لقاء مع الدكتورة سهير وسطاوي؛ المدير التنفيذي لمكتبة قطر الوطنية

السبت ١٣ أبريل ٢٠١٩            ــ تحرير وترجمة دينا المهدي

42266819_2088544787951887_6347198031187673088_n
تصوير شادي غنيم 

الدكتورة سهير وسطاوي؛ المدير التنفيذي لمكتبة قطر الوطنية، لديها خبرة غنية تفوق 40 عامًا في مجال إدارة المكتبات والجامعات؛ حيث سبق لها أن عملت في مصر، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية.

وقبيل تعيينها في هذا المنصب، تولت الدكتورة وسطاوي مهامًّا رفيعة المستوى، على غرار عميد المكتبات في معهد فلوريدا للتكنولوجيا، وعميد المكتبات الجامعية في جامعة ولاية إلينوي، كما أنها كانت أول أمين لمكتبة الإسكندرية الجديدة. وسبق للدكتورة وسطاوي أن تولت كذلك منصب عميد في معهد إلينوي للتكنولوجيا، بمدينة شيكاجو الأمريكية.

بدأت الدكتورة وسطاوي مسيرتها المهنية في مكتبة جامعة القاهرة في مصر، وذلك قبيل تدريس علوم المكتبات في أول برنامج من نوعه للسيدات بالمملكة العربية السعودية. وهي تحمل شهادة الدكتوراه في الفنون في مجال إدارة المكتبات وخدمات المعلومات من جامعة سيمونز بمدينة بوسطن الأمريكية، وماجستير في الاختصاص نفسه من الجامعة الأمريكية الكاثوليكية بالعاصمة واشنطن.

بالإضافة إلى عملها في إدارة المكتبات، فقد قدّمت الدكتورة وسطاوي خدماتها الاستشارية للعديد من المؤسسات غير الربحية، والشركات، ولجان الاعتماد، ونالت في هذا السياق العديد من الجوائز والمنح العالمية، متضمنة زمالة السلام، ومنحة فولبرايت.

42094466_539469949828272_891299881077964800_n

  1. مع خبرتكِ الدولية الغنية في مجال المكتبات ونظم المعلومات بالولايات المتحدة والشرق الأوسط، نود أن نعرف المزيد عنكِ، منذ بداية حياتك المهنية رفيعة المستوى إلى الآن؟ وكيف غادرتِ مصر وأصبحتِ مواطنة أمريكية؟

لم أخطط في البداية لدراسة علم المكتبات، واكتشفت لاحقًا أن العديد ممن امتهنوا هذه المهنة لديهم خلفيات مختلفة،ودخلوا في المجال بمحض الصدفة.

في بادئ الأمر، تخصصت في مجال علم اللغة المقارن، وحصلت  على درجة البكالوريوس في اللغات السامية (العبرية والآرامية) من جامعة القاهرة، ثم حصلت على درجة الماجستير في اللغات الإفريقية ثم درجة الدكتوراه في اللغويات المقارنة في جامعة القاهرة. قبل أن أتمكن من استكمال الدكتوراه، ولسوء الحظ، توفي الدكتور مراد كامل؛ المشرف على رسالتي. ولأن رسالة الدكتوراه تركز على 6 لغات، فكان من الصعب أن أستكمل دراساتي العليا مع أي مشرف آخر. في الوقت نفسه، كنت أشغل وظيفة مؤقتة في مكتبة الجامعة حتى أنتهي من الحصول على درجة الدكتوراه. بمجرد أن علمت أنني لن أكمل دراستي في هذا المجال، قررت أن أبقى كأمين مكتبة وأن أمارس هذه المهنة. ومع ذلك، لم أكن أرغب في الخوض في تلك المهنة دون أن أدرسها بشكل رسمي.

بعد اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1978، كانت الولايات المتحدة تقدم منحًا للسلام لعدد قليل من الطلاب الإسرائيليين والمصريين لاستكمال دراسات عليا في الولايات المتحدة. فتقدمت لتلك المنحة وجاء ذلك بمحض الصدفة وأنا أمر بجانب مبني أميديست بالقاهرة؛ حيث رأيت لافتة كبيرة تقول «منح دراسية بالولايات المتحدة». بعد ذلك، لم أكن أعلم أنه في الولايات المتحدة، على خلاف مصر، يمكنك استكمال دراسات عليا في مجال آخر غير تخصصك. مع العلم أنه كان بإمكاني اختيار أي مجال دراسي، إلا أنني قمت بتحويل مسيرتي المهنية إلى علم المكتبات والمعلومات.

بعد أن أنهيت درجة الماجستير، تم قبولي في أفضل ثاني برنامج في الولايات المتحدة بمدرسة خاصة للسيدات تدعىكلية سيمونز Simmons Collegeفي بوسطن، ماساتشوستس، وهناك أكملت دراسات الدكتوراه في عام 1987 . بعد حصولي على درجة الدكتوراه، عدت إلى مصر وبقيت لمدة ثمانية أشهر؛ حيث قابلت زوجي السابق. ثم عدت إلى الولايات المتحدة معه. بدأت مسيرتي المهنية في الولايات المتحدة كمكتبي بحوث بدوام جزئي في معهد إلينوي للتكنولوجيا في شيكاغو، ومنذ ذلك الحين أنا أمارس مهنة المكتبات.

  1. كونكِ أمًّا عاملة تسعى إلى تحقيق طموحاتها الوظيفية، ما العقبات والتحديات الرئيسية التي واجهتكِ في حياتك الشخصية وحياتك المهنية؟

منذ عام 1988، طالما كان عملي متعلقًا بإنشاء المكتبات وإدارتها. لقد تمكنت من إدارة المكتبة الرئيسية لمعهد إلينوي للتكنولوجيا(IIT) مع فروعها الخمسة لمدة 14 عامًا، قبل أن أُعيَّن رئيسًا لقطاع المكتبات بمكتبة الإسكندرية في مصر، والذي تطلَّبَ أيضًا إطلاق خدمات للجمهور وتنمية مقتنيات ومجموعات المكتبة. بعد فترة عملي في الإسكندرية، توليت منصب عميد المكتبات الجامعية في جامعة ولاية إلينوي تليها وظيفة مماثلة في معهد فلوريدا للتكنولوجيا.

أعتقد أن مهمة الأم العاملة مهمة صعبة. عادةً ما يكون التنسيق بين الأسرة والعمل أمرًا شاقًّا. يحتاج أيضًا إلى خلق توازن دقيق، خاصةً عندما تكون الأم بعيدة عن العائلة والأصدقاء. لم يكن لديَّ نظام الدعم المتوفر مع العيش في بلدك. يجب أن تكون الأم منظمة للغاية ومدركة تمامًا قيمة وقتها. وبشكل عام، فإن مسئولية أن تكون مديرًا تشكل تحديًا لأنك غالبًا لا تعمل مع ساعات عمل ثابتة. الأمر كله يتعلق بإنجاز المهمة. إذا كانت المهمة تستغرق 10 ساعات أو 15 ساعة، فأنت تدين للمؤسسة التي تعمل بها بذلك القدر من الوقت. ويتطلب خلق توازن بين الأسرة والعمل مهارات تنظيمية فائقة. لذا يجب على الأم أن تنظم أنشطة للأطفال وأن تقسم المهام مع شريكها.

42144611_1735914909868186_5437128717824425984_n

  1. هل واجهتِ أية فجوات ثقافية بين دور المرأة في المجتمع في الشرق الأوسط والولايات المتحدة؟

التمييز بين الجنسين موجود في معظم المجتمعات. لقد منحتني الولايات المتحدة فرصًا ومهارات قيادية، وكنت في الغالب أعامل على قدم المساواة وتم اختياري لتولي المناصب الإدارية على أساس الجدارة. فعندما توليت منصبي الأول كعميد، كنت في السابعة والثلاثين من عمري، وكذلك أول امرأة تتولي هذا المنصب منذ تأسيسمعهد إلينوي للتكنولوجيا في عام 1890. ونظرًا لكوني امرأة ذات لهجة أجنبية تأتي من ثقافة مختلفة – وذلك بالإضافة إلى الفروق في إتمام التعليم – كنت محل شكوك البعض. وعندما حضرت اجتماعًا مع عدد من العمداء الذكور، وقعت أفكاري المقترحة على آذان صماء. ولما كان يكرر العمداء الآخرون طرح ما اقترحته، كانت تتلقى أفكارهم الإعجاب والقبول. فاعترضت بشدة على هذا الأمر،  وكان ذلك قبل أن تصبح معالجة فجوة الأجور بين الجنسين أحد القضايا الشائعة في الولايات المتحدة، أخبرت رئيس الجامعة بأنني لست أقل ذكاءً من هؤلاء الرجال، وطالبت بأن أتقاضى أجرًا مماثلاً مع أجور نظرائي الذكور.

غير أنه يجدر لي القول بأنه في مصر تولت المرأة مناصب قيادية في المؤسسات الحكومية والوطنية، لكننا لم نر العديد من السيدات تعملن في مجال القضاء أو تشغلن بعض المهن المرموقة. أرى أنه ما زال أمامنا طريق طويل نقطعه.

  1. كونكِ مديرًا فعّالاً لديه ذخيرة كبيرة من أساليب الإدارة، هل يمكنكِ أن تخبرينا المزيد عن تلك الأساليب التي استخدمتها على مدار حياتكِ المهنية مع موظفيكِ في جميع أنحاء العالم؟ وكيف قمتِ بتطويرها؟

لا يوجد أسلوبإدارة واحد يناسب الجميع. فالإدارة تعتمد على المواقف وكذلك على أن تحافظ على قيم معينة؛ مثل المساواة والإنصاف والموضوعية والاحترافية. ينبغي أن تحترم هذه القيم الأساسية، لكن في نفس الوقت تظل مرنًا في كيفية تنفيذها. وبشكل عام، فإن أساليب الإدارة ليست وصفات سحرية، ولكنها ببساطة أدوات يمكن استخدامها في الأوقات المناسبة. بعض المواقف تتطلب أن يشرف القيادي على العمل عن قرب؛ والبعض الآخر يتطلب الإشراف عن بعد.

لذا أرى أن المدير لا ينبغي أن يصدر الأوامر فقط. فكونك شخصًا قياديًّا يعني الدراية بأن الاستراتيجية تضاهي التنفيذ وأن جميع الأفكار والرؤى العظيمة في العالم لا قيمة لها إذا لم يكن بالإمكان تنفيذها بطريقة فعّالة وفي الوقت المناسب. كقائد، يمكنك تفويض الآخرين وتمكينهم، ولكنك أيضًا ينبغي أن تولي اهتمامًا بالتفاصيل، كل يوم، ولا تستثني التفاصيل التشغيلية أبدًا. في إطار المهن الخدمية مثل أمانة المكتبات، يعد التمسك بالمبادئ الأخلاقية الخاصة بالمهنة من المساواة والديمقراطية أمرًا جوهريًّا. على المستوى الشخصي، يجب أن يكون لديه قدرة عالية على امداد الآخرين بالطاقة، كما ينبغي أن يكون على قدر من الثقة والتواضع، فهو المحرك لإنجاز الأعمال.

  1. كأم عاملة، كيف قمتِ بتربية ابنك؟ هل فهم دوركِ في الساحة الثقافية؟ وكيف أثَّر ذلك في نظرته للحياة؟

39235537_290939315048720_4304295767398416384_nفي السنة التي ولد فيها ابني، تمّت ترقيتي لمنصب عميد للمرة الأولى. وهذا يعني أن ابني كان دائمًا يراني طوال حياته في أدوار قيادية. وكان دائمًا فخورًا جدًّا بما أنجزته. اعتاد أن يتباهى بي عندما كان صغيرًا، طالما كان يقول لأصدقائه إنني رئيس الجامعة.

ولأن كريم كان يراني دائمًا في مناصب قيادية، فقد كان ذلك له تأثير إيجابي وغير إيجابي على حدٍّ سواء. فنظرًا لفخر ابني بي، كان يتعين عليه القيام بكل شيء على أحسن وجه سعيًا لإرضائي.

وكوني مهاجرة في الولايات المتحدة، دائمًا ما يتم الحكم عليَّ. لذلك لم أكن أريد أن يكتسب ابني هذه الصفة: الحكم المسبق على الناس أو المواقف. حاولت أن أغرس فيه التعاطف والإحساس بمشاعر الآخرين، وعلمته أن يعامل الناس على قدم المساواة وباحترام. نشأ كريم في أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو وقت عصيب للغاية لجميع العرب. تعرض ابني للتنمر من قبل أطفال في المدرسة لاعتقادهم آنذاك أن كل العرب كانوا إرهابيين. وهذا أمر كان يدفع إلى إقصاء أي طفل لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولم يكن يملك القدرة على الاستيعاب ولا الكلمات للرد عليهم بأن هذا لم يكن خطأنا أو أن هؤلاء الإرهابيين كانوا أشخاصًا مختلفين.

كانت الظروف المحيطة شديدة الصعوبة، وكان على الأطفال العرب، مثل ابني، أن يناضلوا في خضم كل ذلك بسبب التنابز بالألقاب. أذكر عندما قال له بعض الأطفال أن يعود إلى وطنه، وكان رد كريم عليهم أن هذا هو وطنه. حاولت أن أساعده على استيعاب هؤلاء الأطفال الذين بالكاد يعرفون شيئًا، حاولت أن أغرس فيه التعاطف والإحساس بمشاعر الآخرين خلال تلك الفترة التي انتشر فيها الجهل. كما علمته ألا يتخذ موقفًا دفاعيًّا ويساعد في تثقيف الآخرين. تلك كانت بعض القيم التي حاولت غرسها في ابني. أنا فخورة بأن أقول إنه يتحلى بقيم رائعة؛ كالتعاطف، والتسامح، والانفتاح، فهو لديه أصدقاء من مختلف الثقافات والأديان.

42085500_714497398931278_6339849264834805760_n

  1. بالتمعن فيأسلوب تربية والديكِ، ما الأيديولوجيات التي ترغبين في غرسها في الفتيات المصريات ليصبحن قادة المستقبل في المجتمع؟

على الرغم من أن والدي ولد عام 1917، فإنه كان رجلًا ليبراليًّا في طريقة تفكيره. فقد دعمني على طول الطريق، وكنت أول بنت في العائلة تدرس في الخارج. لم يكن ذلك شائعًا في ذلك الحين. أعتقد أنه وفقًا لرجل مثله من زمن مختلف، فالأمر كله كان يتعلق بالثقة التي حاول أن يوطدها بينه وبين أبنائه الخمسة. كان يريدنا دائمًا أن نؤمن بما نفعله. تحلى والدي بالقيم والأخلاقيات المهنية وكان رجلًا وطنيًّا حقيقيًّا. لقد أرادنا أن ننجح ليس فقط لصالحنا ولكن لأنه أيضًا واجبنا نحو بلدنا.

كنا أربع فتيات وولد واحد، وحثنا والدنا على اختيار ما نريد القيام به في حياتنا. اثنتان من أخواتي أصبحتا طبيبتين، وأخت أصبحت صيدلية، وأخي مهندس. كانت نصيحته لنا أن نكون الأفضل دائمًا في أي شيء نختاره.

كان والداي معلمَين يؤمنان بتعليم الفتيات واستقلالهن. كانا مثل أي أبوَين جيدَين يعطيان أبناءهما الأجنحة للطيران ويدفعانهما للتحليق. ولهذا كل واحد منا أصبح يعيش الحياة التي يريدها دون أن تعرقله أي قيود. تلك هي القيم التي أتمنى أن يغرسها جميع الآباء في مصرفي فتياتهم. إذا لم يكتسبوها في سن مبكرة، فسيصبح اكتسابها أكثر صعوبة فيما بعد.

  1. بعد أن أسهمتِ في تعزيز صورة ممتازة لأحد النماذج البارزة والملهمة لنساء مصريات وصانعات التغيير، ما النصائح التي ترغبين في نقلها إلى سيدات مصر في جميع أنحاء العالم؟

42158382_315793329247891_5722017149858349056_nأود أن تؤمن المرأة المصرية بما تفعله، وأن يكون لها هدف في الحياة ، وأن تحاول أن تُحدِث فرقًا. لا يهم إذا كانت تعمل في مجال البستنة، أو التدريس، أو عاملة في المصنع، أو طبيبة، أو مهندسة. عليها أن تحاول أن تترك أثرًا. من وجهة نظري، مهمة الأم ربة المنزل في حد ذاتها مهمة شاقة. فتربية قادة المستقبل والمواطنين الصالحين لا يتحملها أصحاب القلوب الضعيفة. ويمكن للنساء، اللواتي لديهن القدرة على العطاء، التطوع في أية مؤسسة كي يشعرن بتحقيق الذات والإنجاز لكونهن قادرات على تقديم شيء لمجتمعاتهن – إما من وقتهن أو طاقتهن.

سينعكس ذلك على اعتزاز المرأة وثقتها بنفسهاعندما تسهم في مساعدة الآخرين. الأمر لا يتعلق بجني المال أو تولي مناصب عالية؛ بل يتعلق بالأثر الذي تود أن يظل في الأذهان. بغض النظر عن المهنة التي تشغلها، المهم هو أن تسأل المرأة المصرية نفسها هذه الأسئلة: كيف يمكنني أن أُحدِث فرقًا أثناء فترة بقائي على الأرض؟ إذا وجدت إجابة عن هذا السؤال، فإنها ستتمكن من العثور على طريق لتسلكه.

  1. ما خططكِ المستقبلية على المستويين المهني والشخصي؟

على المستوى الشخصي، أتطلع إلى التقاعد. أريد ممارسة الهوايات التي لم يكن لديَّ وقت لممارستها عندما كنت أصغر سنًّا. أحب الكتابة، بدأت بكتابة مجموعة من القصص القصيرة منذ أكثر من 25 عامًا والآن أود أن أنهيها. كما أود أن أتلقى دروسًا في التصوير الفوتوغرافي، والبستنة، والكتابة الإبداعية،ورقص البولروم. كما أخطط للتطوع مع منظمة «أطباء بلا حدود» وغيرها من المنظمات الإنسانية التي تهدف إلى تخفيف المعاناة الإنسانية.

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق