الاثنين ١٣ مايو ٢٠١٩ كتبت ــ اليكساندرا كينياس
فاز الفيلم المصري القصير «جبل بنات» من تأليف وإخراج شيرين عاطف، بجائزة “الرؤية السينمائية” في مهرجان تريبيكا السينمائي لعام ٢٠١٩ في نيويورك. الفيلم يحكي قصة شقيقتين من البدو تتحديان العادات والتقاليد القبلية لمجتمعهم البدوي الذي يهيمن عليه الذكور. أثارت قصة الفتاتين اهتمام المخرجة بعد أن رواها لها أحد البدو الذي كان يعمل دليل لها في رحلة «هايكينج» قامت بها شيرين، قبل عدة سنوات من تصوير الفيلم، في مسارات هذا الجبل. ووفقا للأسطورة كما رواها لها الدليل، فإنه في عام ١٨١٦، هربت شقيقتان من قبيلتهم لرفضهم الزواج القسري الذي فرضته عليهم تقاليدهم. فروا الي الجبل، وجدلوا شعرهم في ضفيرة واحدة لربط مصيرهم معا، وقفزوا من فوقه ليلقوا بحتفهم سويا؛ “لأن الموت كان أفضل لهم من هذا الزواج القسري.” وبالرغم من أن الموت كان مصيرهن، الا ان قصتهن عاشت وتوارثتها الأجيال، لتغير مستقبل النساء البدويات إلى الأبد. وقالت شيرين في مقابلة مع «سيدات مصر»، “كان انتحار الفتيات سببا في جعل رجال هذا المجتمع البدوي يفكرون مرتين قبل إجبار نسائهم على زواج لا يرغبن فيه.”
نظرًا لأن الحقيقة أغرب وغالبًا ما تكون أفضل من الخيال، فليس من قبيل الصدفة أن تستند أفضل الأفلام السينمائية إلى أحداث حقيقية. لذا عاشت قصة الفتاتين مع شرين طوال سنوات دراستها في معهد كاليفورنيا للفنون، حيث درست الإخراج السينمائي. وعندما حان الوقت لها للعمل في مشروع تخرجها، وجدت شيرين انه من الهام أن تخرج هذه القصة الي النور، وقالت موضحة،”القصة خالدة ومرتبطة حتى اليوم بأحداث عصرية، فلازالت النساء تُجبر حتى اليوم على الزواج ضد إرادتهن في العديد من المجتمعات حول العالم. كذلك أثار اهتمامي جدا انه في ذلك الزمان والمكان، كان هناك شابات جريئات بدرجة كافية للهروب من أجل حريتهن رغم مخاوفهن. الخوف من المجهول أو أن يعثر عليهم أهلهم. أحببت أيضا الفترة التي جرت فيها الاحداث والمكان. لا يعرف الكثير من المصريين عن الثقافة البدوية المصرية. وقد أعطاني الفيلم الفرصة للعمل في هذا المكان الخلاب. أحببت زيارة ومساعدة المجتمع البدوي الذي عانى من قلة السياحة ووسائل كسب العيش.”
لإخراج الفيلم الي النور، واجهت شيرين الكثير من التحديات. أولا كان عليها أن تطور قصة مضمونها جملتين الي قصة فيلم مدته ١٥ دقيقة، “أردت أن أعرف السبب في أنهم أنهوا حياتهم. لماذا كانوا خائفين من الزواج؟ ولذلك، أدخلت في القصة بعض الممارسات التقليدية للزواج في المجتمع البدوي. مشهد افتتاح الفيلم مثلا، كان لفتاة عائدة إلى سكنها في احد الايام بعد ان انتهت من رعي الماعز، فتقوم نساء القبيلة بسترتها بخمار طويل و اجبارها علي الذهاب الي خيمة لتنتظر زوجها الذي لم تراه من قبل، والذي سيأتي اليها في الخيمة بعد انتهاء مراسم الزفاف، لإتمام الزواج منها”.
وصلت شيرين إلى القاهرة من الولايات المتحدة في منتصف مايو ٢٠١٦، ومعها سيناريو الفيلم فقط، وصرحت في مقابلة مع موقع جيكس ميديا، “كان لدي فقط فترة الصيف للبحث عن تمويل للفيلم، والعثور على الممثلين وطاقم العمل، والانتهاء من تصوير الفيلم قبل نهاية سبتمبر، والعودة الي أمريكا لتقديم الفيلم في معهد كاليفورنيا للفنون، لانه كان مشروع تخرجي وحصولي علي درجة الماجستير في الاخراج”.
صممت شيرين علي تصوير الفيلم في الموقع الفعلي الذي جرت به الأحداث. وأمضت أسابيع في سيناء لاستكشاف الجبال بمساعدة البدو، الذين تمكنت من بناء علاقات قوية معهم. “انه ليس من السهل بناء الثقة معهم، وأنا أشعر بالفخر لأنهم منحوني ثقتهم، واستضافوني في منازلهم وعرفوني على عالمهم. لقد أطلعوني على كل ما لديهم ولم يبخلوا بأي معلومات لمساعدتي في الوصل الي النتيجة التي تخيلتها في ذهني. الأزياء والأدوات والحلي وكل ما استخدمته في تصوير الفيلم كانت كلها ممتلكات حقيقية، يحتفظون بها منذ القرن الماضي، وكانوا متحمسين جدا لأني سأصور فيلم عن حياتهم وتراثهم، وهو الشيء الذي لم يهتم به او يتطرق اليه أحد من قبل.”
لعبت الممثلة سارة سمية عابد وجالا هشام أدوار الشقيقتين، وكان اختيارهم لهذه الأدوار صعبا أيضا، بحثت شيرين عن شابتين ملاحهما متشابهة، وفي نفس الوقت ملامحهم بدوية، ويمكنهم تعلم اللهجة البدوية بسرعة، والعيش في خيام في الصحراء لمدة تزيد عن ١٠ أيام ولا يتقاضون راتبا عن أدوارهم.” وبالإضافة الي الممثلتين، لم يتلق أحد من العاملين في الفيلم من ممثلين او طاقم العمل أي رواتب لضيق الميزانية، مما يسر في تكاليف الإنتاج
تم تصوير المشاهد على ارتفاعات فاقت ٢٠٠٠ متر، واعتمدت شيرين على الضوء الطبيعي اثناء التصوير، “لأنه كان من المستحيل تسلق هذه المرتفعات ونحن نحمل كاميرات الإضاءة، بالإضافة إلى ذلك، لم يكن لدينا ميزانية لتأجيرها، أو الوقت الكافي لذلك”. كان لدي طاقم العمل فقط مولد كهربائي لشحن الكاميرات. عاش طاقم الفيلم لمدة عشرة أيام في خيام في الجبال بدون شبكة اتصالات او هواتف أو إنترنت. “كان الجو حارا جدا خلال النهار وبارد جدا في الليل. كانت أصعب تجربة مررت بها في حياتي الإبداعية حتى الآن. ولذا كان الفوز في ترايبكا علامة فارقة في مسيرتي المهنية،وهي جاءت كثمار لكل هذا العمل الشاق”.
شارك «جبل بنات» في العديد من المهرجانات. في عام ٢٠١٨، تم عرضه في مهرجان الأقصر الأفريقي السينمائي؛ ومهرجان شنيت للأفلام القصيرة بالقاهرة حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة؛ ومهرجان البحر المتوسط للفيلم القصير بطنجة، بالمغرب؛ وركن الأفلام القصيرة في مهرجان كان السينمائي فرنسا. في عام ٢٠١٩، تم عرضه في مهرجان أفريكا السينمائي ببلجيكا؛ ومهرجان تريبيكا السينمائي في نيويورك حيث فاز بجائزة الرؤية السينمائية.
تخرجت شرين عاطف من معهد كاليفورنيا للفنون عام ٢٠١٧، وحصلت على درجة الماجستير في الاخراج السينمائي. تقييم شيرين في القاهرة وهي بصدد الانتقال الي نيويورك في شهر سبتمبر. تعمل حاليًا على كتابة وتطوير أول فيلم روائي طويل، والذي يستكشف حياة شابة تعاني من أزمة الهوية لأنها ولدت لأم أمريكية وأب مصري. تتنقل بين القاهرة ونيويورك في محاولة للعثور على المكان الذي تنتمي إليه.
زوروا صفحة «جبل بنات» علي فيس بوك هنا
لمشاهدة تريللر الفيلم هنا
إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **