الاحد ٨ أكتوبر ٢٠١٧
كتبت – نيرة حامد
منذ أيام قليلة أصدرت المملكة العربية السعودية قرار سمحت بموجبه للمرأة بقيادة السيارات، وحتي صدور هذا القراركانت قيادة المرأة السعودية للسيارات أمرا محرما دينيا ومجرما قانونا تعاقب إن ارتكبته. واحدث صدور هذا القرارأصداء كبيرة فى العالم لاسيما فى الإعلام العربى الرسمى الذى أنبرى يصور الأمر أنه نصر مؤزر لحقوق المرأة فى السعودية والإشادة بالقيادة الجديدة التى تسعى للمدنية والتحضر من خلال إظهار اهتمامها بالمرأة وحقوقها. وعلى أثر تلك الأخبار، وفى عالم أخر من الإعلام وهو إعلام الناس (السوشيال ميديا)، كان رد فعل هذا الحدث فى مصر على سبيل المثال أن انتشرت صورة رخصة قيادة السيدة عباسية أحمد فرغلى، والتى صدرت سنة ١٩٢٩م، مع بعض عبارات الفخر بقدم الحضارة فى بلادنا .

برؤية ردود الأفعال تلك دارت فى ذهنى عدة اسئلة أهمها هل قرار الحكومة السعودية هذا حقا إنحياز لحقوق المرأة، أم أنه إستغلال سياسى لحقوقها كما هو الحال فى الآوانة الاخيرة فى عالمنا الشرق أوسطى خاصة وأن رجال الدين “هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ” قد حافظوا لسنوات طويلة على رأيهم فى التحريم، وفجاءة وبقرار ملكى أباحوا ما رأوه لسنوات أمر آثم محرم ؟!!! إحتفاء كبير بقيادة سيارة جعل صور كثيرة تقفز إلى رأسى ولكن كان أكثرها ثباتا ووضوحا صورة نيفين درويش.

نيفين درويش هى كابتن طيار مصرية محنكة قادت هى ومساعدتها الأولى الإمارتية عليا المهيرى أكبر طائرة فى العالم طراز “إيرباص” A380 . نيفين تجعلك تدرك أن العالم يثق فى قائدة طائرة مصرية للدرجة التى جعلت شركة طيران الامارات توكل إليها مسئولية قيادة أكبر طائرة ركاب في العالم ، الطائرة ذات الطابقين والتى تعمل على أربع محركات نفاثة والتى يصل ثمنها إلى ٩٤٣٦ مليون دولار وفقا للاهرام الإقتصادى ، والتى تستطيع أن تحمل ٦١٥حوالي راكباً كما ذكر موقع CNN العربية، وأصبحت كابتن نيفين درويش بذلك أول عربية تقود هذه الطائرة الضخمة .

ثم أخذت أتتبع بداية تاريخ السيدات المصريات مع الطيران، وكيف تطور وصولا إلى كابتن نيفين درويش؟ فوجدت أن التاريخ النسائى المصرى مع الطيران هو مدعاة للزهو، فكانت لطيفة النادى هى أول أمرأة مصرية تقود طائرة، وثانى أمرأة على مستوى العالم تقود طائرة منفردة – في رحلة بين القاهرة والإسكندرية – حيث لم يسبقها فى القيادة المنفردة سوى الامريكية اميليا إيرهارت. وكانت لطيفة وكالعادة الرائدة عربيا وأفريقيا، وقد حصلت على إجازة الطيران عام ١٩٣٣، وكانت تلك الإجازة هى رقم ٣٤ علي مستوى المملكة المصرية، أى أنه لم يتخرج قبلها سوى ٣٣ رجلا، واشتركت لطيفة النادي فى العديد من مسابقات الطيران الدولية.

وكانت لطيفة النادي مثال أحتذت به بنات مصر، فلحقها فى النصف الأول من القرن العشرين كل من دينا الصاوى، وزهرة رجب ،ونفيسة الغمراوى، و ليلى مسعود، وعائشة عبد المقصود ، وكان من اهم اللاحقات بلطيفة النادى لندا مسعود، أول معلمة طيران مصرية والتى كان لها دور رائد في تخريج العديد من الطيارات المصريات منهن: زينب التوتلي وعزيزة محرم وقدرية طليمات وعايدة تكلا وثريا جودة ومن أقوالها فى هذا الصدد، “لا أعتقد أن مهمتي هي التدريس فقط، فأنا أدعو زميلاتي المصريات إلى أجتياح الجو وتعلّم الطيران، حتى لا يتقدم العالم ونحن مازلنا متأخرين”.

ولأن الشجرة الجيدة لا تنبت إلا ثمرة جيدة، فقد كانت عزيزة محرم، إحدى ثمرات جهد وتعليم لندا مسعود، هى الأخرى أحدى أهم الطيارين فى تاريخ الطيران المصرى.
التحقت عزيزة بمعهد الطيران عام ١٩٤٥، ونجحت في أن تصبح معلمة طيران بالمعهد، وأصبحت أول مديرة للمعهد عام ١٩٥٨، بعد أن طارت ٢٢ ألف ساعة، وكان إيمان عزيزة بالطيران وبقدرة بنات مصر على إجتياح الجو أمرا لا مراء فيه، مما جعلها تطير فوق جامعة القاهرة لتلقى إعلانات تدعو فيها الطالبات لتعلم الطيران، فكانت بذلك محرضة للفتيات على الحلم وعلى الحرية. و تخرج علي يد هذه السيدة المصرية ٣٠٠ طيار مصرى وعربى وأفريقى، فأستحقت عن جدارة نيشان الجمهورية عام ١٩٥٩، وحصلت أيضا علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام ١٩٨٣.
واستكملا وتتويجا لقصص النجاح النسائية المصرية مع الطيران، سيرت شركة النيل للطيران المصرية أول رحلة على الإطلاق جميع أفراد طاقمها من النساء، وذلك من خلال قيامها بتشغيل رحلة مجدولة تاريخية بين القاهرة والجوف (المملكة العربية السعودية) في ٥ سبتمبر٢٠١٦، كما سيرت شركة مصر للطيران رحلات طيران كامل طاقمها من النساء في رحلات إلى أبوظبى والكويت.
التحليق مع قصص سيدات مصر اللاتى قدن طائرات يمنحك إحساس كبير بالحرية والأمان، ويجعلك تتسأل ألم يكن أؤلئك النسوة أولى بالاحتفال والصخب الإعلامى ؟! ولكن ربما الاجابة تكون بالنفى لأن تلك النماذج أكبر بكثير من أن نضعها فى فقاعة إعلامية سرعان ما تختفى، فهم مدعاة للفخر والتأمل والتعلم وليس للصخب الإعلامى. أولئك النسوة قد أخذن حقوقهن بالعمل والجهد المضنى والمثابرة والشغف، و لم يأخذونه منحه من أحد بمعنى اخر (أخذوه ولم يعطى لهم )، وهذا لا يلزمه ضجة كبيرة لأنه ليس امر للمتجارة ولإثبات قيمة حضارية لبلد قادت فيها المرأة البلاد بأسرها فى مصر القديمة، وحلقت بها نحو الرخاء والسلام كما فعلت حتشبسوت .
إن هذا الأمر هو مدعاة للفخر والعزيمة علينا أن نعلمه لكل بنت من بنات النيل ليصير قدوة لهن، ولنغرس بداخلهن قيمة الجهد والعمل والمثابرة ليحلمن بفرحة النجاح والتحليق بعيدا “فإن بذلتى ما يكفى من الجهد وتحملتى كل هذه المشاق فحتما ستحلقى نحو السماء !” .
فربما إن أجدن تعليمهن ذلك، يمنحنا النيل إحدى بناته لتحلق بالبلاد كلها. لتذهب بها لأعلى، بعيدا عن الجهل والفقر والمرض لتطال عنان السماء محققة السلام والعدالة والرفاهية كما فعلت جداتنا .
فبالنهاية القيادة ليست ان نقود سيارة ولا طائرة ولا حتى مركبة فضاء ولكن القيادة الحقة هى ان نقود احلامنا ونوجهها بعزم، رغم إضطراب الملاحة، إلى بر الأمان .
إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **