جريمة البلوغ

الخميس٩ نوفمير ٢٠١٧
كتبت- سلمى محمود

946105_641731435865554_1690975293_n

فيروز هي أخت الشاعر محمد بن سليمان أو كما يلقبونه “الفضولي البغدادي”، أحد أشهر اصوات الشرق، هي طفلة صغيرة، جميلة، مغامرة، بارعة، تكتب القصص والشعر، ولا تتوقف عن قراءتهم طوال اليوم لأمها وجدتها وأقاربها، وحتى للخدم والضيوف والجيران. فيروز مفعمة بالنشاط، تحب الحياة ولا تتوقف عن اللهو والمرح لحظة مع أصدقائها. وفجأة وبدون سابق إنذار تحولت حياة الطفلة من النقيض للنقيض الأخر، عندما جاءها “الحدث” الذي لا يخلف ميعاده، انه تَغير طبيعي لا تسلم أي فتاه من مقصلته، ولكن الغير طبيعي هو رد فعل أم فيروز الغريب والغير منطقي، والذي يمكن تلخيصه في كلمة “ممنوع”، ممنوع ركوب الدراجة، ممنوع الركض خلف أصدقائها، ممنوع اللعب والضحك بصوت عال، ممنوع مصادقة الأولاد، وغيرها من قائمة طويلة من الأوامر التي بدأت ويبدو أنها لن تنتهي! فهي عليها الأن مراقبة تصرفاتها جيداً، لأنها لم تعد طفلة، هي الأن امرأة!

9c3763128094aec174a8a6ec0620e77d--afghanistan-kids

تسبب ذلك لفيروز بألم شديد ليس عضوي فقط وإنما نفسي أيضاً، وإن كان الألم النفسي أقوى بكثير، مما حولها من فتاه محبه للحياة، مفعمة بالنشاط، لأخرى بائسة لا تشعر سوى بالألم والوجع والذنب على شيء لا يد لها فيه، بالإضافة إلى تعجبها من كيف تحولت في نظر الجميع في ظرف ساعات قليلة من طفلة بريئة إلى امرأة ناضجة، عليها أن تترك كل شيء جميل، لتجلس فقط في منزلها تنتظر خطابها، وتسمع همسات أقاربها عن العريس المنتظر قدومه قريبا.

458776.jpgفيروز هي بطلة إحدى القصص، التي تضمنها كتاب “حليب أسود”، الذي ألفته المبدعة اليف شافاق، في واحد من أجمل كتبها على الأطلاق، هي قصة من ضمن قصص عديدة عن المرأة في أزمنة وظروف مختلفة. أعجبتني كل القصص بلا استثناء، ولكني توقفت عند تلك القصة كثيراً ربما لأنها معبرة بشدة عن الواقع وما يحدث بين الامهات وبناتهن، فللأسف تتعامل أغلب الأمهات مع التغيرات الجسدية والنفسية التي تطرأ على بناتهن بصورة أقل ما يقال عنها إنها خاطئة تماماً. ففي الوقت الذي تنتظر فيه الفتاه التهدئة وسماع كلمات مثل “كل شيء سيكون على ما يرام، هذا يحدث للجميع لا تقلقي”.. وغيرها من العبارات التي تعيد اليها الطمأنينة، بالإضافة الي رغبة الفتاة في تفهم ما يحدث لها من تغيرات من شخص تثق به، لا تجد من أمها سوى التوتر والقلق وقائمة الممنوعات، وكأنها ارتكبت جريمة تعاقب عليها، وليس حدثاً طبيعياً تمر به جميع من هن في نفس سنها.

2asrar2lbanatPosterتطرق فيلم “أسرار البنات” الذي اعتبره في رأيي واحد من أفضل الأفلام، رغم الضجة التي صاحبت عرضه لطرحه القضية بشكل مفصل، وعرضه لفترة المراهقة بالكامل والتغيرات التي تصيب جميع الفتيات، والتعامل الخاطئ من الامهات في تلك المرحلة، ولم يتطرق أحد بعدها لعرض تلك القصة بنفس الشكل. السبب وراء تلك الازمة من البداية هو قله خبرة ووعي الأم من ناحية، فهي تتعامل وكأنها تفاجئ بالتغيرات التي تطرأ على ابنتها، ربما أكثر من الفتاه نفسها، فتلجأ للحلول السهلة، وبدلا من محاوله التشاور مع ابنتها وزيادة وعيها، وإجابتها على كل الاسئلة الغامضة التي تنتظر اجابات لها، تلجأ لطريق المنع والتخويف، وبخ سمومها في عقل ابنتها، ظناً منها أنها بذلك سوف تعبُر بابنتها من تلك المرحلة بسلام، ولكن ما يحدث في الواقع هو عكس ظنها تماماً.

فعدم ثقة الابنة بأمها وخوفها منها يجعلها تلجأ لمصادر أخرى تحصل منها على المعلومات التي تريدها، وفي رحلة البحث لا تجد سوى الإنترنت، أو توجه الدفة إلى صديقاتها، والاثنان لا يقلان سوءاً عن بعضهما، فالأول ملئ بالمعلومات المغلوطة التي قد تشوه تفكيرها وتضللها، والصديقات هن مجرد فتيات في نفس عمرها لا يعرفن أكثر مما تعرف هي، والنتيجة في كلتا الحالتين لن تكون جيدة وربما تصل لنتائج مأسوية.

19059564_1426203904140719_2796116113512309903_nومن ناحية آخري اتباع أغلب الأمهات لمبدأ التعميم وتوجيه نفس النصائح والممنوعات لبناتهن مهما أختلف عمرهن، رغم أن ما قد يصلح للتوجيه لفتاه في العشرين من عمرها لا يصلح لأخرى صغيرة لم تكمل العاشرة بعد! فما معني أن تمنع أم ابنتها الصغيرة ذات الاثني عشر عاماً من اللعب مع أصدقائها، لا تلهو ولا تركض ورائهم، وتتخلص من كل ملابسها القديمة التي اعتادت عليها، لترتدي أخرى جديدة تتناسب مع وضعها الحالي، وغيرها من أشياء كثيرة أخرى توضع كلها تحت بند الممنوعات، كيف يمكن لشخص طبيعي أن يمنع طفلة من ممارسة حياتها الطبيعية لمجرد تغير طبيعي يطرأ على الجميع؟

للأسف تحتاج الكثير من الامهات الى زيادة وعيهن وتَعلم كيفية التعامل مع كل جديد يطرأ على بناتهن، يحتجن إلى المزيد من القراءة ومشاهدة البرامج التوعوية، واستشارة الأطباء المتخصصين أو حتى أشخاص لهم خبرة سابقة، كذلك يحتجن إلى مصادقة بناتهن وتوعيتهن بهدوء دون توتر أو قلق وبعيداً عن الحلول السهلة المتمثلة في المنع والكبت التي تضر أكثر مما تفيد. أخيراً هن يحتجن إلى معرفة أن فترة المراهقة مثل سلم طويل يحتاج صعود كل درجة به إلى حنكة وفهم للتعامل الامثل مع تلك الفترة، حتى تعبر بناتهن من تلك المرحلة الصعبة إلى بر الأمان بسلام ودون أي خسائر نفسية أو جسدية لهن.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق