جوزفين سعيد: شابة كفيفة من مصر تعشق تسلق الجبال

الخميس ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨                      كتب – وائل حسين  بي بي سي – القاهرة

44827941_2277759385631924_2037288754418286592_o
ربما لا يشهد تسلق الجبال والسير في الصحراء إقبالا من المكفوفين، بسبب طبيعة هذه الأنشطة.

لكن هذا لا ينطبق على شابة مصرية قررت تحدي الإعاقة البصرية، حتى صارت تلك الأنشطة مُتعتها في الحياة.

وتحلم جوزفين سعيد، البالغة من العمر 28 عاما، بتسلق جبل إيفرست، أعلى قمة جبلية في العالم، لكنها تقول في الوقت نفسه “يكفيني المشي الطويل في منطقة جبال الهيمالايا، بمساعدة أحد المرشدين المتمرسين من السكان الأصليين”.

ولدت جوزفين كفيفة لأسرة من المُبصرين، وعاشت حياتها في عزلة عن الناس، كما كانت تتجنب الاتصال بالآخرين، ولم تكن تحب الطريقة التي ينظُر بها الناس إليها على أنها من “ذوي الاحتياجات الخاصة”، قائلة “هذا الأمر خارج عن إرادتي، فهذا شيء ولدت به”.

28059306_1848387465235787_4384785544119953838_n

في الجامعة

الدراسة الجامعية كذلك لم تكن بالأمر السهل.

تقول جوزفين “كنت أول طالبة مكفوفة تلتحق بقسم المكتبات والمعلومات بكلية الآداب بجامعة الاسكندرية، لذلك لم يكن القسم مؤهلا لمساعدتي. كنت أنتظر أسابيع طويلة كي يسجلوا لي المحاضرات إلى أن يوشك العام الدراسي على الانتهاء”.

وتضيف جوزفين أن تقبل بعض الأساتذة الجامعيين لوجودها في صفوف الدراسة لم يكن بالأمر الهين.

وعن أكثر المواقف المحرجة لها في الكلية، تقول “كان زملائي في القسم ينظرون إليّ كأنني تمثال. في إحدى المرات، جاء المحاضر إلى قاعة الدرس وقال لي إنه غير مسؤول عن نجاحي، وإنه يفضل لو انتقلتُ لكلية أخرى أو قسم آخر. لكن هذا لم يثنيني عن طريقي ولم يحبطني. بل بالعكس، كنت أنجح في المادة التي يدرسها ذلك المحاضر بتفوق”.

وبعد انتهاء دراستها الجامعية بنجاح، بدأت جوزفين البحث عن الوظيفة المناسبة، واستطاعت بالفعل أن تحصل على وظيفة في أحد مراكز الاتصالات.

_104853574_a55ff475-b8e8-4bbf-aa06-be15fb320e97

وعن عملها، تقول جوزفين “كان يومي مملا، إذ اعتدت الذهاب للعمل في الصباح والعودة في المساء، وهذا روتين يومي ممل. أعمل في مركز للاتصالات، ودوري هو أن أرد على الهاتف وأجيب عن أسئلة المتصلين الذين يستفسرون عن عنوان طبيب أو مستشفى أو غير ذلك”.

وتضيف “لم تكن تلك هي الوظيفة التي حلمت بها. فقد أحسست أن العالم لا يدور، لا شيء يتغير من حولي. وفي نهاية عام 2017، قررت أن أتغير، فقد كنت أعشق السفر، لكن إعاقتي كانت تمنعني. فبدأت الذهاب إلى المقاهي بمفردي دون مساعدة من أحد، وكنت أشعر بالإحراج من استخدام العصا”.

وتتابع جوزفين بالقول “أصبتُ بالاكتئاب؛ فعندي طاقة كبيرة لا أستطيع تصريفها، وكنت أعرف أن السفر هو أكثر ما يشعرني بالمتعة”.

أول رحلة

تشتكي جوزفين بشكل عام من قلة الشركات السياحية التي تقبل مشاركة مكفوفين في رحلاتها، إذ أن كثيرا من تلك الشركات، وحتى مجموعات هواة السفر بموقع فيسبوك، كانت ترفض مشاركتها.

لكن جوزفين قررت الذهاب إلى شبه جزيرة سيناء، بشمال شرق مصر، مع إحدى المجموعات السياحية، حيث تجولت في مناطق دهب، وطابا، وشرم الشيخ. وفي هذه الرحلة مارست الغطس لأول مرة.

وتقول جوزفين عن هذه التجربة الفريدة “أعلم أنني لن أرى شيئا تحت الماء، لكن التجربة كانت تستحق أن أخوضها. في البداية لم يكن المدرب يعلم أنني كفيفة. كان يخاطبني قبل النزول للماء ولم أرد عليه، فانتبه إلى أنني كفيفة”.

وتتابع “أمسك يدي حتى أعرف أنه يكلمني، ومن ثم نزل معي إلى الماء. هذا المدرب كان نقطة فارقة في حياتي، لأنه شجعني وجعلني أكثر جرأة على الغطس، ولم ينتابني أي إحساس بالخوف معه”.

_104853024_69dba167-7d14-4ce6-af7c-f4c7ecc49d59

بعد ذلك سافرت جوزفين لرحلة مشي مضنية في دروب سيناء الوعرة، حيث تعلمت من البدو كيفية المشي في الدروب غير المعبدة، وتجنب الاصطدام بالصخور.

وتقول عن تلك الرحلة “كنت قلقة في بادئ الأمر، حيث لم أبت خارج المنزل من قبل. وكنت أبيت ليلتي في الخيمة، وأخاف أن أخرج منها خشية أن أصادف الثعابين والعقارب. التحدي الأصعب كان في قضاء الحاجة، لكن أصدقائي من البدو علموني كيف أقضى حاجتي في الخلاء”.

في هذه الرحلة، لمست كل ما وقعت يداي عليه، من حجر وشجر وحيوانات. ليس لدي عينان لأرى بهما، فيداي ورجلاي هي عيناي. في تلك الرحلة، اصطدمت رجلي بثعبان دون أن أدري، فتناوله الدليل البدوي وجعلني أتحسسه”.

وقع حب الصحراء والمشي في دروبها في قلب جوزفين منذ ذلك الحين، حتى إنها الآن تتحين الفرص والعطلات لكي تخرج للصحراء والجبال.

وتقول جوزفين “لا أحب الاهتمام الزائد من الآخرين بي لأنني كفيفة. والصحراء تعني لي الهدوء الذي افتقده وسط ضجيج المدينة. وأشعر فيها كذلك بقدراتي، وبأنني أستطيع أن أمشي دون مساعدة. وفي الصحراء أيضا لا أحد يحكم على أحد، لا أحد يحكم عليك بسبب طريقة أكلك أو لبسك أو مشيك”.

“الدرب مرسوم”

_104853575_0759886b-eb2d-462f-a3fe-5e25db5ba310

وتروي جوزفين لبي بي سي عن أحدث رحلاتها، قائلة “ذهبت مع إحدى المجموعات التي تعرفت عليها بموقع فيسبوك في رحلة خمسة أيام إلى مدينة دهب بسيناء. كان الهدف من الرحلة التعرف على الذات، ومعرفة إمكاناتها عن طريق تسلق أحد الجبال الصخرية”.

“في البداية، بدا الأمر لي ضربا من الجنون”.

“وقفنا أمام الجبل الذي سنتسلقه، وجعلني منظم الرحلة أتحسس الحبل الذي سيربطني به، لكني رفضت أن أكون أول من يصعد. كان الرجل يقول لي (لا تقلقي يا جوزفين فالدرب مرسوم)، ولم أكن أفهم ماذا يعني ذلك”.

وتضيف “وضعت يديَّ على الجبل وحركتهما يمنة ويسرة، لم أترك شيئا على الجبل لم ألمسه، كنت مثل المروحة في حركتي. وأدركت أن عبارة “الدرب مرسوم” تعني أن الطريق مفتوح ولا عقبات أمامك. وعندما صعدت لأعلى الجبل هتفت لمن بالأسفل وأنا أضحك (الدرب مرسوم، الدرب مرسوم)”.

أحلام مؤجلة

44809082_2277759388965257_2931431873781432320_nوتقول جوزفين عن أحلامها إن العيش في المجتمع المحيط بها صعب على المكفوفين، مشيرة إلى أنها تنوي ترك عملها والعمل في مجال التعليق الصوتي.

“أرغب في إنشاء مجتمع للتوعية بذوي الاحتياجات الخاصة. ليس لدى الناس وعي في ما يتعلق بالتعامل مع هذه الفئة. والشارع أيضا غير مجهز لمساعدة المكفوفين”.

أما عن أكبر أحلامها، فتقول “أرغب في السفر إلى نيبال، والقيام برحلات مشي فردية هناك بمساعدة المحليين. لكنني أحتاج إلى الكثير من المال، ولذلك أفكر في بدء حملة لجمع تبرعات لتلك الرحلة”.

الصور من صفحة جوزفين سعيد علي فيس بوك

     كتب المقال وائل حسين  بي بي سي – القاهرة بتاريخ ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ 

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق