في اليوم العالمي لمناهضته؛ ختان الإناث جريمة ضد الطفولة

الأربعاء ٦ فبراير ٢٠١٩             كتبت – رضوي حسني

3672792_2048_1152بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة الختان، عزمت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة و السكان على إتخاذ عدة إجراءات حازمة بخصوص هذه القضية، و العمل على نشر الوعي بمخاطره بين مختلف المجتمعات المصرية من خلال شن حملات التوعية والتثقيف المكثفة و اللازمة للتنديد بظاهرة الختان، والعمل على إختزال نسبتها في السنوات القادمة وفقاً للإستراتيجية الوطنية لمناهضة ختان الإناث (٢٠١٦ -٢٠٢٠)،  وتستهدف هذه الحملات الي الحد من نسبة الختان في هذه الفترة بنسبة تتراوح من ١٠٪ الي ١٥٪  للفئة العمرية من ١٠ الي ١٩ سنة.

و يذكر أن القانون يجرم هذه الفعلة الشنعاء، و يعاقب مرتكبها بالسجن لمدة تتراوح بين الخمس و السبع سنوات، و العقوبة المشددة في حالة حدوث عاهة مستديمة أو التسبب في الوفاة.

و في ظل تواجد كل هذه الحملات والوسائل الإعلامية التي تندد بظاهرة الختان و مخاطرها، ما زال هناك من الأهالي من يتحكمون في أجساد بناتهم، إيمانا بانه حق لهم، غير مبالين بما قد يصيب بناتهم من آثار نفسية أو عواقب جسدية لهذه الجريمة. فكيف لأحدهم أن تسول له نفسه بإيذاء ابنته الصغيرة قناعةً منه أنه يحميها بهذا الإجراء الجراحي و يضمن لها عفتها و يحافظ  على طهارتها ؟!

و لأن الختان ما هو إلا تشوه في مظهر ووظيفة العضو التناسلي الأنثوي، من البديهي أن ينتج عنه العديد من المشكلات الجسدية، و التي تبدأ من الجرح نفسه و ما يصاحبه من آلام حادة، الي الإصابة بنزيف دموي و إلتهابات في بعض الحالات نتيجة لتلوث الأدوات المستخدمة، وصولاً بالمشكلة الأكبر والتي قد تؤثر على الحياة الزوجية للفتاة فيما بعد.

و أما عن الأثار النفسية التي يخلفها الختان في نفس الضحية فهي عديدة ولا تقل خطراً عن المشكلات الجسدية، فقد تصاب الفتاة بصدمة نفسية شديدة إثر تعرضها للختان، و خاصة و أنها غالباً ما تكون صغيرة في السن للدرجة التي لا تقوى فيها على تحمل مثل هذا الألم الشديد، إضافةً إلى نقص ثقة الفتاة بنفسها، و شعورها بعدم إكتمال جسمها كأنثى، مما يرهبها من فكرة الزواج لإحساسها بعدم أهليتها جسديا للتعايش كزوجة في المستقبل، إلى جانب تزعزع ثقتها بأهلها و لومها المستمر لهم، لإعتبارهم السبب الرئيسي فيما مرت به من تجربة أليمة وما تمر به من توابع نفسية و جسمانية لها.

و عقاب مرتكبي الجريمة من الأهل ليس مقتصرا على الناحية القانونية فحسب، فهناك أيضاً عقاب آخر إنساني تطبقه الضحية على ذويها ممن رأى فيها عورةً وسبباً لجلب العار يجب تطهيره. فبالتأكيد لن تنسى الفتاة التي تعرضت لهذا التشوه الجسماني صرخاتها و آهاتها في ذلك اليوم، مهما كانت صغيرة وقتها و مهما تقدم بها العمر، وبالرغن ان آلام البتر شديدة الا ان الألم الألم النفسي أصعب و أشد.

تعريض الفتاة  للختان هو إقرار الأهل بعدم أهليتها كإنسان حر كامل من حقه أن يرفض أو يمنع الضرر عن نفسه، و لو كان الختان من مصلحة الفتاة حقاً، لكانت خُيرت من أهلها في مرحلة متقدمة من العمر بين خضوعها له أو رفضها الفكرة من الأصل، و لكن و لأن الختان جريمة بعيدة كل البعد عن الحجج المنطقية – وما هي إلا ظاهرة مبنية فقط على الأعراف المجتمعية التي ترسخت في عقول الكثيرين رغم عفو الزمن عنها – تقع الفتاة ضحية للختان و هي في عمر الطفولة، غير مدركة لما يحدث لها. و الأصعب من ذلك، أنها برغم ما بها من قهر نفسي و سخط على الأهل، تسمع عبارات المباركة التي تلقى على مسامعها إعتقاداً ممن هم حولها بأنها أصبحت فتاة متطهرة، جاهزة لأن تصبح أنثى بالغة و زوجة فيما بعد.

و في هذه القصص الآتية يمكننا أن نلمس بوضوح معاناة الفتاة المصرية مع ظاهرة الختان، و التي قد يصبح أثرها على ذاكرتها طويل الأمد:

عن قصتها مع الختان تحكي بسمة أحمد، ” كنت كبيرة كفاية اني أكون واعية و فاكرة التجربة البشعة دي، كان عندي حوالي ١٤ سنة، و العملية تمت من غير أي مخدر، و صراخي ملا عيادة الدكتور، لدرجة ان الناس افتكرت ان ده صوت واحدة بتولد و الدكتور قال لو كان يعرف اني كبيرة كدة كان اداني مخدر بدل اللي حصل ده. لغاية دلوقتي الختان بيمثلي أزمة كبيرة و صدمة في حياتي كل ما بافتكر اللي حصلي، ده غير تأثيره الملحوظ بعد الزواج، و دايما كل ما افتكر اليوم ده باتضايق من أهلي انهم عرضوني للتجربة دي، و استحالة أعرض بنتي للموقف ده أبداً، مش عضو في جسمها هو اللي هيكون مسؤول عن عفتها”.

أما نورا مصطفى تحكي حكايتها مع الختان قائلة، “كنت في ابتدائي، و فاكرة كويس اليوم ده، يومها روحت مع عمتي بعلم من ماما، و كان الدكتور مش موجود فروحت وأنا فرحانة، أيوة ماكنتش مدركة طبيعة الأمر ولا ايه اللي هيحصل بس كفاية كلمة دكتور و عملية و حقنة علشان تخوفني، تاني مرة روحت و حصل اللي حصل، فاكرة اني صوَّت ٣ مرات بالظبط هزوا العيادة، كل مرة كانت مع شكة من إبرة المخدر، و اتختنت، وقتها ماكنتش فاهمة و كنت باحسب ان دي حاجة طبيعية و لازم تحصل للبنات، بس دلوقتي بعد ما قريت و سمعت و فهمت أنا فعلاً كارهة اللي حصلي، و زعلانة من أهلي علشان عملوا فيا كدة بالأخص اني كنت مش محتاجة للعملية دي، و بأنهم ادوا الحق لنفسهم انهم يقطعوا من جسمي من غير إرادتي، مستحيل أسمح ان ده يتعمل مع بنتي في يوم من الأيام.”

لذا و لأنه جريمة في حق كل فتاة و إهانة لإنسانيتها و انتهاك لبراءتها، لا نملك سوى أن نندد قولاً و فعلاً بالختان و بجرمه و عواقبه الوخيمة على الفتاة من الناحية الجسمانية و النفسية.

و لأن المرأة بحرياتها وحقوقها لا تقل قيراطاً عن حقوق الرجل و حرياته، يجب أن تنعدم ظاهرة الختان في المجتمع، و يقتلع من جذور أعرافه، لأن جسد المرأة لا يملكه غيرها و يجب ألا يعني به أحد سواها، فالمرأة خلقت حرة فكراً و جسداً، و ليس لأحد الحق في إمتلاكه، والتصرف فيه كيفما شاء.

23666605_978100439008106_116312332_n

رضوى حسني خريجة كلية العلوم قسم الكيمياء و باحثة مبتدئة في مجال الكيمياء الحيوية و الهندسة الوراثية.  تهتم رضوي بكتابة المقالات الاجتماعية التي تتناول قضايا المرأة المصرية و العربية و تدعم حقوقها، كذلك تهوي كتابة القصص الروائية.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق