عانس في بلاد العجائب

الثلاثاء ٢٣ يناير ٢٠١٨
كتبت – رضوى حسني

lonely-woman

نعم ربما سيُطلق علي لقب عانس في مرحلة متقدمة من حياتي، نظراً لرفضي المؤقت لفكرة الزواج في الفترة الراهنة، و التي لا أعلم الي متي تستمر، لأنني لست مؤهلة بعد نفسياً لخوض هذه التجربة، إلى جانب ضرورة بناء شخصيتي المستقلة أولاً، و اثبات ذاتي بانجاحها علمياً و عملياً قبل أن أقدم علي هذه التجربة. و على الرغم من كوني لا زلت في بداية عِقدي العشرين إلا أني لم أسلم من تلميحات الارتباط المقززة التي تلاحقني في كل مكان، و لا من سؤال الدهر الأبدي:
– “مفيش عريس؟”

هذا السؤال الذي لطالما أجبت عليه بابتسامة بلهاء مصطنعة،

-“لا يا طنط و الله أنا مابفكرش في الموضوع ده دلوقتي.”

هذا الرد يصيب طنط باحدى حالتين لا ثالث لهما، إما ان تفتح فاها مندهشة من سوء حظي لأنني على وشك العنوسة و تعيد على مسامعي هذه الجملة بنبرة استفهامية استنكارية

-“خالص خالص؟!”,

أو تعقد حاجبيها في شكل رقم ٨٨ ، مع محاولة جبر خاطري بقولها:

-“ربنا يكرمك في حياتك يا حبيبتي، بس ماتقوليش مش عايزة أتجوز.”

ويرد لسان حالي “سيبوني يا ناس أعيش حياتي زي ما أنا عايزة”، أما وجهي فتعلوه نفس الابتسامة البلهاء السابقة.

هذا، ناهيك عن اشارات الغمز واللمز، والاشارة إليَّ حيث يُرتدى خاتم الخطبة. وواحدة تسأل أمي عن حالي. وأخرى تقدم نصائحها لي لكي أحسن التخطيط لحياتي كزوجة مستقبلية، و كأنني علي أعتاب عقد القران.

هذه الاسئلة التي ترددها على مسامعي السيدات من حولي ما هي إلا دليل على تناسيهن عمدا كل محطات النجاح في حياتي، أو أنهن لا يتذكرونها من الأساس، ذلك إلى جانب شعوري باحتقارهن لشخصيتي باختزالها في هذه الأسئلة المعتادة.

و في كل مرة حاولت فيها اقناعهن بأن هذه هي حياتي أعيشها مثلما أهوى و يحلو لي. ظننَّ بأن ما بيدي من حيلة،  على رأي مثلهن «حجة البليد مسح السبورة» حتى أتخذتُ قراري أخيراً بعدم النقاش أو المجادلة مع احداهن، لاقناعها بوجهات نظري، و أن أُسيِّر أمور حياتي كيفما أراها، لكوني أنا الوحيدة المسؤولة عنها – و لا حرمني الله من ابستامتي البلهاء المصطنعة.

بالتأكيد ما أتعرض له هو جزء بسيط مما يتعرض له الكثير غيري من الفتيات.

فلماذا نحن الفتيات دون الرجال من يحمل المجتمع على كاهليه أعبائنا الزائفة،  التي لا وجود لها إلا في معتقدات راسخة الوجود، واهية المعاني، تتناولها أمثال شعبية تتميز باحتقارها للمرأة عموماً و الفتاة خصوصاً،  مثل:

– يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات

– عقربتين في حيط ولا بنتين في بيت

– هم البنات للممات لوعرايس أومتجوزات

– المرأة لوطلعت للمريخ أخرتها للطبيخ

– ان ماتت أختك أنستر عرضك

– دلع بنتك تعرك ودلع ابنك يعزك

و غيرها من العبارات التي تحمل في ظاهرها قبل مضمونها الكراهية و الخجل من الأنثى، حيث أنها بمثابة وأد معنوي لروحها و مشاعرها.

لا نستطيع انكار حقيقة أنَّ الزواج سنة كونية، و لكن ماذا لو لم يأتِ من نرتضي خُلقهِ و دينهِ؟ هل نضحي بذاتنا وأحلامنا فقط لنتجنب كلمة العانس؟!! عانس.. أليست هي كلمة تذكير من الأساس؟! وكان من الأولى نسبها للرجال دون الفتيات. وعلى الرغم مما قد تصل إليه الفتيات من نجاح و تفوق في حياتهن العلمية و العملية، لا زالت كلمة العانس هي البعبع الذي يُرهب معظمهن ممن اقتربن أو تجاوزن عقدهن الثالث. وهي أيضاً أداة ضغط من المجتمع على الفتاة لتقبل بأي كان شريكا لحياتها، وان اختلف عنها حد السماء. تفعيلا لمثل «ضل راجل و لا ضل حيطة» الذي ابتدعه هذا المجتمع و آمن به الناس،  بالرغم أن الحائط، في كثير من الأحيان أكثر حماية للمرأة من الرجل.

و دائما ما يبذل المجتمع جهوده الهشة ليجبر الفتاة و يقنعها بأن نهايتها ما هي إلا للبيت وللزوج. فيُعظِّم من شأن الارتباط بجعله الهدف الأسمى، لا كونه  تجربة قد يمر بها الانسان في حياته و قد لا يمر.

أليس هذا هو المجتمع ذاته الذي يُعرقل سبل الزواج أمام الشباب، و يُعسر من أمور ارتباطهم، ليعود فيعاقب الفتاة على تقدم عمرها  بنعتها بلقب العانس – بالرغم من أنها قد تكون هي الرافضة لفكرة الزواج. أليس هو المجتمع نفسه الذي يفخر بنجاح بناته و تفوقهن، بل و يشجع الفتاة على المزيد ولكنها عندما تنجح وتجد نفسها في تحقيق الذات، يخبرها بأنها أصبحت عانس لا تصلح لزواج مماثل لمن هن أصغر منها سناً، ليُضعف من ثقتها بنفسها، و يُجبرها على الاستسلام أمام أول طارق على بابها  والتعليل التقليدي لحثها على القبول هو أنها أصبحت كبيرة في العمر، وقد تعاني مشاكل في الانجاب، لذا فعليها أن تقبل بأي كان، شاب مطلق أو أرمل أو حتى  من هو أقل منها تكافؤاً من الناحية العلمية و الفكرية و الاجتماعية.

ومن المحزن أن يكون الوالدان في بعض الأحيان هما سبب الضغط الأساسي على الفتاة، ضاربين بأبسط حقوقها عرض الحائط، رغبة منهم في تزويجها قبل ان تصبح عانسا، فقط كيلا يلحق العار – المرتبط بهذا اللقب – بهما.

مهما حاولت الكتابة عن هذه المضايقات التي نتعرض لها نحن الفتيات دوماً،  حتى باتت تمثل معاناة  بالنسبة لنا، لن أستطيع وصف شعورنا، فما ذكرته أقل بقليل مما يجول في خاطري. و كل ما أطلبه الآن من الفتيات هو التحلي ببعض من الصبر و القوة أمام هذه المواقف، و لا مانع من الرد بأسلوب مهذب حتى يتوقف كل دخيل في حياتنا عند حده. —

أما أنتِ يا طنط، فحريتك تنتهي عندما تبدأ حريتي.

 

23666605_978100439008106_116312332_n

رضوى حسني خريجة كلية العلوم قسم الكيمياء و باحثة مبتدئة في مجال الكيمياء الحيوية و الهندسة الوراثية  تهتم رضوي بكتابة المقالات الاجتماعية التي تتناول قضايا المرأة المصرية و العربية و تدعم حقوقها، كذلك تهوي كتابة القصص الروائية.

 

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق