لامؤاخذة… فيمنست! لماذا يتم تشويه صورة «النسويات» في المجتمع؟

الخميس ١٦ مايو ٢٠١٩                    كتبت ــ سلمي محمود

cropped-women-of-all-colors

عاهرة، مستَرجلة، عدوة الرجال وكارهة لكل ما هو مُذكر، مُنحلة، مُنحرفة، ناقمة على المُجتمع وساخطة على عاداته وتقاليده، مُلحدة، مريضة نفسياً.. وما خفي كان أعظم!، حتماً تتسأل ما الذي قد يجمع كُل تلك الصفات المُتناقضة معاً والتي لا رابط بينها سوى كونها مُجرد صفات كريهة يبغَضها الجميع ويكرهون حامليها، بالتأكيد أيضاً تُفكر في هوية الشخص الذي يجمع كل تلك المُتناقضات في آن واحد، فإن كان حمل مُجرد صفة واحدةمن تلك الصفات يجعل الشخص كريهاً وبغيضاً بما يكفي ليبتعد عنه الجميع، فما بالك بالذي يجمع كُل هذا معاً؟ أو يظن البعض إنه يفعل!

حتى لا أُطيل عليك ولا أجعلك تُفكر كثيراً وتحُك رأسك بحثاً عن إجابة تُرضيك وتُشبع فضولك، دعني أُفصح لك عن هوية “هذا الشخص الكريه” مُحور حديثي اليوم والذي يتم وصمه من قِبل البعض بكُل تلك المُتناقضات والحكم عليه بالإعدام أخلاقياً والرجم مُجتمعياً دون منحه أي فُرصة للتبرير أو التفسير أو حتى الدفاع أملاً في تجريد نفسه من تلك السُمعة السيئة ووصمة العار التي تُطارده أينما كان!

فيمنست أو “نسوية” كما يُطلق عليها باللغة العربية، تلك الكلمة التي كانت يوماً رمزاً لكُل القيم السامية كالمساواة والعدل وإعطاء كُل ذي حق حَقُه وغيرها، أصبحت اليوم مرادفاً للانحلال الأخلاقي والديني بل وبمثابة بوابة العبور لكل ما هو كريه وبغيض!، وصارت المرأة التي تُلقب بالنسوية في مجتمعنا هذا، مُقيدة بتحمل عبء تلك المفاهيم المغلوطة مع تعرض دائم للسخرية والنقد!

350
فيريلي باييث/ الدومنيكان 

فإن كُنتي تحملين لقب “فيمنست” في مصر أو تميلين إلى أياً من توجهاتهن ومعتقداتهن من قريب أو من بعيد، فاستعدي دوماً للمعارك والحروب المستمرة التي قد تضطرين إلى خوضها في كُل مرة تُعلنين فيها عن ميولك أو تعرضين أفكارك التي لا تتوافق مع عقول ومعتقدات البعض البالية. لا يهم أين تَعرضين تلك الأفكار أو حتى لمن فحتماً ستُصيبك سهامهم دون أي شفقة أو رحمة. أنتي دوماً مُخطئة حتى وإن لم ترتكبي أيً أخطاء، مُذنبة بلا أي تهمة أو ذنب، دائماً في موضع اتهام، مُضطرة للتبرير وتقديم فروض الطاعة والولاء لأجل إثبات حسن السير والسلوك! تُحاصرك نظرات الشك والريبة وقتما تتحدثين، وتنهال عليكي آلاف الأسئلة التي تحمل الكثير من المعاني الخفية التي لن تُعجبك إن دققتي بها بالتأكيد، حتماً ستشوبك شائبة حتي وإن كُنتي أبعد بكثير من الصُورة النمطية التي رسموها لكي في خيالهم، سوف يُسخف ويسخر ويقلل الجميع من أفكارك، بل وقد يراها البعض أفكاراً شيطانية، شاذة، ومنحرفة يجب التخلص منها، أو حتى اللجوء للعنف من أجل منعك عن التفكير بها!

هل تذكُرين ذلك الصديق الذي سخر واستهزء من أفكارك، بل ومنك شخصياً عندما قرأ منشوراتك التي تدعم النسوية على صفحات التواصل الاجتماعي!، أو زميل العمل الذي هاجم بشدة أراءك خلال المُناقشة التي دارت بينكم حول أحدي القضايا النسوية الشائكة، ليفشل في مجاراتك وبدلاً من إكمال المُناقشة وتبادل الأراء يهاجمك ويشكك في تدينك، بل ويوجه النصيحة لكِ بمراجعة طريقة تفكيرك وعلاقتك بدينك وبربك! هل تتذكرين  قريبك هذا الذي نصحك بالابتعاد عن هذا الطريق “اللي اخرته وحشة” حتى لا يكون مصيرك “العنوسة وبُعد الرجال عنك”، أو هذا الذي لا صلة بينك وبينه سوى إنه قرأ تعليقك على أحد المنشورات النسوية ليقرر توجيه الشتائم والسباب لكي عبر الرسائل الخاصة دون أن تعرفي سبب ذلك وما الذي اخطائتي فيه ليتم عقابك بتلك الصورة المُبتذلة والمهينة!، أو ربما هذا الذي بدلاً من توجيه الشتائم والسباب قرر اهانتك بطريقة أخرى عن طريق إرسال صور إباحية خارجة، وهذا الذي حاول استدراجك في الحديث أملاً في جَرك إلى طريق مشبوه لا آخر له لاعتقاده بأن هذا هو العادي “دي فيمنست يا عم حترفض ليه؟”

BJM8hSuCAAEN59y

كُلنا تعرضنا إلى مواقف عصيبة ربما مرة على الأقل خلال حياتنا بسبب “نسويتنا” من أطراف مُختلفة وفي مواقف مُتعددة، كُلنا اضطررنا كثيراً إلى إخفاء ميولنا وأفكارنا حتى لا يتم نعتنا بأسواء الصفات وسبنا بأسوأ الشتائم، كُلنا أثرنا الصمت والسكوت في كثير من المُناقشات والقضايا أملاً في الابتعاد عن مُجادلة وعراك نعلم جيداً إننا لن نخرُج منه منتصرين في أي حال من الأحوال، كُلنا دخلنا في معارك لا تُمثلنا ولا تخصنا كثيراً عندما قررنا إبداء أرانا والدفاع عن أفكارنا دون حسبان الخسائر!

الحقيقة رغم التطور الذي شهدته الحركة النسوية مؤخراً والجهود المبذولة لأجل زيادة الوعي وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وترسيخ الصورة الذهنية الصحيحة عن النسوية، وتأكيد المطالب والأهداف التي تدعمها الحركة بعيداً عن الأفكار المغلوطة المُنتشرة – والتي أثرت بالسلب على كل من ينتمي لها وساعدت على إرجاعنا مئة خطوة إلى الوراء بعد أن قطعنا شوطاً لابأس به – مازالت كلمة “فيمنست” تمثل لدى البعض صورة الانحلال الأخلاقي والمجتمعي والديني، ومازالت تلك الصورة النمطية الخاطئة التي تم زرعها في عقولهم تطاردنا أينما كُنا حتى وإن كُنا بعيدين كُل البعد عنها!

feminismفكُل من تحمل اللقب هي بالنسبة لهم إما فتاة مسترجلة تجاوزت الثلاثين من عمرها، ذات شعر قصيرة، و ترتدي نظارة طبية وملابس ذكورية مهترئة، وعلى وجهها شيء من الصرامة والغموض في آن واحد، تتحدث بصوت ذكوري خَشن عالي. هذه الفتاة “في وجهة نظرهم” هي مُعقدة،  قد تكون مرت بعلاقات فاشلة عديدة قادتها إلى كُره جميع الرجال على وجه الأرض أو لم تحظى بعلاقة واحدة سوية في حياتها مما جعلها حاقدة وكارهة لكُل ما هو مذكر، بل وتتمنى لو تمت ابادتهم جميعاً والتخلص من وجودهم! أو يرسمون صورة الفيمينست في مخيلتهم بأنها هي تلك المُتحررة التي تفعل ما تُريد دون رقيب أو حسيب، تدافع عن كُل ما هو شاذ ومنحرف ومعادي للعادات والتقاليد والدين وتهاجم بضراوة كُل ما هو عكس ذلك، هي بالنسبة لهم في الأغلب مُلحدة لا تعترف بأي دين،  لأنهم يعتقدون ان الأديان بالنسبة لها الأديان عبارة عن أغلال وقيود لا هدف لها سوى تُقييدها وحرمانها من كافة حقوقها! هم يعتقدون ان الفيمينست هي من تُدعم حديثها دوماً بالشتائم والكلام الخارج، باختصار هي  مُجرد عاهرة “في وجهة نظرهم” لا تدافع سوى عن العري والإباحة وما شابه من تلك الموضوعات.

الحقيقة يكفي أن نتأمل الهراء السائد لنُدرك المُشكلة الحقيقة التي تواجهنا وأي ضغينة تسكن البعض تجاهانا وتجاه الفكرة من الأساس، ومع تصاعد الكم المخيف من الكُرة والنقد والسخرية التي تُطاردنا حيث كُنا، يأتي السؤال الأهم عن كيف أصبحت ظاهرة النسويّة إشكالية في المجتمعات العربية بل وعبارة عن كلمة عبثية لا تعبر سوى عن الانحلال والفوضى الغير مُبررة؟ قد يجيب أحدهم عن السؤال أن الحركة النسوية غير مسئولة عن أي شخص يجهل عن ماذا تدافع وبما تطالب، وإننا يجب ألا نكترث بما يقولون ونتركهم يظنون ما يريدون ونستمر نحن كلاً في طريقة دون الاهتمام بأرائهم، ولكنى أُدرك تماماً أن بداية حل أي مُشكلة هي الوقوف على أسبابها وإيجاد حلول لها، مثلي مثل الجميع فكرت أن سبب المُشكلة الأساسي يكمن في الثقافة الذكورية التي تتعمد التقليل والتحقير من أي حركة مضادة لتوجهات تلك الثقافة وأراءها. نعم البعض لا يرغب أن يرى أي تقدُم تحرزه المرأة في أي مجال، كل ما يرغبونه هو أن نبقى مُجرد نُسخ واهية نُشبه بعضنا البعض، يمارسون علينا سلطاتهم الذكورية دون مقاومة أو تفكير منا!، ولكني بعد أن أمعنت التفكير، أقتنعت إنه قد تكون هذه  الثقافة هي أحد العوامل المسببة للمشكلة، ولكنها بالتأكيد ليست السبب الوحيد أو حتى الرئيسي لها!

Feb_4_women_protesters-3arabawyكَثير ممن ينتمين للحركة لديهن فهم قاصر لمبادئ النسوية وما تدعمه، لا يعلمن الكثير عن الحركة وأهدافها، هن نسويات اسماً فقط، يُقلدن دون علم أو فكر، معلوماتهن إما ناقصة ومشوشة أو غير صحيحة مما يجعلهن غير قادرات على المناقشة والنقد الحقيقي العميق، كما أن بعضهن يفضلن مصلحتهن الشخصية على حقوق غيرهن من النساء وحريتهن، لذا يركزن على القضايا الفرعية التي تخدم مصلحتهن والتي قد تهمهم وحدهن دون الأخريات ولا يلقين بالاً في كثير من الأحيان للأهداف والقيم الأساسية للنسوية والتي نشأت في الأساس بسببها، لذا هن يتسببن بقصد أو بدون في تأكيد الصورة النمطية التي لا طالما روجها الحاقدون عن النسوية، بل ويساهمن في تضييع كافة الجهود المبذولة لأجل تحسين وضع المرأة في المجتمع ومنحها حقوقها التي تم حرمانها منها قصراً لسنوات عِدة. بالإضافة إلى مُدعيات النسوية هناك أيضاً السينما والتليفزيون الذان لعبا دوراً كبيراً في تأكيد الصورة السلبية “محض افتراءتهم” عن النسوية، حيث مازالت السينما العربية بعيدة كُل البعد عن تصوير النسوية بالشكل الصحيح  الذي يليق بها، فقليل من الأعمال الفنية قدمت صورة حقيقية وعميقة عنها وتناولت قضاياها ومشاكلها بالشكل الذي يليق بها أملاً في تحسين صورتها أو أقل الإيمان عرضها دون تشويه أو تزييف!

أفكر في متى سيُنحي البعض كُل تلك الاعتبارات جانباً ليفكروا بطريقة مُختلفة دون أي تأثيرات أو أحكام مُسبقة؟ ومتي سيملك الرجل الشرقي القدر الكافي من الشجاعة ما يكفي ليُنحي ذكوريته جانباً ويُدرك أن لكُل ثقافة وفكرة متطرفيها الذين لا يعبرون بالضرورة عنها وإنه لا يجب الحكم عن فكرة بأكملها بناء على نسبة قليلة لا تُمثلها بأي حال من الأحوال؟ اتمنى أن يأتي اليوم الذي تختفي منه تلك الصورة النمطية التى لا تعكس الواقع بالمرة، ويفهم الجميع أن النسوية لم تعني يوماً الفجور والعهر، وإنما الحُرية والقوة والمساواة وتحمل المسؤولية وكون أي أمراءة تعتنق الأفكارالنسوية، لا يجعلها هذا بأي حال من الأحوال عاهرة أو فاجرة، إنما امرأة مسؤولة، مُنتجة، عاقلة وإيجابية. أخيراً اتمنى عندما نذكُر النسوية وحقوق المرآة  يتبادر في أذهان الجميع الطبيبة، العالمة، الأديبة والمفكرة، الأم والأخت والأبنة وليست المنحرفة ولا المُعقدة ولا المسترجلة التي تكره جميع الرجال!

31530792_2118869535025007_2375980014135934976_nسلمي محمود

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

 

أضف تعليق