الجمعة ٦ يناير ٢٠١٧
بقلم باكينام العسكرى
عندما اتصلت بالاسطى أسماء مجاهد، من الرائدات اللآتي امتهن النجارة فى مصر، لاخذ موعد لمقابلة تليفونية معها، كانت مشغولة بمساعدة ابنتها فى استذكار دروسها، وطلبت منى فى دماثة باعادة الاتصال بها مجددا بعد الساعة السادسة مساءا لتكون قد انجزت ايضا مهام البيت. فما بين عملها و مسؤليات اسرتها، مشغوليات يومها لا تنتهى، هذا بالاضافة الى انها فى انتظار اول مولود لها من زوجها مدحت، و الذى زاد عبء العمل عليه لتحمله المزيد من المسؤليات فى الورشة خلال شهور حملها الاخيرة.
الاسطى اسماء، ولد شغفها بالنجارة بعد تتويج قصة حبها لمدحت بالزواج منذ ثلاثة سنوات. مدحت، و الذى يمتلك ورشة نجارة فى عابدين، هو زوجها الثانى، بعد ان فشلت زيجتها الاولى و التى رزقت منها بابنتها فاطمة و البالغة من العمر 9 سنوات.
المقولة الشهيرة بان وراء كل عظيم امراة انعكست فى قصة اسماء، فالداعم و المشجع الاول لها هو زوجها و الذى لم يفاجئها فقط خلال فترة التعارف بينهما بتمدن و اختلاف افكاره واحتضانه التام لحرية المراة، بل واعطاها ايضا منذ اول يوم لزواجهما المساحة التي تحلم بها اي امراة مصرية لممارسة هذه الحرية، في البيت والعمل ايضا. نشأ مدحت فى بيئة تؤمن بعمل المراة، فوالدته كانت سيدة عاملة وبالطبع كان لهذا تأثير كبير على تقبله فكرة عمل المراة، خاصة فى مجال النجارة الغير تقليدى.
بعد زواجهما استقرت اسماء و مدحت فى شقة صغيرة مجاورة للورشة ، وكانت اسماء تصاحب مدحت فى الذهاب الى الورشة و مساعدته و طاقم العمل فى الاعمال الخفيفة. وعند ابداء اهتمامها بمهنة النجارة، والتى لم تكن مفاجاة بالطبع، فحصولها على دبلوم صنايع قسم ملابس جاهزة كان له اثر كبير فى دعم مهاراتها، فالدراسة الفنية منحتها الجرأة للدخول في المجال دون تردد، خاصة ان مهارات التنجيد و حياكة الملابس تكاد تكون متشابهه. تولى مدحت تدريبها على استخدام ادوات النجارة المختلفة و اخذ رايها في اللمسات الجمالية للمنتجات التى يتم تصنيعها و تجهيزها فى الورشة. تدرجت ثقة مدحت فى مهارات اسماء حتى اصبح يوليها القيام ببعض الاعمال من الالف الى الياء. تعترف اسماء ان مدحت هو المصدر الرئيسي لتشجيعها واعطائها المساحة للمناقشة في القرارات الخاصة بالعمل .و كما يتشاركا في اعمال الورشة و قراراتها فكذلك يتقاسما اعمال المنزل و شؤونه.
اسماء هى الابنة الوحيدة وسط ثلاثة اخوة، و بالرغم من ذلك الا انها لم تعامل على انها الابنة المدللة، وكان هدف والدها الاول هو تعليمها لايمانه بان التعليم هو حماية للمرأة. كان والدها يصحبها معه ايام عطلاتها المدرسية الى مقر عمله فى احد مصانع الانتاج الحربى لترى ورش الميكانيكا و الصيانة، و تعتقد اسماء ان محاولة والدها توسيع مداركها ساعد كثيرا فى نمو شخصيتها وزاد من ايمانها بقدراتها.
استطاعت اسماء ان تحقق معادلة فريدة فى تحقيق التوازن بين عملها فى الورشة والاهتمام بشؤون البيت، هذه المعادلة التى تمثل تحدى كبير لكثير من رائدات الاعمال ، ربما تكوت قد استطاعت اسماء تحقيقها لعملها سويا مع زوجها و لتوافر مكان عملها مجاورا لمقر سكنها، مما اتاح لها مزاولة مهامها كامراة عاملة و زوجة و ام ترعى ابنتها بدون جهود او وقت ضائع فى المواصلات. يبدا العمل فى الورشة فى الساعة 11:00 صباحا و يستمر الى ان يتم تجهيز كافة الطلبات المقررة.
على عكس آراء الكثيرين، تؤمن اسماء بان عملها مع زوجها فى نفس المجال و قضائهما ساعات العمل الطويلة سويا له اثر ايجابى على العلاقة بينهما، فكل منهم على دراية بضغوطات العمل التى يتعرض لها الاخر، فهى على عكس بعض الزوجات اللاتي ينتظرن عودة ازواجهن من العمل لفتح حديث او الاسترسال فى المطالب دون الاخذ في الاعتبار اذا كان مؤهل نفسيا و ماديا ام لا.
تحلم اسماء بتطوير الورشة و تحويلها الى مصنع ومن ثم مؤسسة كبيرة لانتاج الاثاث ، وللوصول الى هذا الحلم بدات بالفعل للترويج لعملها عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي، فتعتبراسماء صفحتها على الفيس بوك من الاسباب الرئيسية التى روجت لمنتجاتهم وجذبت المزيد من الزبائن لورشتهم، الى جانب فيديوهات تعليم النجارة التى انتجتها على يوتيوب بمساعدة ابن اخو مدحت، والتى ترويج لحرفتهم و لمساعدة المشاهدين على القيام باعمال النجارة البسيطة.
حينما بدات اسماء عملها في الورشة تعرضت لانتقادات كثيرة فى رسائل تصلها عبر صفحتها سواء من الرجال و النساء على حد السواء. وصلتها رسالة من احد الرجال ينتقد عملها ساخرا قائلا لها “ولما الستات تشتغل نجارة نشتغل احنا بقى في المطبخ” او رسالة من سيدة تقول فيها “الست ملهاش غير بيتها و جوزها”. تتجاهل اسماء هذه الرسائل تماما لانها تعتبر ان القائمين على ارسالها ببساطة غير قادرين على منافستها.
بالاضافة الى بعض المضايقات الالكترونية، تعرض اسماء فى بداية عملها لرفض من العاملين الذكور للانصياع لارشاداتها، و الذين كانوا يصرون على العودة دائما لمدحت للاخذ برايه، حتى سأل مدحت احدهم عن السبب فاجابه: “متعودناش ناخد اومرنا من حريم.” و لكن مع اثبات مهاراتها و تشجيع مدحت المستمر لها، تغيرت هذه الصورة بعض الشئ، فمنهم من اصبح يلجا لها لمساعدته، وبينما لا يزال البعض يفضل التعامل مع مدحت فقط. اسماء متفهمة لموقف هؤلاء و لكنها على يقين و ثقة بانه سياتى اليوم الذى سيقبلون اراءها و التعامل معها مثلها مثل مدحت.
تهتم اسماء بتعليم ابنتها فاطمة، و تحث الامهات على تربية ابنائهن وبناتهن على السواء على الجراة و عدم الخوف من خوض اية تجارب، لانها ترى ان التعليم، خاصة للمراة فى ظل هذا الانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي و التكنولوجيا مهم جدا، ولان المرأة اليوم هى عضو اساسي في بنيان الاسرة، كذلك تحث اسماء الرجال على اعطاء المرأة حرية الاختيار للخروج للعمل لتحقق ذاتها ام لا. فمن خلال تجربتها الشخصية فى مجال العمل تعلمت اسماء الكثير عن الحياة والمعلومات العامة، فمن خلال مهنتها تعاملت مع انماط مختلفة من البشر، العاملين منهم و الزبائن ، مما اصقل شخصيتها و منحها الثقة بالنفس التى دفعتها لتبني فكرة عدم الخوف من الفشل، “لان الفشل ليس معناه عدم النجاح و لكنه خطوة في تحقيقه.”
بعد ان شرعت فى كتابة قصة الاسطى اسماء زادت التساؤلات فى خاطرى، فعاودت الاتصال بها لاجد انها قد رزقت بوليدها ابراهيم، قبل ايام قلائل من مكالمتى الثانية لها، و بالرغم من ذلك اصرت على استكمال الحوار معى. قصة الاسطى اسماء الفريدة هى رسالة امل وتشجيع لكل سيدة ترغب فى كسر القوالب النمطية وتبنى الافكار الجديدة و المختلفة و السعى لاجادة ما تقوم به. أسماء فتحت المجال لكثير من السيدات ان يسلكن دربها، و هى بهذا فقد انجزت خطوة كبيرة لتمكين المراة المصرية، من خلال ايمانها باهمية دورها فى المجتمع.
للمزيد : تابعوا صفحة الاسطى مجاهد على فيس بوك
حقوق الصور محفوظة للفنان آدم سعيد
[…] بالعربى […]