ام الكل ……. نفرتارى تصر على البقاء

الاربعاء ٧ فبراير ٢٠١٨
كتبت – نيرة حامد

9153189381459860955

أم محجوب هى سيدة لا يعرفها الغالبية العظمى من الناس، ولم أعرفها إلا منذ وقت قصير، وبالصدفة. عندما أطلعت على خبر صغير بجريدة الأهرام اليومى بتاريخ ٢٦ أغسطس ٢٠١٧، كتبه محمد مختار أبو دياب تحت عنوان “قضايا النوبة فى السينما المصرية” و تناول الخبر فيلم تسجيلى يجسد حلم العودة للنوبين  بعنوان “نفرتارى تصر على البقاء”، ومعه صورة كتب تحتها  “ام محجوب بطلة فيلم نفرتارى تصر على البقاء ” .ملامح ام محجوب وأسم الفيلم كانا محرضان لى على البحث عنه ومشاهدته وبالفعل هذا ما حدث.

d8b5d988d8b1d8a9-d8aad985d8abd984-d8b9d985d984d98ad8a9-d8aad987d8acd98ad8b1-d8a7d984d986d988d8a8d98ad98ad986-d985d986-d982d8b1d8a7d987“ام الكل” أو  “ام محجوب” هى سيدة بسيطة للغاية ليست كأولئك النسوة العظيمات اللاتى قرأت عنهن أورأيت صورهن، لن تراها على الشاشات الرسمية ، ولن تراها على الشاشات التكنولوجية، إلا إذا بحثت عنها.

أم محجوب، هي السيدة النوبية التى تم تهجيرها مع باقى اهل النوبة عام ١٩٦٤م إلى هضبة كوم امبو لإنشاء السد العالى، ولتستقر قريتها قستل القديمة مع ٤٤ قرية نوبية أخرى فى أعماق بحيرة ناصر. من خلال أحداث الفيلم نتعرف علي أبنائها الثلاثة الذين وزعوا على خريطة القطر المصرى؛ إحدي بناتها تسكن فى الجيزة، والاخرى فى أبو سمبل، بينما يقطن ابنها محجوب فى أسوان. ويعرض الفيلم لقاءات مع بعض النوبين الذين يتحدثون عن المشاق التى لاقوها فى التهجير، من سوء تخطيط ومعاملة، وتتحدث النسوة النوبيات الكبيرات فى السن عن يوم التهجير، يوم ان نظفوا بيوتهن وملئوا الأزيار لأنهن كن يعتقدن فى العودة مرة ثانية، وبدؤا فى الرحيل وعيونهم متعلقة بالبيوت، وكان يوم عصيبا عليهم كما قلن “كانت صعبة علينا”.

ثم ينقلنا الفيلم إلى الجزء الأهم، إلى أبو سمبل ثم إلى عبور البحيرة والوصول لقستل الجديدة حيث تحيا “ام الكل”. و في أبو سمبل يتحدث مقدم الفيلم – إن جاز التعبير- مع شخص أثرى حول كيفية نقل معبد أبو سمبل الذى بناه الملك رمسيس الثانى لنفرتارى زوجته الأثيرة والتى يشاع أنها كانت فتاة نوبية، وعن مدى إهتمام الحكومة المصرية عند بناء السد بهذا المعبد ودعوتها لليونسكو وباقى دول العالم للمساعدة فى نقل آثار النوبة وأهمها معبد أبو سمبل فتضافرت الجهود الدولية وتم النقل فى بيئة تكاد تطابق البيئة الأصلية للأثر فرفعوا المعبد ٦٠م لأعلى و١٢٠م للوراء، وبنوا فوقه قبة كبيرة لتحاكى الجبل الذى كان قد نحت فيه . هكذا حرص العالم على الحجر . ولم ينل أهل النوبة نفس الإهتمام الذى لقاه المعبد، فلم يتم وضعهم فى بيئة مناسبة شبيهة بالبيئة الأصلية مما تسبب فى موت عدد منهم لاسيما كبار السن والأطفال.

2013-635176968960642092-64

انتقلت ام محجوب مع زوجها منذ أكثر من ثلاثين عام إلى قستل الجديدة، وكان ذلك فى نهاية عهد الرئيس السادات الذى كان قد وعد النوبين بإعادتهم الي ضفاف البحيرة، ولكن وريثما مات السادات تبخرت أحلام النوبين بالعودة، ونتيجة لعدم وجود أى مرافق في قستل الجديدة هجرها الناس. مات أبومحجوب ولكن أم محجوب لم تهاجر من قريتها مرة أخرى بل أصرت على البقاء فى قستل الجديدة، و لم يبقى معها سوى نفر بسيط من الناس – وهي تصر على البقاء حتى لو ستبقى وحيدة.

3983927291420794044-418996620

نظرات ام محجوب لصورة زوجها على الحائط وللسما والارض تنبئك كيف تحملت تلك السيدة المسنة هذا الوضع لكل هذه السنوات لانها في قستل الجديدة ليست وحيدة، فهى تعيش على الذكرى وتعيش معها، تستمع لأصوات من راحوا، فهى تعيش فى وطنها هي، لن تذهب ثانية إلى كوم امبو حتى لو كانت جنة لانها بالنسبة لها المنفى او المهجر او بالادق القبر.

ستبقى ام محجوب مكانها ولن تبرحه متمسكة بالامل فى أن تعود الحياة تدب ثانية فى بلادها، تريد ان يمد الله فى عمرها لترى ذلك ولو يوم واحد ثم تموت.

بقاء ام محجوب هو بقاء لأهلها، لأولادها، لذكرى تستعصى على الموت، لحق تستميت هى فى الدفاع عنه وحيدة بأكثر الطرق سلمية فى العالم، وهو البقاء.

tahgeer1

إن نظرت إلى وجه ام محجوب ستجد ذلك الوجه الذى جعلته التجاعيد يشبه الارض العطشى، فهى كالارض من تحتها مجاورين للنيل ولكنهم عطشى. لا أعلم إن  كانت ام محجوب مازالت على قيد الحياة ام لا، ولكن كل ما اعرفة ان مياة النيل التى تجرى فوق ارض ابائها هى الوحيدة القادرة على إحياء الارض ومحو تلك التجاعيد التى احدثها الزمن.

أم محجوب أو”أم الكل” هى مَثَل وقدوة فى زمان عزت فيه القدوة،  فإن كنت يأس فتذكر ان ام محجوب بعد كل هذا العمر من الانتظار مازال لديها أمل، إن كنت واهن فتذكر أن ام محجوب صامدة، إن كنت مضطرب فعد إلى جذورك مثلها لترتاح ونم على هدهدة مياة النيل.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

One comment

اترك رداً على El otta إلغاء الرد