أشباح الأمومة التي تطارد الكاتبات.. بأي ثمن يرحلون؟

الأربعاء ١٩ يوليو ٢٠١٧
كتبت – رحمة ضياء

IMG_89151

نعم للأمومة أشباحها، ليست الأشباح التي تسرق النوم من عيون الأمهات الجدد وتجعلهن أشبه بالزومبي فحسب، بل هناك أشباح أكثر إجراما تسرق منهن فرحة الإنجاب بأكملها، وتسلبهن الشغف للاستمتاع بالحياة وتفاصيلها وتطفئ اللمعة من عيونهن، وتتركهن فارغات الروح، هائمات من دون هدف أو معنى لحيواتهن، فريسات لما يطلق عليه في علم النفس “اكتئاب الحمل” أو “اكتئاب ما بعد الولادة”.

واكتئاب ما بعد الولادة يصيب واحدة من بين كل 6 نساء من اللواتي ينجبن الأطفال، مع تفاوت درجات الاكتئاب، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

وللكاتبات نصيب كبير من ذلك الاكتئاب، فبالإضافة إلى الأشباح التي يتشاركن فيها مع بقية النساء المقبلات على الأمومة هناك أشباح خاصة بهن، أكثرها خطورة تلك التي تسرق منهن أعز ما يملكن “الكتابة”!

فبداخل كل كاتبة تتصارع امرأتان وربما أكثر، الأولى لا تستهويها الحياة العادية، تريد أن تخوض كل يوم مغامرة مع الكتابة ومع العالم، تختبر أشياء جديدة، وتقابل أناس مختلفة الأجناس والألوان، أما الثانية فتريد -ما تريده كل فتاة- زوج محب، تتوسد صدره أخر الليل، وأطفال يملئون حياتها صخبا.

تلك المشاعر المتناقضة قد تجعلهن عاجزات عن استقبال حلول أطفالهن داخل أرحامهن بالحفاوة التي تليق بهم، فيرفضن وجودهم في أوقات ويتمنين لو يرحلوا عنهن في أوقات، ويتمنينهم في أوقات.

ويمكن التعرف أكثر على أشباح الأمومة التي تطارد الكاتبات من خلال قراءة عدد من أعمالهن التي عبرت عن تجارب ذاتية مع الحمل والإنجاب، لاسيما للمرة الأولى، واللاتي تحدثن خلالها عن أشباحهن..

*الشعور بالذنب يوحد الأمهات على اختلافاتهن

غلاف-الكتاب-الجديد-لإيمان-مرسالالكاتبة إيمان مرسال هي إحدى الكاتبات اللاتي تحدثن بصراحة وجرأة عن تلك الأشباح في كتابها الصادر مطلع هذا العام “كيف تلتئم؟ عن الأمومة وأشباحها”، ومن بين أشباحها الخوف والقلق وقلة الثقة والاكتئاب فضلا عن الشعور بالذنب الذي تصفه بأنه الشعور الذي يوحد كافة الأمهات على اختلافاتهن..

وتصف ردة فعلها على استقبال خبر حملها في الكتاب: “بمجرد تأكدي من الحمل الذي أردته بكامل إراداتي لم أشعر بالفرح الذي توقعته، سيطرعلي طوفان من المخاوف والرعب من أن جسدي غير صالح للقيام بهذه المهمة”.

فناهيك عن شعورها بالغثيان وآلام الظهر وازدياد مرات التبول، حاصرتها مخاوف عديدة بشأن سلامة طفلها بداية من الإجهاض إلى الولادة المبكرة، ومرورا بتسمم الحمل إلى تشوهات الجنين، واحتمالات إنجاب طفل من ذوي الإحتياجات الخاصة أو مشوه أو مصاب بعيوب خلقية، وتسببت كل هذه المخاوف في إفساد فرحتها وإصابتها باكتئاب ما بعد الولادة والخضوع لجلسات علاج نفسي على مدى 6 أشهر.

كما استعرضت مرسال في كتابها نماذج لأديبات وشاعرات رأين في المولود أنه يهدد وجودهن وحياتهن ككاتبات، مثل الشاعرة البولندية “أنا سوير” والتي أفصحت عن تلك المخاوف في قصيدتها “أمومة” مخاطبة طفلتها:

أنت لن تهزميني

لن أكون بيضة لتشرخيها

في هرولتك نحو العالم

جسر مشاه تعبرينه

في الطريق إلى حياتك

أنا سأدافع عن نفسي

*مقايضة الأمومة بالخفة

11218502421471353895

كما يعد ديوان “الأمومة” من الأعمال الأدبية التي أظهرت الوجه الآخر للأمومة، والمغاير لما اعتدنا على مشاهدته سواء في الحياة أو في الأفلام والروايات، من نموذج الأم التي تفيض حبا وحنوا، وتعتبر رسالتها الأهم والأوحد في الحياة هي رعاية صغارها ومشاهدتهم وهم يكبرون يوما بعد يوم أمام عينيها.

“الأمومة” هو ديوان مشترك جمع بين عدد من الشاعرات من بلاد عربية مختلفة، صدر عن دار ميريت عام ٢٠١٦، واستعرض شهاداتهن عن تجربة الأمومة دون قوالب محفوظة أو تابوهات.

ومن النصوص المميزة بالديوان نص الشاعرة أميمة عبد الشافي:

عندما جاء طفلي لم يتوقف الألم
أدعيت أنني قادرة على العطاء والاستمرار لأطعمه
ذلك أن ضعفه آذاني
وشعرت بشفقة بالغة عليه
حتى تمنيت أن تأتي أمه لاصطحابه في أسرع وقت
لكن من حولي كانوا يطرون على مجيئه كإنجاز يستحق التقدير
حتى أنني خجلت من مصارحتهم بمشاعري
وأطلقت الألم في وجههم ليصمتوا.

وهناك تجربة شعرية مشابهة تضم رسائل متبادلة بين الشاعرتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف تحت عنوان “وبيننا حديقة” وهو ديوان صادر عن دار روافد، عبرت الشاعرتان خلاله عن مشاعر الضعف والهزيمة التي تنتابهن خلال استقلالهن لقطار الأمومة، وأمانيهن المستحيلة لو يستقلن من أمومتهن لبعض الوقت ويصرن سعداء وأحراراً ويكتبن الشعر من جديد.

*صراع الأنثى التي تلد الكلمات والتي تلد الأطفال

27272010._UY619_SS619_الروائية التركية أليف شافاك أجرت ما يرتقي إلى دراسة كاملة، في مذكراتها “حليب أسود” التي نشرت عام 2015، عن العلاقة بين الأمومة والكتابة، وعرضت نماذج مختلفة لكاتبات، وصراعهن المستمر للجمع بين أدوارهن ككاتبات وكأمهات، وهو ما يجعل كل كاتبة “في هَوَسٍ دائمٍ بشأن الدرب الذي أهمَلَت اختياره” كما تقول أليف في مذكراتها.

ففي الوقت الذي عزفت فيه بعض الكاتبات عن الإنجاب لخوفهن إذا ما صرن أمهات وربات منازل لن يعود بإمكانهن كتابة الروايات، أمثال إيميلي ديكنسون وفرجينيا وولف وإيميلي برونتي ودوروثي باركر وليليان هلمن وغيرهن، نرى كاتبات أخريات لم يجدن أن الأمومة تقف عائقا أمام استمرارهن في الكتابة، وبالفعل استمر إبداعهن بعد إنجاب الطفل الأول والثاني والثالث في بعض الحالات. و من أمثلة الكاتبات الأمهات نادين غورديمير ومارجريت آتوود وآني برولكس ونعومي شهاب ناي وآن لاموت وغيرهن.

وتبرر فيرجينا وولف، إحدى العازفات عن الإنجاب، في كتابها “غرفة George_Charles_Beresford_-_Virginia_Woolf_in_1902_-_Restorationللمرء وحده” لماذا يستحيل على المرأة أن تستمر في الكتابة مع الإنجاب بأن “طريقها ككاتبة سيكون مرصوفاً بالعقبات، صغيرها وكبيرها. ستمر بوقت عصيب لتجد فسحة متذبذبة بين الزوجة الاجتماعية والزوجة الرفيقة والأم المخلصة التي عليها أن تكونهن جميعاً. والأهم من ذلك أنها لن تجد، وهي متمزقة بين واجبات الأم والزوجة، أي وقت للكتابة. سينقضي يومها مستغرقة في أعمال المنزل الروتينية، الطبخ والكي والاهتمام بالأطفال والتبضع للمنزل والاعتناء بكل مسؤولياتها العائلية، وقبل أن تنتبه، ستجد نفسها امرأة منخولة، يتسرب وقت العالم كله من ثقوب حياتها. وحتى تلك اللحظات النادرة التي تجد نفسها فيها وحيدة، فسوف تكرسها للاسترخاء والتخلص من التوتر. كيف لها أن تكتب؟ متى ستقوم بذلك؟”.

وفي هذا الشأن تقول أليف شافاك، والتي كانت قد عانت من اكتئاب ما بعد الولادة وتوقفت عن الكتابة لمدة 8 أشهر حتى استطاعت أن تشفى نفسها من خلال كتابة تلك المذكرات، “أني أحاول أن أجد معادلة ذهبية، تنطبق على أغلب الكاتبات، أو حتى عليهن جميعاً، لكن من الواضح أنه لا وجود لمثل تلك المعادلة. ”

20046728_1810438285933739_718484855317097371_nرحمة ضياء صحفية و محررة قضايا المرأة في موقع أصوات مصرية ، ونشرت مقالاتها في جريدة اليوم السابع والتحرير والدستور.رحمة صدر لها كتابان، بنات بوك و رقصة مع الرومي

 

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق