الاثنين ١٢ ديسمبر ٢٠١٦
كتبت أليكساندرا كينياس
الحنين إلى فترة الستينات، الحقبة الذهبية كما يطلق عليها المورخون، يترك الكثيرين غارقين في جمال ذكرياتها و اناقتها و التى ما عادت تعيش سوى فى ذاكرتهم. ربما يكون ما يفتقدونه في المقام الأول هو الحرية فى ارتداء الفساتين ذات التصميمات الباريسية والتي كانت النساء ترتديها آنذلك، ويسرن بها في شوارع خالية من التحرش. تلك الصورة قد لا يتخيلها جيل اليوم الذي لا يتعرّض لهذه الظاهرة المهينة بشكل متواصل فحسب، بل أيضًا يُلام بشأنها.
قامت هادية عبد الفتاح – وهي ناشطة ضد التحرش الجنسي ومؤسِّسة لحملة “حواء في المصنع” لمحاربة التحرش الجنسي في مكان العمل— بإقامة حدث” فستان زمان و الشارع كان أمان”، إرتدت فيه الشابات الفساتين و سرن بها في شوارع القاهرة، و ذلك لرفع الوعي بأن لا النساء ولا ملابسهن هم السبب وراء انتشار ظاهرة التحرش الجنسي.
وتشرح هادية قائلة، “تكمن المشكلة في أن النساء لا يتعرضن للتحرش في الشوارع فحسب، ولكن ايضا اختلط على الكثيرات مفهوم التحرش واصبح الخط الفاصل بين الغزل (المعاكسة) والتحرش غير واضح للكثيرات. ونحن نساعدهم (من خلال حملتنا) على فهم أن التحرش ليس فقط في اللمسّ والتلمّس فحسب، ولكن ايضا فى اطالة النظرات المتفحصة الى المراة و التحديق بها ، و التحرش اللفظى وقذف النساء بالشتائم أيضًا”.
إن التبرير السخيف، والذي يُلقي بلوم التحرش الجنسي على ملابس النساء الجريئة والكاشفة والتي تغري الرجال وتستثير غرائزهم الجنسية، هو مجرد تحويل الانظار عن الإقرار بأن ثقافة كره النساء يزدهرفى المجتمع ، وتترعرع أيدولوجيته السامة داخل قلوب الرجال وعقولهم.
وتضيف هادية قائلة، “ليس للتحرش الجنسي علاقة بطريقة لباس المرأة، بل يرتبط كل الارتباط بعقلية الأفراد والانحطاط الأخلاقي في المجتمع. إن جدالي الدائم هو أن السيدات في الستينات كن يرتدين الفساتين، ومع ذلك لم يُسمَع بالتحرش. والآن لا توجد امرأة في مأمن، بما في ذلك البنات الصغيرات أيضًا. فكلهن يتعرضن للتحرش، سواءًا كنّ غير متحجبات، أو متحجبات، أو حتى منقبات”.
وحينما تقوم حفنة من الأولاد لا تتعدى أعمارهم الاثني عشر عامًا بمحاوطة مجموعة من البنات من عمر مقارب، كالذئاب، ، و يقوموا بجذب أوشحتهن، وبتلمُّس أجسادهن، ولمس أعضائهن التناسلية، يبطل هذا حجة الادعاءات الخاصة بأن ملابس النساء تثير غرائز الرجال. وتشرح هادية قائلة، “هل تظن أن طفلًا في هذا العمر يكترث لما يرتدينه السيدات؟ وهكذا بدأت فكرة تنظيم الحدث. وأخذت أتمعَّن في الفكرة لمدة ثلاثة أشهر، وحينما اتصلت بالمصور جهاد سعد، تبنى الفكرة تمامًا”.
تم اختيار عشرة من ضمن الألفي سيدة اللائي عبَّرن عن اهتمامهن للمشاركة بالحدث. وقد خلق الحدث الكثير من الجدال، كما أن النقد المبتذل و التعليقات الهجومية التى غمرت صفحة الحدث على الفيسبوك كان أمرًا “متوقَّعًا”، والذي اختارت هادية ألا تمحوه “لإظهار مدى ضخامة المشكلة”. ولكن رغم ردود الأفعال السلبية، فإن هادية راضية عن النتائج. “لقد أشعل الحدث مناقشات ساخنة، وبدأت النساء في التساؤل بشأن شرعية المعتقدات الاجتماعية التي تسببت في معاناتهن في صمت، كما قمن بمقارنة حالتهن بنساء في دول أخرى مثل أفغانستان، والسعودية، وأوروبا، وأمريكا”.
إن التحرش الجنسي إرهاب نفسي، وأحيانًا يكون إرهابًا جسديًا يمارسه الرجال للسيطرة على النساء عن طريق المحاربة الضارية ضد حقهن في الاختيار، كما أن الإملاء عليهن ما ينبغي أن يرتدينه هو إثبات بيّن على السلوك المسيطر الذي يشبه سلوكيات القرون الوسطى.
وقد هوجمت هادية لكسرها لأحد المُحرَّمات الاجتماعية. وقد صدم هذا الحدث أولئك الذين يفرضون أنفسهم كأوصياء على عفة النساء، والذين ينظرون إلى لباس المرأة على أنه قيمة جوهرية للفضيلة الاجتماعية والدينية، مقوِّضين حقيقة مشاركة العديد من المحجبات في هذا الحدث. “لقد أصبح لباس المرأة من المحظورات، ومحاولة تغيير طريقة لبس النساء يهز القيم لدى الكثيرين”. أردفت هادية.
صرّحت التقارير الصادرة مؤخرًا من المجلس القومي المصري للمرأة بأن ٩٩٪ من النساء قد تعرضّن للتحرش، إلا أن الإجراءات الهزيلة المُتخذَة لمحاربة هذه الجريمة غير كافية نهائيا بالمقارنة بحجم هذه الجريمة المتصاعد ومدى تكرارها.
والأسوأ من ذلك، هو أن “المتحرِّشين” وبعض المؤيدين لحقوق المرأة يلقون باللوم كاملًا على لباس المرأة بدلًا من مواجهة الأسباب الحقيقية. ولهذا لن يكون هناك أمل في وجود شوارع أكثر أمنًا تسير فيها النساء إلا إذا تمت معالجة الأسباب الحقيقية واتخاذ إجراءات قوية وفعالة للتعامل معها.
” أدرك أنني لن أقضي على التحرش الجنسي عن طريق حدث “لارتداء الفساتين”، ولكنني واثقة من أن هذا المجهود الصغير هو حجر بناء سيُلهِم المزيد من النساء لتحذو حذوه. وكل ما أتمناه هو أن أقلِّل من النسبة الصاعقة للتحرش الجنسي، إذ أنه من المستحيل القضاء عليه. ولكنني أؤمن بقدرتنا على التغيير”.
وتخطط هادية لعمل المزيد من الأحداث المشابهة في محافظات آخرى، وستقوم بإلقاء الضوء على المزيد من القضايا الخاصة بالمرأة. “أنا أعمل الآن على تشكيل مجموعة من المتطوعين للمساعدة في تنظيم أحداثنا المستقبلية”.
ترجمة نيفين اسكندر
تصوير: Gehad Saad @ Robabkia Photography