ولأنها امرأة …    

الجمعة ٤ مايو ٢٠١٨                كتبت: سلمى محمود

255492_347172925369171_754350454_n.jpg

تعاني المجتمعات العربية من مرض الفصام أو كما يُدعي “الشيزوفرانيا”، وتظهر أعراض المرض متمثلة في ازدواجية المعايير والقيم، والتناقض في الآراء، والكيل بمكيالين في الحكم على المواقف والاحداث، وخاصة إذا كان أحد الطرفين المعنين أنثي.

في هذه المجتمعات، تجدهم من ناحية يدّعون الديمقراطية والعدل وتقبل كافة الآراء، ولكنهم في الواقع يمارسون الاستبداد والظلم بأبشع صوره، يتشدقون بالمثالية، ويساندون الحرية ويدافعون عنها فقط عندما تخدم مصالحهم، يدعون المساواة رغم انهم يفرقون في الحكم علي أفراده علي حسب جنسهم. هم يأخذون من الدين فقط ما يخدم مصالحهم ويحقق أهدافهم، ويطالبون بحقوقهم كاملة بينما يحرمون الاخرين من ابسط هذه الحقوق، يتحدثون ليل نهار عن الحلال والحرام، والصح والخطأ، وفي ذات الوقت يتعاملون مع كافة المواقف بمبدأ “عيب انتي بنت وهو ولد” الذي يندرج تحته قائمة طويلة من المحذورات للمرأة والمباحات للرجل.

فلأنها امرأة، توجه لها أصابع الاتهام والعتاب إذاخانها زوجها، وكأنها هي الطرف المخطئ. هي في خيالهم المريض من أجبرته على خيانتها، إما لأنها أهملته أو لم تدلله بالقدر الكافي، أو “مش مريحاه”، أو انشغلت عنه بأشياء دون ذات أهمية كالعمل، وتربية الأولاد، والاعمال المنزلية، أو ربما هي لم تهتم بنفسها بالقدر الكافي الذي يجعل عينه “متزوغش” على امرأة أخرى.

وبدلا من تقويم الزوج أو نصحه، تنهال على الزوجة النصائح من نوعية، “كل الرجالة كده”، أو “دي نزوة وتعدي”، وبأنها يجب أن تحاول إصلاح الأمور “علشان متخربش بيتها بأيدها”.  أما إذا حدث العكس، فمهما كانت الظروف التي أودت بالزوجة الي الخيانة فهي زانية يجب أن ترجم حية وتعذب حتى الموت … وكأن الجرم يختلف!

ولأنها امرأة، إذا حرمها الله من نعمة الانجاب ستعاقب طوال حياتها على ذنب لم ترتكبه، وعلى ابتلاء ليس لها يد به. قد يتركها زوجها ويتزوج بأخرى بناء على نصيحة المقربين له، لينجب طفلاً يحمل أسمه ويكون عونه في المستقبل، وهو بهذا لا يقترف خطأ، بل يمارس حقه الذي حلله له الشرع، دون احترام لمشاعرها أو مراعاة لآلامها كأنثى فقدت حلمها في الأمومة. أما إذا انقلبت الآية فلابد أن تتحمل هي ابتلاء زوجها وتصبر وتحتسب اجرها عند لله، وتنسي مشاعر الأمومة ورغبتها في إنجاب طفل حتى لا ينعتونها بانها “مش بنت أصول”!

ولأنها امرأة، فهي تصوب اليها أصابع الاتهام إذا تعرضت للتحرش أو الاعتداء، فربما ملابسها الملفتة من وجهة نظرهم هي ما شجعت المتحرش على مضايقتها، أو ربما نظراتها الجريئة او مساحيق التجميل التي تستخدمها أغرته وشجعته ان ينتهك حريتها او ربما عرضها. دائما سيوجهون اللوم الي المرأة، حتى لو كانت مغطاة من أعلى رأسها لأسفل قدميها، أو لا تعرف عن مساحيق التجميل سوي اسمها، سيخترعون مئات الاعذار والتبريرات لتجريمها.

ولأنها امرأة، إذا توفي زوجها يجب أن تعيش مخلصة لذكراه ولا تتزوج من بعده، بل تهب حياتها وتفني عمرها في تربية أولادها حتى لو كانت في مقتبل عمرها، وحتى لو جاءتها فرصة أخري للزواج من شخص مناسب هي ترغبه، فلقد حصلت على نصيبها من الزواج مرة، فلماذا تكررها؟

أما الزوج الذي توفيت زوجته، يبدأ المحيطين به بالبحث له عن عروس، ربما حتى قبل انتهاء فترة الحداد بحجة انه يحتاج الي من ترعاه وتربي اولاده و…. وكأنه وحده من يحتاج لونيس، وكأن الزوجة التي توفي زوجها هي كائن بلا أي مشاعر.

ولأنها امرأة، فهي إذا تزوج زوجها بأخرى تشاركها فيه وتفسد عليها حياتها، يجب عليها أن تتقبل في صمت، لا بل وتبارك له زواجه، وحتى لو كانت قد افنت عمرها في خدمته ورعايته، وتحملت الكثير من أجل إنجاح هذا الزواج، فهي في النهاية عليها تقبل الأمر لان المجتمع لن يلومه، فهذا حقه الذي حلله له الشرع، وليس على الزوجة ان تعترض أو تطلب الطلاق وتطالب بحقها الشرعي، حتى لا تصبح آثمة تعترض على شرع الله واحكامه، فقط عليها ان تصبر وتراعي زوجها رغم كل شيء دون مراعاته هو لمشاعرها.

ولأنها امرأة، قد يحاسبها المجتمع على علاقة رسمية بعلم الجميع ربما تكون الوحيدة في حياتها بينما يتباهون “بالدنچوان” الذي عرف نساء بعدد شعر رأسه و”مقطع السمكة وديلها”!

ولأنها امرأة، فهي إذا تعرضت للضرب أو الاهانة من أي “مذكر” له سلطة عليها، والدها كان او أخوها او زوجها، فهي لن تجد من يدافع عنها او يحميها، بل ستساق الحجج والاعذار التي تبرأهم وتلقي بالذنب على كاهلها، فربما عنفوها لتقويمها أو لأنها استفزتهم أو تطاولت عليهم، أو ربما تناقشت معهم بطريقة لم تنل إعجابهم، ولأنها امرأة، فهي ليس لها حق الاعتراض أو الرد أو حتى المقاومة، بل عليها أن تتجرع آلامها في صمت.

ولأنها امرأة، قد تُسلب منها حريتها وتُمنع من الدراسة والعمل والسفر، أو حتى من بهجة الحياة بحجة الخوف عليها أو حمايتها من الانحراف والوقوع في الخطأ، بينما تقيد المرأة بالأغلال الاجتماعية، يمنح الرجال كافة الحرية حتى ولو أخطئوا أمام أعين الجميع.

ولأنها امرأة، ستقضي عمرها كله حبيسة لأفكارها وأحلامها التي لن تتحقق، لتتحول إلى كائن يخشى الحديث والبوح برغباتها وأسرارها حتى لأقرب الناس، وتعاني من عدم الثقة والقهر النفسي والبدني، الذي يؤثر عليها نفسيا وجسديا ويشعرها وكأن كونها انثى هو عبء عليها لتفقد قيمتها وشغفها فى الحياة.

وإن حاولت التغلب على هذه المعوقات الاجتماعية والسير عكس التيار والخروج من تلك الدائرة الضيقة التي تكاد أن تخنقها، لتعيش حياتها بعيداً عن مرضهم، فان ثمن حريتها غاليا، شديد القسوة، وقد يصل إلى التشكيك في شرفها والتنكيل بها والنيل من سمعتها.

ولأنها امرأة، ستظل تعاني ربما إلى آخر عمرها من عدم المساواة والظلم والتفرقة في كل شيء، من مجتمع يحكمة مبدأ “عيب انتي بنت” ويفرق في الحكم بينها وبين الرجال فقط لكونها أنثي، ستظل تحارب لان معركتها ليست فقط مع الذكور، وإنما أيضاً مع أناث قُهِرن من قبل، فقررن ممارسة نفس طقوس القهر مع بنات جنسهن!

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

1 comments

أضف تعليق