قصص إنسانية من داخل جمعية رعاية أطفال السجينات

الأربعاء ١٧ أبريل ٢٠١٩                      ــ كتبت: رضوي حسني

18954964_1388162477940697_3834502323294521850_o
الكاتبة الصحفية نوال مصطفي مؤسسة ورئيسة جمعية رعاية أطفال السجينات 

جمعية رعاية أطفال السجينات هي إحدى أهم المؤسسات المجتمعية المصرية؛ أسستها الكاتبة الصحفية نوال مصطفى في عام ١٩٩٠ بهدف دمج السجينات السابقات وأطفالهن داخل المجتمع عن طريق تمكينهم اقتصاديا وتأهيليهم نفسياً، كما تسعى الجمعية أيضا لإصلاح قانوني يحمي الفقيرات من خطر السجن وخلق حياة أفضل لهن. وبالرغم من اسمها، الا ان الجمعية تهتم أيضا بشؤون السجينات عامة وحتى من هن بدون أولاد، وكذلك تقدم الرعاية لزوجات المساجين وأولادهم. بالإضافة الي ذلك.

وتقيم الجمعية الاحتفالات في المناسبات المختلفة والتي تشارك فيها السجينات السابقات وأطفالهن وكل من تتلقين خدمات الجمعية ممن هن مقيدة أسماؤهن بها، والذين تجاوز عددهن التسعين سيدة.  وبالإضافة الي الاحتفالات برمضان والأعياد، تحرص الجمعية بالأخص على إقامة احتفال سنوي بعيد الأم، لما له معني خاص ليس فقط للسيدات وأبناءهم، ولكن أيضا للجمعية، حيث أنها أُسست أولا لخدمة الأمهات السجينات.

33030561_1718582694898672_8161232517249105920_n

وتحرص الكاتبة نوال مصطفي، مؤسسة الجمعية ورئيس مجلس ادارتها، على حضور هذه الاحتفالات، والتي تقام في مقر الجمعية، حيث تلتقي بالأمهات والأطفال، الذين يطلقون عليها ماما نوال، والتي تحاول من خلال هذه الاحتفالات نشر جو من المرح للتخفيف عن الامهات وتشجيعهن على الاندماج في المجتمع ومحو ذكري تجربتهم المريرة وراء القضبان. وفي كلمتها التي القتها علي الحضور من السيدات والامهات والأطفال، خلال إحتفال عيد الأم الأخير، أعربت عن سعادتها بمشاركتها في الاحتفال معهم قائلة، “ليس الأهم هو زوال الكرب و لكن أيضاً تعليم الفرحة.” كما طلبت من الأمهات الحاضرات بالتقدم بمطالبهن ومقترحاتهن، وذلك عن طريق وضعها بصندوق المقترحات، لمساعدة الجمعية في التخطيط الي وتحديد مشروعاتها القادمة، وما يمكنها أن تقدمه لهن من سبل جديدة لكسب العيش لتحسين دخولهن وجودة حياتهن. وفي ختام الاحتفال قامت السيدة نوال مصطفي بتكريم الأمهات وتوزيع الهدايا عليهن.

32239737_1707440079346267_1142195218922078208_o

وكان لنا لقاء مع بعض الامهات المستفيدات من خدمات الجمعية ممن حضرن الاحتفال، واللاتي استمعنا الي قصصهن من بداية تعرفهن علي الجمعية وحتي إعادة دمجهن ومشاركتهن في المجتمع. 

«عزيزة» كانت زوجة لأحد المساجين وأم لأربعة أطفال، تحملت مسؤولية تربيتهم وحدها بلا أي مصدر رزق بعد دخول زوجها السجن وحتى تم الافراج عنه. وساندتها الجمعية أثناء فترة سجن زوجها، حيث قامت بتعليمها حرفة الخياطة وتدريبها على استخدام ماكينة الخياطة والعمل في ورشتها. وعزيزة تنتظر امتلاك ماكينتها الخاصة التي ستوفرها لها الجمعية، ولا تزال تلعب الجمعية دورا هاما في حياتها اليومية هي واسرتها حتى بعد خروج زوجها من السجن، حيث تمدهم بما يلزمهم من الاحتياجات الأساسية، وتعينهم على العيش بكرامة دون احتياجهم لأحد.

35987334_1761816430575298_8419708502435430400_nأما «آمال»، فقد أنقذتها جمعية رعاية أطفال السجينات قبل أن تصبح احدى الغارمات داخل السجون المصرية. آمال هي إحدى ضحايا تقاليد المجتمع الخاصة بأمور الزواج وتجهيز الفتيات، حيث قامت بتجهيز ابنتها للزواج بما ليس لها طاقة به، واستدانت مبالغ طائلة لتوفر هذه اللوازم، على أن تسد تكاليف الشراء على عدد من الأقساط، وهذا ما لم تستطع القيام به، فتقدم البائع بأوراق الشراء إلى المحكمة، والتي بدورها حكمت عليها بالسجن لمدة ستة أشهر بالإضافة الي دفع غرامة مالية قدرها ألف جنيه. لسداد ديونها، اضطرت آمال لبيع كل ما اشترته، غير ان المبلغ لم يكن كافيا، لذا لجأت إلى الجمعية التي بدورها قدمت لها يد المساعدة، وسددت عنها ديونها. والجمعية إلى الآن متكفلة بها وبأسرتها التي تعاني من حالة بؤس شديدة؛ فزوجها كان لا يملك عملاً ثابتاً قبل أن يصيبه المرض الذي اقعده عن العمل تماما، وولديها الاثنان تعرضا لحادث، وابنتيها في حالة بحث دائم عن عمل حتى تعينا أمهما على صعاب الحياة.

زوج «سعاد» لازال يقضي فترة عقوبة في السجن، تاركا لها ثلاثة أولاد لترعاهم وتتكفل بهم بالرغم من انها ليس لديها أي مصدر للرزق. وتعرفت على الجمعية عن طريق والدة زوجها التي كانت تستفيد من خدمات الجمعية منذ فترة طويلة. وعن دور الجمعية في حياة أسرتها تقول سعاد، “توفر لنا الجمعية الكثير من احتياجاتنا في الحياة، وبتساعدني بشكل مستمر على توفير المتطلبات اللازمة من أجل تعليم أطفالي في مراحلهم التعليمية المختلفة.” 

أما «منال» فقد تعرفت على الجمعية أثناء قضائها عقوبتها بالسجن نتيجة لاتجارها المخدِّرات، وبينما كانت تقضي عقوبتها، وتعمل في الوقت ذاته أمينة لمكتبة السجن، توطدت صلتها بالعاملين بجمعية رعاية أطفال السجينات. ورغم أنها لم يكن لديها أطفال داخل السجن، إلا أن الجمعية تكفلت بتوفير حاجياتها ومتطلباتها داخل السجن. وبعد خروجها من السجن عام ٢٠٠٤، استمرت علاقتها الوثيقة بالجمعية حتى يومنا هذا، لتصبح من أُوَل الحاضرات في أي مناسبة أو احتفالية تقوم بها جمعية رعاية أطفال السجينات.

500d5e52-b1f8-4466-8869-8e98c0a9e2bf

معرفة «نعمات» بالجمعية بدأت منذ ستة أعوام، عندما كان زوجها يقضي فترة عقوبة داخل السجن، أما شقيقتها، فقد بدأت التواصل مع الجمعية منذ خمس سنوات عندما سُجن أشقائهما الاثنين، وتقول منال، “قامت الجمعية بتوفير عمل لأختي داخل ورشة الجمعية، حتى تعيل أمي وتلبي احتياجات أخواتي في السجن.” كما تقدم الجمعية أيضا للسيدات فرص للتدريب على الحرف اليدوية المختلفة، والدورات التعليمية والتثقيفية من حين لآخر، وكذلك توفر الرحلات الترفيهية لأبنائهن.

وأطفال السجينات علي وعي ودراية تامة بالظروف التي مرت بها أمهاتهم، وعن دور الجمعية المؤثر في حياتهم وتقديمها يد العون لهم، ومساعدة عائلاتهم التي لا تمتلك مصدرا ثابت للرزق على تحمل صعاب الحياة. وهذه الاحتفالات التي يحضرونها ليست فقط مناسبات للخروج والتنزه، ولكنهم يلتقون خلالها بأطفال مروا بنفس تجربتهم، مما يشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم الذين عانوا من هذه التجربة الصعبة. وبالرغم من تفاوت أعمارهم فان أغلب قصصهم وأمنياتهم المستقبلية متشابهة، منهم من هو في مراحل التعليم المختلفة، ومنهم من انقطع عن التعليم لظروف اسرته المادية والاجتماعية.

2016-636175106735775308-577_608x403.jpgمحمد والبالغ من العمر عشر سنوات فهو يأمل في أن يصبح ضابط بالرغم من انه منقطع عن التعليم، ولكنه يرغب في العودة الي المدرسة ليحقق حلمه.

حكت لنا مي والبالغة اثنتا عشر عاما عن مساعدة الجمعية في تسديد ديون والدتها، ودفع إيجار منزلهم وإنقاذ عائلتها من الطرد من قبل مالك البيت الذي تستأجره والدتها. وهي تتمني ان تصبح طبيبة.

ليلي والبالغة من العمر عشر سنوات تعيش مع والدتها وجدتها لأمها لأن والدها “في رحلة سفر بعيدة ولا يعلم أحد عنه شيء، “كما أخبرتنا جدتها. عبرت ليلى عن سعادتها لوجودها مع صديقاتها وأصدقائها الذين تعرفت عليهم من خلال المناسبات المختلفة التي تقيمها الجمعية. مي ترغب في أن تصبح مهندسة.   

هذه الحكايات الانسانية تحمل لنا الكثير من العبر والمعاني وتبرز لنا الدور المؤثر الذي تلعبه جمعية رعاية أطفال السجينات لتحسين ظروف المهمشات في المجتمع، وإعادة هيكلة أوضاعهن من أجل نيل حقهن في حياة كريمة ومنحهن وأولادهن فرصة جديدة للعيش بكرامة.

23666605_978100439008106_116312332_n

رضوى حسني خريجة كلية العلوم قسم الكيمياء و باحثة مبتدئة في مجال الكيمياء الحيوية و الهندسة الوراثية.  تهتم رضوي بكتابة المقالات الاجتماعية التي تتناول قضايا المرأة المصرية و العربية و تدعم حقوقها، كذلك تهوي كتابة القصص الروائية.

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق