كراكيب

الأحد ١٤ أكتوبر ٢٠١٨                  كتبت – د. إيمان الأمير

karakeeb 2
Photo copied from altv.com

الكراكيب وهي لمن لا يعرفها أشياء قديمة متنوعة من أثاث البيت ، غالبًا لا تكون ذات قيمة أو زائدة عن الحاجة ولا تستعمل. لكنها تشغل حيز لا بأس منه من مساحات مختلفة من المنزل. كنت أعيد ترتيب غرفتي وإذا بعيني تقع على بعض الكراكيب. أحضرت كيسا كبيرا وبدأت في جمع الأشياء التي قررت التخلص منها.

وجدت في المكتبة دفتر تليفونات قديم به بعض الأسماء التى كنت قد دونتها في زمن ما. تذكرت بعض منها والبعض الآخر لم يمثل الاسم لي أي شيء على الإطلاق. تركت الدفتر جانبا ووجدت إلى جواره دمية صغيرة أهدتها إلى زميلة في العمل في عام من الأعوام. وجدت نفسي أتوقف عن جمع الأشياء وأعيد النظر في كل منها.

أوقف حماسي في الترتيب صوت رسالة على الهاتف ذهبت لأتفقدها. وإذا بعيني تقرأ بعض الرسائل القديمة التى ما زلت محتفظة بها على الهاتف. بعضها يحمل أسماء وبعضها يحمل أرقام لا أميزها. أخدت أقلب في سجل الهاتف لتطالعني مفاجأت أخرى في أناس لم أعد أعرفهم. أدركت أنني لا زلت أحتفظ بالكثير من الكراكيب في حياتي وليس فقط في غرفتي الصغيرة.

قطع شرودي مكالمة من صديقة طالما يسعدني الحديث معها. وأخذنا الحوار لنتحدث عن الصداقة والأصدقاء الذين قابلناهم في رحلة الحياة. كيف اختلفت رؤيتنا للكثير من الأمور. وكيف استطاعت علاقتنا الصمود أمام الكثير من المتغيرات. وكيف ذهب وراح الكثيرون طوال هذه الرحلة . وكيف لم نستطع الاحتفاظ ببعض العلاقات التي أدت دورها ورحلت. انتهت المكالمة ولم ينتهى الحوار الذي أراد قلبي أن يستكمله.

وجدت نفسي أفكر في كل من دخل حياتي وكل من خرج منها. كيف اتسع أفقي وضاق على مراحل متعددة من تطور شخصيتي مع الأيام. وجدت بعض العلاقات التي توطدت بقوة وأخرى أصبحت زائدة عن الحاجة ولم يعد لها أي استخدام. البعض الآخر لم أدرك لماذا قررت الاحتفاظ به رغم أنه يحجب بعض النور عن رؤية الآخرين.

منذ عام واحد دخل إلى حياتي أناس كثيرين لم أكن أعرفهم من قبل. وذهب بعض الناس لم أتخيل أنهم سيرحلون لكنهم رحلوا. ربما لم يجدوا هذا المكان إذا لم يذهب من حياتي بعض الناس. وجدت نفسي أتوقف عند هذه النقطة وأتأمل ولم يفكر المرء في الاحتفاظ بكل من مروا في رحلة حياته. لماذا نحتفظ بملابسنا القديمة التي لم تعد تناسب هيئتنا ولا شكلنا ولا ذوقنا الحالي. وربما وجدت طريقها إلى أشخاص آخرين ينتفعوا بها.

ربما هي ثقافة تربينا عليها أنها ربما تنفع في يوم ما. ربما نحتفظ منها بذكرى أو نستعيد معها شوق قديم. لكن الأشخاص والعلاقات تتغير وتبلي أيضا كالأشياء. لماذا نستميت في الحفاظ على علاقات وأشخاص لم يعد لهم دور في هذا الوقت من الحياة. نعم بعض العلاقات أضحت الآن مجرد كراكيب لا داعي لوجودها ولا فائدة منها. أدركت كم تغيرت أنا وكم تغيرت اهتماماتي وأفكاري ورؤيتي للحياة.

ربما لم يعد يتقبلني البعض في حياتي الجديدة. ربما لم تتطور أفكارهم تجاه أمور ما مثلما تطورت أفكاري. ربما لم تعد بيننا اهتمامات مشتركة. ربما ما زلنا نحتفظ بحبال الود لكننا لا نملك الوقت للحديث. ربما لم ندرك أننا نتغير وأن الأشخاص المحيطين بنا لا يملكون مواكبة التغيير. صمت قليلا أحدثني لأجدني ممتنة لكل من كان جزء من الرحلة ولم يكملوا الطريق . ارسلت لهم رسالة حب وسلام ربما لم أتوقف لأرسلها لهم عندما رحلوا. وكتبت رسالة أخرى في قلبي لمن يريدون البقاء أو العودة من جديد.

أعدت النظر إلى الهاتف وأرسلت إلى من اشتقت إليهم ولم نتواصل من مدة. وحادثت من رغبت في سماع صوتهم والاطمئنان عليهم. ومسحت من أرقامي بعض الكراكيب. ترى هل جربتم من قبل أن تبحثوا في حياتكم عن بعض الكراكيب وواتتكم الشجاعة للتخلص منها بدون أي تردد ؟ أدعوكم للتجربة فربما تجدوا مساحة لاستقبال أناس جديدة كانوا في انتظار رحيل الكراكيب.

11659476_10153067752288087_7864502099068912945_nد. إيمان الأمير كاتبة أدب رحلات مصرية،  حاصلة علي الدكتوراة في نظم المعلومات الجغرافية ، و هي تدرس بكلية الحاسبات والمعلومات جامعة بنها. صدر لها عدة كتب في أدب الرحلات منها: ” في رحلة الحياة،”يا مسافر وحدك “، “السفر والترحال: سلسلة العين السحرية.” الواحات البحرية سلسلة الأماكن حواديت “.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق