الخميس ٢٢ فبراير ٢٠١٩        – كتبت رضوي حسني

يُوافق اليوم الذكرى المئوية لميلاد الراقصة و الممثلة المصرية تحية كاريوكا، إحدى رائدات الرقص الشرقي في مصر و العالم العربي، و واحدة من أشهر ممثلات السينما المصرية، فهي التي أتقنت دورها حتى برعت في فنها.

وُلدت بدوية محمد على النيداني كريم – و هو اسم تحية كاريوكا الحقيقي – في مدينة الإسماعيلية يوم 22 فبراير من عام 1919م. انتقلت تحية منذ صغرها للعيش في بيت والدها بعد انفصاله عن والدتها، و نتيجة لبزوغ موهبتها في الرقص الشرقي مبكراً، تلقت الكثير من أنواع التعنيف و الضرب من قبل أخيها، كمحاولة منه لثنيها عن هذه الموهبة التي لم تكن مقبولة وقتذاك، لكنه لم يفلح، لهروبها من الإسماعيلية و انتقلت للعيش في القاهرة.

و في القاهرة تعرفت على المغنية المصرية من أصول سورية سعاد محاسن، التي سافرت فيما بعد إلى الشام بصحبة زوجها، تاركة تحية عند بديعة مصابني بعد أن قدمتها لها، ثم سرعان ما انتقلت تحية بعد ذلك للعمل في فرقة بديعة مصابني كراقصة شرقية. بالرغم من تقديمها للرقص الشرقي، و اعتبارها من راقصات الصف العاشر في بداية عملها لدى كازينو بديعة، إلا أن تحية تطلعت لتصبح راقصة الصف الأول، فتلقت دروساً في أصول الرقص و الفن الإستعراضي على يد مدرب الرقص إيزاك ديكسون، حتى أُشتهرت عام 1940م برقصة الكاريوكا العالمية، و التي لُقبت باسمها لتصبح تحية كاريوكا.

نجحت تحية كاريوكا سريعاً كراقصة شرقية، مما أثار غيرة الراقصة الأولى حورية محمد آنذاك في فرقة بديعة، حتى أنها في مرة من المرات مزقت لتحية الفستان الذي أهدته لها بديعة مصابني كمكافأة لها بعد نجاحها في تقديم رقصة الشيكابوم.

اعتمدت تحية كاريوكا في تقديمها للرقص على النوع الشرقي الكلاسيكي رغم أنها أضافت له بعد التطورات، لذا فقد امتلكت أسلوبها الخاص الذي ميزها عن غيرها من الراقصات.

قدمت أول أفلامها السينيمائية عام 1935م، و هو فيلم الدكتور فرحات للمخرج توجو مزراحي و الفنان فوزي الجزايرلي. وكونت علاقة صداقة قوية مع الفنان سليمان بك نجيب، فقد كان بمثابة الأب الروحي لها، الذي علمَّها أن الفنان يجب أن يكون على قدر عالٍ من العلم و الثقافة و الرقي، لذا تعلمت الإنجليزية و الفرنسية، و فهمت منه علوم السياسة و الأدب، كما أنه أقنعها بدراسة الباليه، و قدمها لمدام رطل لكي تدربها صوتياً على فن أداء الأغنيات، وأيضاً مهد لها الطريق للوقوف أمام المبدع نجيب الريحاني في فيلم لعبة الست عام 1946م.

قدمت تحية 117 فيلماً للسينما المصرية، من بينها أم العروسة، عفريت سمارة، واسلاماه، و وداعاً بونابرت. اعتزلت تحية كاريوكا الرقص مبكراً و تفرغت للتميثل فقط بعد أن كانت تجمع بينهما، إلا أنها استمرت في إعطاء دروساً عن الرقص الشرقي في أحد معاهد الباليه.

تزوجت تحية كاريوكا 14 مرة، و من أشهر أزواجها أنطوان عيسى – ابن شقيقة بديعة مصابني – الذي أشهر إسلامه للزواج منها عام 1939م و لكن سرعان ما وقع الإنفصال في عام 1940م، كما تزوجت أيضاً من ضابط أمريكي يدعى ليفي بعد إسلامه، وانتقلت معه للعيش في أمريكا، لكن سرعان ما انفصلت عنه عائدة إلى مصر مرة أخرى، و تزوجت أيضاً من النجم رشدي أباظة، و المطرب محرم فؤاد، و الفنان أحمد سالم، و كانت آخر زيجاتها من الممثل و المخرج المسرحي حسن عبد السلام.

قدمت تحية كاريوكا الكثير من العروض المسرحية برفقة زوجها آنذاك الكاتب المسرحي فايز حلاوة، و من أشهر هذه العروض، مسرحية حضرة صاحب العمارة، و تعتبر زيجة تحية من فايز حلاوة هي الأطول عمراً في تاريخ زيجاتها، فقد استمرت لمدة 18 عاماً حتى وقع الإنفصال بشكل مأساوي بعدما طردها من البيت بملابس النوم و رفض إعطائها مستحقاتها المالية و مجوهراتها و شقتها في الزمالك ،مما اضطرها ذلك للجوء إلى الشيخ الشعراوي طالبة منه المساعدة.

عُرفت بمواقفها النبيلة و القوية و خاصة السياسية منها، فقد اُعتقلت لمدة 100 يوم عندما اقتحم البوليس السياسي منزلها أثناء زواجها من الضابط مصطفى كمال صدقي، باحثاً عن أي أسلحة أو منشورات ضد نظام الحكم، و بالفعل تم العثور على بعض المنشورات، و التي لم تكن تعلم عن وجودها أي شئ في المنزل، و أثناء اعتقالها أعلنت تمردها نتيجة لما واجهته من معاملة سيئة. كما أنها اُعتقلت مرة أخرى مع بعض أعضاء الحزب الشيوعي المصري بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر عندما انتقدت أداء الحكومة المصرية بعد ثورة 1952

و تعد من أشهر وقائع تحية كاريوكا، موقفها في مهرجان كان السينمائي الدولي  عندما شاركت فيه بفيلمها شباب إمرأة عام 1956 للمخرج صلاح أبو سيف و شاركتها البطولة فيه النجمة شادية و أيضاً الفنان شكري سرحان، و نتيجة لتجاهل عدسات المصورين و عزوف الصحفيين عن الوفد المصري، استشاطت تحية غضباً و توجهت على الفور إلى حجرتها، لتبدل ملابسها الأنيقة و ترتدي الزي المصري – الملاية اللف و الشبشب أبو وردة – لتخطف الأنظار حينها و تصبح إطلالتها من أشهر إطلالات مهرجان كان حتى وقتنا هذا.

اعتنت تحية باثنين من أطفال شقيقتها هما فاروق الأخ الأكبر و أخته الصغرى نجاة على حسن الجداوي التي أصبحت فيما بعد الفنانة رجاء الجداوي، فتكفلت تحية بتربيتهما و تنشئتهما تنشئة راقية، فألحقتهما بمدارس الفرنسيسكان في القاهرة، فتعلما الإنجليزية و الفرنسية، ووفرت لهما مربية لتدير شؤونهما. و على الرغم من حسن تربيتها لهما و أدائها العظيم في دور الأم في أفلام السينما ،إلا أنها لم تكن أماً في يوم من الأيام.

تُوفيت تحية كاريوكا في يوم 30 سبتمبر من عام 1999، تاركة خلفها الكثير من الأعمال التي لطالما برهنت على إبداعها و اتقانها، و مدى حبها لفنها، وأيضاً خلفت لنا مواقف عظيمة ما زالت شاهدة حتى يومنا هذا على قوة و شهامة المرأة المصرية التي تجسدت في شخصية (تحية) نجمة الكاريوكا.

 

رضوى حسني خريجة كلية العلوم قسم الكيمياء و باحثة مبتدئة في مجال الكيمياء الحيوية و الهندسة الوراثية  تهتم رضوي بكتابة المقالات الاجتماعية التي تتناول قضايا المرأة المصرية و العربية و تدعم حقوقها، كذلك تهوي كتابة القصص الروائية.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني