لكن هل فكرنا يومًا في العنف عن بُعد داخل الفضاء الرقمي؟ وعلى غرار أشكال العنف الأخرى التي تتعرض لها المرأة في الواقع، فقد أبلغ ما يقرب من نصف مستخدمات الإنترنت في الدول العربية (49%) عن عدم شعورهن بالأمان بسبب ما يتعرضن له من عنف رقمي، وذلك وفقًا لدراسة استقصائية أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في ثماني دول عربية، ويظهر العنف الرقمي في أشكال مختلفة، أكثرها شيوعًا التحرّش عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ غالبًا ما تتلقى المستخدمات صورًا أو رموزًا مسيئة، أو رسائل غير لائقة وغير مرحب بها. ولا ننسَ طبعًا المضايقات والتعليقات التي تبث الكراهية وتسيء إلى النساء والفتيات. وفي حالات أخرى، تتعرض النساء لاختراق حساباتهن أو لإنشاء حسابات مزيفة تُستخدم بغرض التشهير. قد يصل الأمر أيضًا إلى الابتزاز والتهديد والمراقبة والملاحقة المستمرة، التي قد تتحوّل إلى ملاحقة واقعية خارج الإنترنت بعد ذلك.
إذا تأملنا الوضع عن قرب، سنجد أن هذه الظاهرة انتشرت لأسباب مختلفة، أولها قلة إدراك المجتمع للعنف الرقمي ضد النساء ولحجم تأثيره؛ إذ يراه كثيرون مجرد مضايقات عابرة وليست خطيرة. ووفقًا لنتائج الدراسة، يتفق ما يقرب من نصف الرجال (48%) و(41%) من النساء على أن العنف الرقمي ليس أمرًا خطيرًا ما دام بقي على الإنترنت! وتشير هذه الظاهرة أيضًا إلى وجود فهم خاطئ لدى كثير من الناس لمفهوم حرية التعبير؛ إذ يتفق رجل من بين كل رجلين، وأربع من كل عشر نساء، على أن صانعات المحتوى يجب أن يتقبّلن احتمالية استخدام المشاهدين للمحتوى الخاص بهن ضدهن، وتحمُل التعليقات السلبية أيًّا كانت. مما يدفعنا للتساؤل: هل يجب عليهن حقًا تقبل المضايقات والتعليقات المسيئة والمليئة بأفظع الشتائم وأقذر العبارات بصدر رحب؟ أم تقبل النقد البناء والتعليقات المحترمة فقط؟ على جانب آخر، توضح دراسة ميدانية بمحافظة سوهاج أجرتها د. هند محمد المأمون أن ( 49%) يرتكبون العنف الرقمي بسبب وجود وقت فراغ ورغبة في التسلية وكسر الملل، بينما يرتكب (37%) ذلك بدافع الانتقام من الضحية. وفي كلتا الحالتين، سواء كان الدافع تسليةً أو انتقامًا، فإن هذا الفعل يعكس بوضوح غياب القيم الأخلاقية.
على أرض الواقع، لا يقلّ هذا النوع من العنف خطورة عن العنف الذي يحدث وجهًا لوجه؛ بل إن استهانتنا به وتجاهلنا له قد يجعله أخطر مما نتخيل، فقد أصبح العنف الرقمي يشكل تهديدًا صريحًا لأمن النساء الشخصي في الفضاء الرقمي، وتتراوح آثاره بدءًا من فقدان الثقة بالنفس والاكتئاب، ووصولًا إلى التعرّض للوم من الأسرة، ومع الأسف، قد أبلغت (12%) من النساء، وفقًا لدراسة الأمم المتحدة الاستقصائية، عن تعرّضهن للعنف البدني بعد إبلاغ أفراد الأسرة بواقعة العنف التي حدثت لهن على الإنترنت. في حالاتٍ أخرى، تتسبّب التعليقات المسيئة التي تتلقّاها صانعات المحتوى في انسحابهن تمامًا من وسائل التواصل الاجتماعي؛ ممّا يُضعف وجود صوتٍ للنساء على المنصّات المختلفة. ليس هذا فقط، بل يزداد الأمر خطورة في حالات الابتزاز والتهديد؛ إذ قد يصل إلى إصابة الضحية بالخوف والذعر والقلق، وتزايد الأفكار الانتحارية. نعم، ومن دون مبالغة، فقد أبلغت (12%) من النساء أنهن فكرن في الانتحار بالفعل نتيجة التعرض لواقعة عنف عبر الإنترنت.
الغريب في الأمر هو عدم إبلاغ النساء اللاتي تعرضن للعنف الرقمي عن الجريمة، والاكتفاء بتجاهل المضايقات، أو اللجوء إلى التقليل من نشاطهن على الإنترنت. السبب وراء ذلك، بحسب قولهن: “ماكنتش فاكرة إن البلاغ هيفرق في حاجة” أو “ماكنتش عارفة الجهة اللي مفروض أبلغ فيها”، مما يوضح ضعف الوعي بالقوانين. ولذلك، نشر المركز المصري لحقوق المرأة تحليلًا قانونيًا موجزًا لتعريف النساء بالإجراءات المتبعة للتبليغ عن الجرائم الإلكترونية، واقتراح مجموعة من الحلول والتوصيات العملية لمكافحة العنف الإلكتروني وحماية المرأة من انتهاكاته، تحت عنوان: “النساء ضحايا العنف الإلكتروني: تحليل قانوني”. من هنا تظهر أهمية بناء وعي مجتمعي يعزز الأمن الرقمي للجميع، مع ضرورة إشراك الرجال والشباب في هذه الحملات لتغيير سلوكياتهم ومواقفهم السلبية تجاه المرأة.

