الجمعة ٢٤ مارس ٢٠١٧
كتبت دعاء أحمد
عاشت الكاتبة الروائية منال عبد الحميد مشوارا طويلا ملئ بالتحدي والإصرار لتحقيق حلم كاد أن يكون مستحيلا، ولولا إرادة قوية تحدت بها الصعاب وحطمت العادات والتقاليد الصعيدية، ما كانت رأت رواياتها النور وما شهدنا ميلاد كاتبة تمكنت في خلال مشوارها الادبي القصير من ترك بصمة في عالم الادب.
ولدت منال في يوليو عام ١٩٨١ في مركز البلينا بمحافظة سوهاج، وحصلت على ليسانس الآداب قسم التاريخ وتعمل بوزارة التربية والتعليم. واجهت معارضة شديدة من الاهل واستخفاف منهم بفكرة الكتابة. وصدر لها اول عمل مطبوع (بالاشتراك مع أخرين) في عام ٢٠١٢، وعمليين ورقيين فرديين في عام ٢٠١٣ بدون علم أهلها.
في عام ٢٠١٤ حصلت روايتها (الدفينة) على المركز الثالث في مسابقة أدب الرعب التي نظمتها دار الميدان للنشر، وتم نشر الرواية ورقيا، وكان اول عمل لها يعلم بصدوره الأهل. في عام ٢٠١٥، وقع صدام شرس بينها وبين أهلها لرفضهم ذهابها الي القاهرة لحضور أول حفل توقيع لروايتها (ستيغماتا)، في معرض القاهرة. وبعد مشادات مع الاهل وتعرضها الي إهانات هائلة منهم، ذهبت منال أي حفل التوقيع بمرافقة أخيها ووالدتها.
ومع إصرارها على مزاولة الكتابة، استسلم أهلها وتركوها تمارس هوايتها، لكن القيود على سفرها وتنقلاتها لازالت قائمة.
قامت الكاتبة منال عبد الحميد بنشر إحدى عشر كتابا، وهي تكتب أيضا القصة القصيرة والمقال
كيف تعرف منال عبد الحميد نفسها للقارئ؟
منال عبد الحميد، فتاة في الثلاثينات، ولدت وعاشت في الصعيد (محافظة سوهاج)، ولدت في بيئة تحدد للبنت حدودا معينة لا يجب أن تحيد عنها، وأن يقتصر طموحها على الزواج والعريس وإنجاب الأطفال.. وقد امتلكت من الإصرار ما يكفي لكي تكون مختلفة في بيئة لا تسمح بالاختلاف ولا تتفهمه، والآن لديها ١١(إحدى عشر) عمل مطبوع وكثير من الأعمال الإليكترونية، وعدد جيد من القراء، ومشروع أدبي تتمني أن يكون الباقي من عمرها كافيا لإنهائه.
ما الكتب التي تقرئيها الآن؟
كعادتي أقرأ عملين على الأقل في وقت واحد: وحاليا لدي عملين رائعين وهما (أجمل 54 حكاية في العالم) وهو مجموعة قصصية تنتمي الي حوالي عشرين دولة، وقام بترجمتها الأستاذ “حمادة إبراهيم، وكتاب (نفي اللاهوت) لميشيل أونفري.
من مجموعة كتبك التي قمت بتأليفها، ما هو كتابك المفضل؟
رواية ستيغماتا، ثم تليها السبي
منَ مِن شخصيات كتبك كانت الأصعب في خلقها وتطويرها؟
” أندريا بيو ” القديس الزائف في رواية (ستيغماتا) لأنه شخصية غير اعتيادية، ومليئة بالمتناقضات، ونفسيته خير مثال لنفسية رجل يتقاسم روحه ملاك وشيطان يتنازعان عليها كما تنازع ” مفيستوفليس ” مع الملائكة على روح ” فاوست ” المعذبة.
وكذلك ” إيليا ” بطل ثلاثية على (أنهار بابل)، وقد صدر جزئها الأول (السبي) فعلا، لأنها عمل ممتد عبر أكثر من ألفي عام من تاريخ البشر، وتتتبع تطور فكرة (الصهيونية) وأرض الموعد وحلم إسرائيل من خلال ثلاث قصص تدور في ثلاث أزمنة مختلفة، يفصل بين كل زمن وآخر منها سنوات وأحقاب وقرون وتغيرات تاريخية مهولة ليس لها حصر.
من الكاتب الذي استطاع أن يؤثر في منال عبد الحميد ويحببها في الكتابة؟
دكتور يوسف إدريس بالطبع، إنه قدوتي ومثلي الأعلى، وقصصه جعلتني أحب القصة وأعشقها، وحلمي الكبير أن أكون كاتبة قصصية جديرة بشرف التلمذة على يديه، من خلال قراءه كتبه.
متى اكتشفت أن لديكي موهبة الكتابة؟
منذ صغري، تقريبا كان بدايات الكشف في الصف الرابع الابتدائي، حيث بدأنا كطلاب مرحلة ابتدائية في أخذ حصص التعبير، ضمن مقرر اللغة العربية، وجدت نفسي أمسك بالقلم وأعيش عالما مختلفا، أخذت أكتب بشغف وولع، وبعدها صارت حصة التعبير فردوسي المفقود ومنتهي أملي.
ما هي العوامل المؤثرة في نشأتك التي دفعتك إلى الاتجاه إلى الكتابة؟ ماذا كان مصدر الإلهام لطفلة في مقتبل العمر في الصعيد للاتجاه إلى الكتابة؟
الحقيقة من العسير أن أحدد عامل معين دفعني إلى الكتابة وحببني فيها، لكن لعل قراءتي التي بدأت مبكرا جدا، والإلهام الذي كانت تصبه على مكتبة المدرسة الابتدائية، التي درست فيها، والتي لم تكن تزيد عن حجرة صغيرة مبنية من الخشب، أقرب إلي كشك، وحول هذا الكشك كانت أحلامي تدور، كنت أنتظر حصة (القصص) وأنصت بشغف، ثم وجدت نفسي أغرق في الأحلام مع كل قصة، ثم بدأت أعدل عليها في خيالي، وأتصور الشخصيات والأحداث والبسها ثوبا من مخيلتي.. حتى فتنت بعالم القصص والحكايات وصرت مولعة متيمة بهذا العالم.
هل كانت الكتب متوفرة في طفولتك؟
كانت متوفرة في مكتبات المدرسة، وشقيقي الأكبر كان قارئا جيدا، فكان يعطيني كتبا أحيانا تكون أكبر من سني لكني كنت أقبل عليها بنهم، وحتى لو لم أفهم كل الموضوعات جيدا، لكن شغفي كان يتكفل بجعلي استمتع بما لا أفهمه وأجلس لأفكر في معناه فنشأت أكبر من سني الحقيقي، ولدي قدرة على تفهم موضوعات عسيرة تتجاوز عمري العقلي بمراحل.
ما هي المعوقات التي قابلت منال عبد الحميد في تحقيق حلمها في الكتابة؟
الخوف والتردد، عدم وجود من يرشدني ويعلمني، انسداد الطرق بسبب عدم توفر أنشطة ثقافية أو مكتبات حقيقية، تقوم بدور ثقافي، حيث أعيش.. ثم رفض الأهل وسخريتهم من الأمر في البداية وتجاهلهم.. ثم رفضهم العنيف وإصرارهم على عدم حضوري إلى القاهرة لحضور فعاليات معرض الكتاب، الذي لم أراه إلا وأنا في الثلاثين من عمري.
هل كنتي تتوقعي من اهلك كل هذا الرفض وعدم الدعم لكي؟
بالتأكيد كان هذا متوقعا، وهذا الذي جعلني أصبح عنيدة شرسة لأنني وجدت نفسي مطالبة بالقتال من أجل حق بسيط، وحلم لا غبار عليه، ووجدت نفسي في موقف دفاعي دائم أرهق أعصابي، وجعلني أتخذ وضعية القتال دائما، حتى وأنا نائمة.
ما هو الدافع وراء إصرارك على الكتابة بالرغم من معارضة اهلك؟
لأن لدي حلم ويستحيل أن أتركه أو أفرط فيه، أموت على بابه ولا أتحول إلى كائن كل همه الطعام والشراب والحياة مثل الناس حتى الموت.. حياة كهذه الموت خير وأكثر إثارة منها.. ثم إنني مجنونة بالكتابة، العمل على قصة يمنحني السعادة ويدفئني في قارص البرد ويجعلني أشعر بأن الحياة تندفع في عروقي، وأنني مختلفة ومتميزة، لست مجرد رقم في القائمة، ولا فتاة عادية في بيت أبيها.. أنا التي تصنع عوالما وتتحكم في مصائر كل من هم فيها وتحدد لهم البداية والنهاية.
من هم الكتاب الذين تلفت كتاباتهم نظر منال وتحب قراءه اعمالهم؟
أقرأ للجميع، يلفت نظري النص نفسه قبل أي شيء، استهلاله وطريقة السرد والفكرة التي يحتويها وأسلوب عرضها، لذلك أبحث عن النص الجيد قبل النظر إلي رسم صاحبه.. لكنني مولعة بأقلام دكتور ” يوسف إدريس ” وأستاذنا ” نجيب محفوظ “، ومن الكتاب غير العرب أعشق ” مارك توين “، ” ميخائيل بولغاكوف “، ” مارجريت أتوود “، ” أليس مونرو “، و” برتولد بريخيت ” و” هربرت جورج ويلز “.
أحب أيضا قراءة نماذج من أدب مختلف الدول والحضارات، وأحب كتب ” فراس السواح ” و” علاء الحلبي ” و” راجي عنايت ” والمبدع الكبير ” أنيس منصور ” والكثير غيرهم.
كيف تستلهمين قصص رواياتك؟
من أي شيء وكل شيء، مقال قرأته، حادثة تاريخية، جملة عابرة في قصة، معلومة غريبة على الإنترنت، صورة ملهمة، عبارة اسمعها في الشارع، موقف في عملي أو في المواصلات، كلمة خافتة وسط أغنية أحبها، حلم أو كابوس، حكايات المرحومة والدتي، مشاهد من بيئتي وبلدتي الصغيرة إلخ، إلخ .
ما هي رسالتك لكل من لدية موهبة ويوجد لدية معوقات في تحقيق حلمه؟
نصيحتي لنفسي أولا ثم للآخرين ألا يستسلموا، ما خبرته جيدا أن الموهبة، في مجتمعاتنا تحديدا، تحتاج ممن يتمتع بها إلى قدر من الشجاعة والجرأة والعناد والتحدي، وتعلمت من تجربتي أنه مهما كانت وجهة نظر من حولنا، واعتراضاتهم على ما نقوم به وما نتطلع إليه، فإنهم يستسلمون متى وجدوا منا إصرارا وعنادا وتمسكا بما نريد.. أعتقد أنني ربحت معركتي مع عادات الصعيد بعدة أسلحة أولها العناد و(نشوفيه) الدماغ.
ما هو شعورك عند حصولك على أول جائزة لكي؟
الفرح، مزيد من الإصرار على المضي في طريقي الذي اخترته لنفسي، الغضب لأنني ذهبت لتسلمها سرا ولم يطلع عليها أحد من أهلي حتى الآن.
في نهاية اللقاء تحب تقول اية منال عبد الحميد للقارئ؟
أقول للقارئ ما آمنت به منذ حداثتي، وما ثبتت صحته مرة بعد مرة، لا يوجد كتاب سيء، أو مضر، أو بلا فائدة بشكل مطلق، العمل الأدبي، أي عمل، به ميزة مهما كانت بسيطة، به روح تتكلم بين السطور، وحتى إن كان العمل ضعيفا أو قليل الجودة، أو مخالفا لقناعاتك، فإنه في النهاية جزء من عقل وتفكير وقناعات وتجارب شخص آخر، ومهما كانت رؤيته سيئة أو صادمة أو خارجة بالنسبة إليك، فإن ما كتبه سيعطيك تجربة جديدة عليك.. تجربة قد تتعلم منها أكثر مما تعلمت من كل الكتب والمجلدات وملايين السطور التي كتبها من يشاطرونك نفس الفكر، ويتبعون نفس توجهاتك..
لا تصر في كل مرة على أن تكون أنت من يختار الكتاب، وجرب أن تدع الكتاب يختارك مرة، ونقب وسط الأتربة وخيوط العنكبوت عن الكتب المنسية والمهجورة والتي بلا جماهير ولا مصفقين، فسوف تفاجأ أن أجمل تجارب عمرك وأحلي سطور الكون مكتوبة، محفوظة، في تلك الأعمال التي تظهر لك، كورقة يانصيب، فجأة وتمد يدها إليك وتختارك هي بنفسها.
هل في أي سؤال كنتي تحبي إننا نسأله لك؟
كنت أتوقع سؤالا عن صعوبات النشر لكاتبة تعيش في الأقاليم مثلي، وتحركاتها تتم تحت أكبر قدر ممكن من السيطرة والتضييق.. وأجيب عن السؤال بأن الإنترنت نعمة لمن هم مثلي، وربما تتفاجئين بأن بعض كتبي لم أمسها مطلقا، وأنها صدرت في القاهرة بعيدا عني، ووصلت المكتبات، ولمستها عشرات الأيدي، دون أن أراها وهي مطبوعة، أو أعرف كيف يبدو شكل الكتاب المطبوع من الخارج، وعلى سبيل المثال فإن أعمالي الثلاثة الصادرة في معرض القاهرة للكتاب 2017 (حميم والهامة وبتول) لم أتسلم نسخها المطبوعة أو أمسها حتى الآن.
لمتابعة اعمال الكاتبة منال عبد الحميد، زوروا حكايات غريبة قصص منال عبد الحميد