السنجل ماذرز هُن المُحاربات

الأربعاء ٣ أبريل  ٢٠١٩           كتبت ــ سلمي محمود

Financial-Security-First-Teaching-Children-about-Money-and-Finances-Financial-Literacy-Cirriculum

“يوم المرأة العالمي، يوم المرأة المصرية، عيد الأم” ….  ثلاثة احتفالات نَسوية زينت شهر مارس لتمنحه عن جدارة لقب شهر المرأة،وليصبح شهراً مميزاً لكل من تحمل صفة “أُنثى”. يحتفل العالم أجمع كل عام في نفس الوقت بالأحداث التي أنصفت المرأة والإنجازات التي حققتها،وهي إنجازات ليست وليدة اليوم أو أمس، ولم تحصل عليها النساء كمنحة أو هبة،إنما جاءت بعد تاريخاً حافلاً من الكفاح والإصرار والنضال!، لذا يأتي شهر مارس والاحتفالات المصاحبة له كفرصة لتسليط الضوء على إنجازات النساء وتأكيد للمجتمع بأهمية دورهن وإسهاماتهن الرائدة التي نحتن في الصخر لأجل تحقيقها وإثبات ذاتهن! وهو من جهة أخرى يُعتبر أيضا فرصة ذهبية للفت الأنظار للممارسات الغير عادلة التي تُمارس بحق كل أُنثى، ليُصبح هذا الشهر بمثابة المنصة او المنبر الذي تصل من خلاله صرخاتهن للعالم بأكمله.

في مصر والبلاد العربية، تُختم المناسبات النسوية في شهر مارس “بعيد الأم”؛ هذا الاحتفال السنويُ الذي يتم من خلاله تسليط الضوء على ما قدمته كل “أم” من عطاء وحب وتضحية، ويُعتبر بمثابة رد الجميل لها وتكريماًلدورها في تربية ابنائها وتذكيريهم بفضلها وعطائها الدائم. يختلف تاريخ الاحتفال بعيد الأم من دولة إلى أخرى حول العالم، كما تختلف المناسبة المقترنة به. تعود فكرة الاحتفالبعيد الأم في مصر إلى الصحفي المصري علي أمين، عندما زارته أم أرملة في مكتبه تشكو له جفاء أولادها التي كرست حياتها لهم وضحت من أجل تربيتهم، حتى تزوجوا ولم يعودوا يزورونها إلا على فترات مُتباعدة، ليتأثر أمين بقصتها ويقترح تخصيص يوم ٢١ مارس ليكون عيدا للأم تقديرا وعرفانا لها. ومن مصر انتشر الاحتفال في هذا التاريخ الي سائر البلدان العربية

education

تزامناً مع احتفالات المرأة، اخترت الكتابة عن الأم باعتبارها الطرف الأهم لنا جميعاً. فكرت في أي من الأمهات يستحق الكتابة عنه أكثر؛الأم العاملة أم ربة المنزل، صغيرة السن أم تلك الطاعنة فيه، ولكني بعد تفكير قصير، أيقنت أن كل الأمهات “الأسوياء” يستحققن الاحتفاء والثناء، بل ولن تكفي مئات الحروف لتُعبر عن مدى تقديرنا لدورهن. ولكن لأني أميل دوماً إلى الفئة المظلومة، الي هؤلاء اللاتي يحاربن خلف الكواليس بعيداً عن الأعين، فقد اخترت موضوع حديثي اليوم عن الأمهات المعيلات.

الأمهات المعيلات قد لا نراهم يتصدرن الواجهة، ولا نشعر بدورهن ولكننا نعلم جيداً بأنهن يصنعن شيئاً عظيماً؛ هن يتعرضن يومياً إلى ما يجرح مشاعرهن ويحبطهن ولكن ذلك لا يعيقهن على أداء مهامهن والتي لا يهتمون سوى بنجاحها، حتى ولو لم يكن التقدير والاحتفاء من نصيبهن!، فهن بمثابة الجندي المجهول الذي يلعب دوراً هاماً لا يُمكن إغفاله، ولكن يضيع ذكره في غمرة الاحتفالات والمناسبات! كنت دائما أرغب في الحديث عنهن كثيراً، ولم أجد انسب من تلك الفرصة لينهال حبر قلمي ويدون كل ما يجول في خاطري والذي أعلم إنه لن يكون كافياً بأي حال من الاحوال!

shutterstock_165821123_687_458_80_int

الأمهات المعيلات، حكايتهن مرسومة على وجوههن حتى قبل حتى أن تنطق ألسنتهن! قسماتهن تعكس مشاعر متضاربة، هي مزيج بي الخوف والقلق والسعادة والرضا في آن واحد.  حكاية كل منهن مختلفة التفاصيل عن الأخرى، ولكن النهاية واحدة!، تبدأ الحكاية بقصة حب ملتهبة أو زواج صالونات، ثم يليها سنوات من الزواج، قصيرة أو طويلة لا يهُم، ويتخللها إنجاب الأطفال، ثم تبدأ فصول القصة المظلمة في الظهور لتُكتب نهايتها؛ إما بوفاة الأب أو الانفصال بين الزوجين، أو ربما تجد الزوجة نفسها “سنجل ماذر” بدبلة زواج في اليد اليسرى!، نعم فالأم المَعيلة ليست المطلقة أو الأرملة فقط، فهناك الكثيرات يمكن أن ينضموا إلى تلك الفئة وهن متزوجات فعلياً! ففي بعض الأسر تجد المرأة نفسها تتولى مسؤولية أسرتها منفردة بداية من رعاية الأطفال وأعمال المنزل وحتى الانفاق على المنزل! وسط غياب تام للأب وتخلي عن مسؤولياته، بل في كثير من الأحيان يصبح هو أيضا عبئاً إضافياً عليها، لتجد الزوجة نفسها بين ليلة وضحاها أما وأبا لأطفالها، وهي مازالت في ريعان شبابها رغم وجود الأب الفعلي في حياتهم!

“اُحب القصص حيث تُنقذ النساء أنفُسهن” …  الحقيقة دائماً ما أكره الضعيفات ولا اتعاطف معهن، هن بالنسبة لي كل ما أكره في الحياة، أشعر وكأن الكون يعاقبهن على تخاذلهن وسكوتهن على حقوقهن، وعلى النقيض تماماً أفتخر بهؤلاء القويات، ومنهن “هؤلاء النسوة” اللاتي قد يفعلن أي شيء ليحصلن على حقوقهن، ويقفن ضد أي شخص قد يُعيق مسار نجاحهن، أحب سماع قصصهن والتعلم منها، أشعر وكأنها تعطيني دفعة للأمام. هؤلاء القويات هن خير دليل على أن في تلك الحياة هناك دوماً من يستحق الاحترام والتقدير. قصصهن قد تبدو حزينة للوهلة الأولى ولكنك إن أمعنت النظر بها أكثر ستجدها مُلهمة، حماسية، وجديرة بالاحترام، ستتعلم منها ربما أكثر مما قد تتعلمه من بعض كتب التنمية البشرية! … الصلابة، القوة،تحمل المسؤولية. ستتعلم منهن تَحمُل نتيجة اختياراتك الخاطئة وتقبل عواقبها وحدك، وأن خسارة معركة لا تعني أبداً خسارة الحرب بأكملها، وإن سقطت لا ضير في أن تبدأ من جديد. ستتعلم أن تضرب بكلام الناس عرض الحائط، فلا أحد سيتحمل نتيجة أفعالك وقراراتك سواك. ستتعلم ألا تفقد انسانيتك مهما مررت من صعوبات وظروف قاسية. ستتعلم أن من رحم المعاناة يولد الأمل، وانه بالرغم من كافة الظروف الصعبة التي مررن بها لم ييأسن، وقررن استكمال مشوار الكفاح على أمل حصد نتاج ما قمن بزرعه من حب وعطاء وتضحية!

single mom_13

هؤلاء وضعن مصلحة أطفالهن نِصب أعينهن وقررن تَحمل نتيجة اختياراتهن الخاطئة وحدهن، دون المساس بأطفالهن، قمن بكتابة كلمة النهاية لحكاياتهن وتخليص أنفسهن وذويهم من وضع خاطئ كانوا سيدفعون جميعاً ثمنه غالياً إذا إستمر، فإصلاح الخطأ مؤخراً خير من عدم إصلاحه من الأساس!

 هن أعداء حزب “استحملي علشان العيال” بما فيه من سلبية وخنوع وأنانية وتسليم بالأمر الواقع. تلك الجملة كانت سبباً في تعذيب الكثيرات وتضييع حقوقهن وظلم أنفسهن وأطفالهن، بإجبارهم على تقبل وضع سيء ملئ بالصراعات والخلافات التي لا ذنب لهم بها! الأمهات المعيلات أدرن ظهورهن لنظرات الناس والمجتمع الذي يمنح دور البطولة لمن تقبل الذل والمهانة والظلم والحياة اللاإنسانية، ويجبرها على الاستمرار في حياة زوجية فاشلة حتى لا تًمنح لقب مطلقة، والذي مازال يعتبره البعض لقباً مُهيناً تتعرض من تُلقب به من السيدات إلى الكثير من المضايقات والاساءات. هذا المجتمع الذي لا يزال أيضا يعادي كل من تتخذ موقف قوي وحاسم، وتخرج عن سياسة القطيع، ويصفها بالأنانية، متهما إياها بانها فضلت مصلحتها على مصلحة أطفالها، رغم بعدها التام عن ذلك.

منهن من قد تعمل في وظيفة أو أكثر لتدبر لأطفالها كافة احتياجاتهم وتوفر لهم حياة كريمة هانئة، وقتهن ليس ملكهن إنما يُقسم بين العمل وبين أوقات تمرين الأطفال والمدرسة والدروس الخصوصية، وهن لا ينسين حق أطفالهن في الفُسح والتنزه في غمرة انشغالهن. أما أوقات فراغهن فلا تقضيه أياً منهن في المولات وعند مُصففي الشعر، وإنما قد يضيع في المحاكم ومكاتب المحامين لتتفاوض على نفقة أطفالها أو تدبر لهم مصاريفهم، وفي النهاية قد لا تحصل سوى على الفتات! المرأة العيلة متعددة المهام؛ فهي الأم الحنونة التي تُربت على الأكتاف، والمُدرسة الخدومة التي تساعد أطفالها وتعينهم على تحصيل دروسهم، والطبيبة التي تقضى ساعات ما قبل النوم تضمد الجراح وتخفف الألآم، والأب الصارم الذي يوجه ويرشد ويشد في بعض الآحيان! والصديقة “الجدعة” التي يلجأون إليها كلما ضاقت بهم الحياة لتمنحهم الدعم والمساندة.

Single-Motherhood-Doesnt-Seem-to-Hinder-Happiness-722x406

نفقة، ولاية تعليمية، رؤية، وغيرها من المصطلحات التي قد تبدو غريبة على مسامعك، ولكنها كل ما تدور حوله حياتهن منذ انتهاء قصتهن وحتى يومنا هذا!، يخوضن مئات الصراعات يومياً؛ تارة مع الأهل الذين ينظرون لهن باعتبارهن الجناة، الطرف الذي أفسد كُل شيء. قد يكتفي الأهل بتوجيه اللوم والعتاب لهن، سواء بالنظرات او الكلمات الجارحة، ومنهم من يتبرأ منهن فعلياً!

ومنهم من يخوضن صراعات أخرى مع أزواجهن “السابقين أو الحاليين” الذين يتنصلون من المسؤولية الكاملة سواء المادية أو حتى المعنوية، فبعض الرجال في مجتمعنا ما إن انفصلوا عن زوجاتهن انفصلوا عن ابنائهم معها، وتركوهم يواجهون المجهول وحدهم دون أدنى مشاعر الشفقة أو الرحمة!

وأيضاً هناك الصراع مع المجتمع الذي مازالت الأم المعيلة تُمثل له بعبع، والذي مازال ينسج القصص والخيالات المريضة حولهن، وهناك من يصارعن حتى مع أطفالهن الذين يحاولن تعويضهن غياب الأب، ولكن قد يفشلن أحياناً رغم كل ما يبذلنه من جهود!

وأخيراً فهن أيضا يخضن صراعات مع أنفسهن حين تحاصرهن نوبات اليأس والاكتئاب، وتأتي عليهن أوقات يفكرن في مدى جدوى كل هذا!

 هناك الكثير من الصفحات و”الجروبات” التي تدعم المرأة المعيلة، وتحاول تقديم المساعدة لهن حتى ولو معنوياً، وأبرزها Egyptian Single Mothers”” … سيدتي، إن كنتِ أُم معيلة أنصحك بالتواجد بها، فهي أشبه بمنصة افتراضية تجمع كل أصحاب القضية في مساحة واحدة، وتقدم لهن الكثير من المساعدات بدءاً من الفضفضة وتقديم الدعم النفسي وتبادل الخبرات والمشاورات وحتى الاستشارات القانونية والاجتماعية، خصوصاً مع وجود العديد من المستشارين القانونين والأخصائيين النفسيين والأسريين بها، بالإضافة إلى المساعدة على توفير وظائف لهن في بعض الآحيان تناسب مؤهلاتهن العلمية.

 أخيراً، لقد انقضى شهر مارس وانتهت احتفالاته، ولكن لم تنتهي حكاية أياً من الأمهات المعيلات. مازال في جعبتهن الكثير والكثير، ما زلن يحاربن حتى النفس الأخير ورغم معاندة الظروف لهن ومصاعب الحياة التي لا تتوقف، إلا انهن لا يعرفن اليأس والاحباط، ما زلن صامدات، قويات ومحاربات. ما زلن يمارسن هوايتهن المُفضلة في تقديم العطاء والحب والتسامح دون كلل أو ملل! دُمتم لنا فخراً ومثلاُ يُحتذي به دوماً.

31530792_2118869535025007_2375980014135934976_nسلمي محمود

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

 

 

 

أضف تعليق