زواج القاصرات بين الماضي و الحاضر

الإثنين ٢٠ نوفمبر ٢٠١٧
كتبت – رضوي حسني

15626560_1246356972125414_7284672102103635696_o

عندما يُحكى لي عن قريباتنا – زمان – ومتى تزوجنَّ، أُفاجئ بأعمارهنَّ الصغيرة التي قد لا تتعدى الخامسة عشر عاما. و في كل مرة أحاول جاهدة أن أجد مبرر لزواجهنَّ في تلك السن الصغيرة وهن لازلن مراهقات مفتقرات للخبرات الحياتية، هل ربما فراعة طولهن أنذاك يجعلنا نعتقد بمجرد النظر اليهن في الصور العائلية القديمة بأنَّ صاحبات هذا المظهر والجسد راشدات عقليا و ناضجات فكريا؟، فنحن و للاسف في مجتمعنا لازلنا نربط بين المظهر و الجوهر، أو هل ربما عَجل بزواجهن تفوقهن البالغ في أعمال المنزل و نفسهن الحلو في الطبخ، كما كنت اسمع عنهن؟ ولكن مهما تعددت الحجج، تظل الاجابة الأكثر اقناعاً، على الأقل بالنسبة لي، هي نشأتهن في مجتمع منغلق على ذويه، فلم يكن يسمح لفتياته بالتعليم ولا يكفل حقهن في العمل إلا من ساعدهن الحظ في ذلك، كذلك العادات الإجتماعية في الماضي لم تكن تفرق بين إبنة الفقير أو الغني، فالفتاة نهايتها حتما في بيت الزوجية، فتكبر الفتاة حالمة برداء الزفاف، تحقيقاً لأقصى أمانيها (الزواج) و تلبيةً لدعوات أهلها لها.

و على الرغم من انفتاح المجتمع على العالم في شتى نواحي الحياة والذي وسع كل المجالات، فمثلا أصبح التعليم حق مكفول للجميع و متاح للفتاة المصرية بالأخص والعربية بالأعم، كما أن العمل في وقتنا هذا لا يفرق في أدائه بين إمرأة أو رجل، ما زالت تُجبر فتيات الحاضر على الزواج المبكر.

وهناك عدة العوامل تؤدي الي استمرار هذه الظاهرة منها:

179261_14_1468162143١-  الارث الفكري الذي خلفَّه لنا الأسلاف، لا سيما بين أهل القرى و الأرياف، فهم أكثر النَّاس تمسكاً بالأعراف والتقاليد البالية نظرا لانتمائهم لعائلات ممتدة الجذور تتوارث هذه الأفكار والعادات.

٢- الحالة المادية الصعبة التي تعيشيها الأسرة تؤدي الي قبولها بزواج ابنتها القاصر، لتكون الفتاة الضحية هي أول سلعة تفكر الأسرة في بيعها للحصول على مالِ وفيرِ في صورته المعروفة بين العائلات المصرية و العربية كالمهر و الشبكة و غيرها.

أما الطامة الكبرى فهي زواج القاصرات من رجال كبار السن من طالبي المتعة، الذين يتخذون من الفتيات الضحايا شهوةً لارضاء ذكوريتهم و بالطبع لا رجولتهم، و في هذه الصفقات التجارية المستترة تحت إسم زيجات، من الصعب بل يكاد يكون مستحيلاً أن نعتبر الفتاة عمود الأسرة الثاني، و كفة الميزان الأخرى التي تعدل الحياة الزوجية.

زواج-القاصرات

٣- تقبل الفتيات في هذه السن الصغيرة الزواج هربا من الضغط النفسي الواقع عليها والمتمثل في الإهانات اللفظية و التعنيف النفسي التقليدي، الذي تتعرض له الفتيات من افراد عائلتها مثل، “إمتى حنخلص منك ومن قرفك،” و “يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات،” أو “البنت مالهاش غير بيت جوزها،”، حتى لا تجد الفتاة مفراً في النهاية سوى الانصياع لرغبتهم، وخاصة عندما لا تكتفي بعض العائلات بالاجبار النفسي فقط بل تستخدم أيضا أساليب التعنيف الجسدي ضد الفتاة المسكينة لاجبارها على الزواج.

٤- تلجأ الفتاة إلى الزواج بعد رسوبها في المراحل التعليمية، أو توقفها عن  التعليم لاسباب إجتماعية او مادية، وكأن الزواج هو الباب الوحيد المفتوح على مصراعيه أمامها بعد أن سُدت الأبواب الأخرى في وجهها دون إعطائها أدنى فرصة لتختبر نفسها و تطرق ابواب أخرى، وكيف لها أن تطرق أبوابا أخري و هي يُزرع و يُصب في رأسها منذ النشأة بأن اخر مطافها  في بيت زوجها، حتى أصابوها بالكسل و اليأس و عدم الرغبة في المحاولة لبناء كيانها و هويتها أو حتى اكتشاف ذاتها.

14054026_1128278533933259_1076345760639518486_n
من تصوير الهام الدسوقي

٥- شعورالفتاة بتميزها بين رفيقاتها لدي ارتباطها بأحد الأشخاص، هو أيضا من أحد الاسباب التي تجعل الفتيات يتسرعن لبلوغ هذه المرحلة،  غير مدركات انهم بهذا قد حرمن أنفسهن من العيش كفتيات صغار يكبرن في عالمهن الخاص.

ومع كل مباهج الحياة ، لا تجد الفتاة سعادتها الا عند  اقتراب موعد زفافها وارتدائها فستان العرس، فالزواج بالنسبة لها هو ليلة، في اعتقادها السطحي، بألف ليلة وليلة، لتستيقظ بعدها على كم المسؤولية الملقاة على عاتقها وهي غير مؤهلة لها، لأن خبرات الحياة لا تترجم في يوم و ليلة ولا تُكتسب نتيجة لقرار مفاجئ بالارتباط ، فستفيق لتجد انها قد ظلمت نفسها وجنت على حياتها ومستقبلها، وسترغم علي مواكبة كل هذه التغيرات الطارئة عليها دون أدنى ارادة منها، و بدون سبب غير انها ارادت ان تعيش ليلة الزفاف وتصبح العروس المنتظر في ليلة عمرها.

 أليس من الظلم  اختصار أعمارنا نحن الفتيات في مجرد ليلة؟

23666605_978100439008106_116312332_nرضوى حسني خريجة كلية العلوم قسم الكيمياء و باحثة مبتدئة في مجال الكيمياء الحيوية و الهندسة الوراثية ، تهتم رضوي بكتابة المقالات الاجتماعية التي تتناول قضايا المرأة المصرية و العربية و تدعم حقوقها، كذلك تهوي كتابة القصص الروائية.

 

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق