مصريات واجهن تقاليد المجتمع بالتنكر في زي الرجال

السبت ٢٥ مايو ٢٠١٩                 ــ كتبت رضوي حسني

636922806230447761_________________
سعاد حسني ونادية لطفي – فيلم للرجال فقط

تحكي لنا قصهها الكثير عن الصعاب والتحديات التي تواجهها في المجتمع على الدوام، وكأنه كُتب عليها منذ بدء الخليقة أن تحارب من أجل تغيير أوضاعها، وأن تتصدى لكل ما يجابهها من ظروف اجتماعية صعبة. تلك هي المرأة المصرية التي عُرفت بشجاعتها، وقوتها، وقدرتها الهائلة على تحمل المسؤولية التي تُفرضها عليها الحياة بشكل أو بآخر.

ومن أكبر التحديات التي تقابل المرأة هي حرمانها من امتهان بعض الأعمال والوظائف التي يحصرها المجتمع على الرجال فقط، مما يقودها في بعض الأحيان إلى تخليها عن مظهرها الأنثوي للتشبه بالرجال حتى تستطيع مسايرة العادات التي يفرضها عليها المجتمع.

فمن منا لم يشاهد فيلم «للرجال فقط » لنادية لطفي وسعاد حسني؟! والذي تدور أحداثه في إطار كوميدي معبرا عن معاناة المهندسات اللاتي يرغبن في العمل مجال البترول، ولا يجدن الفرصة  نتيجة لرفض المجتمع، وحصره مثل هذه الوظائف على الرجال فقط دون النساء، لتضطر أخيراً المهندستان إلهام وسلوى إلى انتحال شخصية رجلين حتى يتسنى لهما العمل في الصحراء والانخراط  بين الرجال لتتمكنا من اكتشاف آبار بترولية جديدة.

ولأن السينما في كثير من الأحيان هي انعكاس لصورة المجتمع وقضاياه، كانت هذه القضية مستمدة في مضمونها من وحي المجتمع المصري. فهناك الكثير من النماذج النسائية على مر السنين تحاكي بقصص حياتها هذه القضية الاجتماعية، فتستعرض لنا حيلة المرأة في التصرف عكس عادات المجتمع تارة والمشقة التي تتعرض لها داخل المجتمع نفسه تارة أخرى.

2
الملكة حتشبسوت

فالبداية كانت مع الملكة حتشبسوت أول ملكة فرعونية تشارك زوجها في تولي الحكم في مصر القديمة قبل أن تنفرد به عقب وفاته، وهي صاحبة اثنين وعشرين عاماً كاملة ًمن الإزدهار التجاري والمعماري، والتقدم الثقافي والحضاري المصري، والتي فرضت عليها ظروفها أن تظهر إلى شعبها وتخطب فيهم وهي   ترتدي زي الرجال، حتي يتقبل الشعب ان تتولي حكم البلاد، وذلك نتيجة لما كان شائعاً في هذه الحقبة التاريخية، وهو عدم تقبلهم أن تحكم البلاد امرأة، ولكن ذلك لم يمثل عقبة في طريقها بل بقوتها وذكائها تغلبت على هذه الأعراف التي تنال من شأن المرأة.

fullsizeoutput_466d
نبوية موسي

ونبوية موسى التي ناضلت لسنوات من أجل تعليم الفتيات، ونيل المرأة لحريتها، ونادت بالمساوة بين الجنسين، كانت أول فتاة تحصل على شهادة البكالوريا من المدراس المصرية، وأول ناظرة مصرية تتولى إدارة مدرسة ابتدائية. ظلت نبوية موسي طيلة حياتها تفضل التخفي في الزي الرجالي، مرتدية ملابس داكنة مع رابطة العنق بشكل شبه دائم، مغطية شعرها الأنثوي. لا يُعرف سبب واضح لذلك، ولكن من المعروف عن نبوية موسى أنها كانت ترفض الزواج، وقد ذكرت ان فكرتها الرافضة للزواج توطدت عند رؤيتها لأحد المارة يوبخ زوجته بألفاظ بذيئة في الطريق، لذا فربما كان تخفيها في الملابس الذكورية بمثابة الحماية لها من أطماع الرجال، ونظرات المجتمع الموجهة لها، والتي تطالبها بضرورة الارتباط والزواج، وهي تلك الفكرة التي كانت ترفضها تماماً.

ولكن من الغريب حقاً هو أن الأمر لم يتغير كثيراً حتى بعد مرور كل هذه السنين. فالمرأة المصرية لازت كما هي تواجه المجتمع متنكرة في زي الرجال خوفاً مما قد يُصدره عليها من أحكام أو ما يمارسه من تصرفات قد تؤثر سلباً على حياتها الاجتماعية، وهناك الكثير من الحكايات التي تصور لنا معاناة المرأة المصرية المعاصرة، ولجوءها إلى السلاح الأصعب على كل إمرأة للدفاع عن نفسها ألا وهو تخليها عن أنوثتها خوفاً من الطمع بها أو إستضعافها.

Picture4
صيصة ابو الدوح

صيصة أبو الدوح – من مواليد محافظة الأقصر- التي توفي زوجها منذ أكثر من ٤٣ عاماً، وتركها هي وابنتها الصغيرة بلا مصدر دخل ثابت يعينهما على مطالب الحياة، فعزمت على كسب رزقها بنفسها لتربية ابنتها الصغيرة. و لكى تتحاشى  كلام الناس وتتجنب مضايقات الرجال، تخفت في زي رجل، وعملت في مجال البناء، وفي تنظيف أحذية المارة، وعملت في الفلاحة أيضاً. وعلى الرغم من أن ابنتها تزوجت وهي في عمر السادسة عشرعاماً، إلا أن صيصا رفضت التخلي عن زي الرجل، لما ترى فيه سبباً في حمايتها طوال حياتها من المضايقات الذكورية، إلى جانب أنه أصبح جزءً من شخصيتها وهويتها التي أصبح من الصعب عليها  أن تتخلى عنها.

572
بهية – بكار

وهناك بهية التي حولتها ظروفها الاجتماعية البائسة إلى بكار، قصة بهية هي واحدة من  القصص الشاهدة على قوة المرأة المصرية. فبعدما تعرض زوجها لحادث خطير كاد أن يودي بحياته، وفقدت ابنتها على إثر هذا الحادث، قررت العمل كي تُعيل زوجها وأطفالها الصغار. فقامت بقيادة التوكتوك الخاص بزوجها، ونظراً لمتطلبات الحياة الكثيرة، عملت أيضاً في مجال البناء، ومع زيادة المعاكاسات والمضايقات التي كانت تتعرض لها، حولت مظهرها الأنثوي إلى مظهر ذكوري، فحلقت شعرها، وإرتدت الزي الرجالي، وغيرت اسمها من بهية إلى بكار، و ظلت على هذه الحال تعمل وتعيل زوجها وأطفالها الصغار، حتى أنها باعت إحدى كليتيها لتسد ما عليها من ديون. وعلى الرغم من إحساسها بالندم على ضياع سنوات من عمرها مضحية بأنوثتها، إلا أنها لم تكن ترى بديلاً عن ذلك حينها.

Picture 6 png
السيدة فرج الله

وهناك أيضاً قصة السيدة فرج الله، والتي بعد أن أصبحت أرملة وأم لخمسة أطفال أيتام منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لم تجد بد من أن تتحول إلى فرج. ففي بداية حياتها الصعبة، ووفاة زوجها كانت تعمل في الصباح كعاملة نظافة بإحدى المدارس، ومساعدة بالبيوت في المساء، إلا أن ظروف الحياة الشاقة وزيادة عدد أفراد عائلتها بعد أن تزوج عدد من أبنائها معها في نفس البيت، إضطرتها إلى التنكر في زي رجل حتى يمكنها العمل في الفلاحة بأجر يومي بإحدى القرى المجاورة لبلدتها حيث لا يعرفها أحد هناك، وهناك عُرفت بين الناس هناك باسم الحاج فرج. وترى السيدة “فرج الله” أن الفأس بمثابة السلاح الذي واجهت به أزمات الحياة، وأن زيها الرجالي كان الدرع الذي احتمت خلفه من طمع الرجال بها ومضايقاتهم لها

1364696282_642662
سعيدة عبد السيد

وقصص المصريات اللاتي تنكرن في زي رجل ليتغلبن على مشاق الحياة لا تنتهِ، فتخبرنا قصة سعيدة عبد السيد، والبالغة من العمر ٧٤ عاما، الكثير عن حياتها. فهي تلك المرأة التي قضت ستين عاماً كاملة من عمرها تخفي أنوثتها في زي الرجال حتى أصبح هذا جزءً لا يتجزأ من شخصيتها. فبعدما تُوفي والد سعيدة – وكان يعمل مزارعاً بقرية دير البرشا بمحافظة المنيا بصعيد مصر – وهي لا تزال في الرابعة عشر من عمرها لم تجد بداً من اللحاق بأخوتها الصبيان للعمل معهم في الفلاحة من أجل إعالة والدتهم وأختهم، حيث كانت الأرض بمثابة مصدر الرزق الوحيد لعائلتها. وحتى تخفي نفسها عن أنظار الرجال في القرية أثناء عملها في الحقل والذي كان يضطرها في كثير من الأحيان إلى المبيت فيه، أضطرت إلى أن ترتدي الجلباب والعمامة.

وقد حصلت سعيدة على شهادة محو الأمية وهي في العشرين من عمرها، كما أنها تلقت دورة تدريبية في الإسعافات الأولية مكنتها بعد ذلك من العمل كممرضة في الوحدة الصحية بقرية دير البرشا. وقد شهدت عدد من حالات الختان التي تعرضت لها الكثير من فتيات القرية أثناء عملها بالوحدة الصحية حتى كانت نقطة التحول بوفاة إحدى الفتيات الصغيرات إثر تعرضها لهذه الجريمة الشنعاء. فما كان من السيدة سعيدة إلا أن تجرم تلك الفعلة في قريتها الصغيرة مانعة الأهالي من ممارستها عن طريق عقد الندوات التثقيفية والتوعوية، والتي بدأت بها عقب انضمامها إلى الأخوات في الهيئة الانجيلية. فأدى ذلك إلى تدارك الناس خطورة الأمر، وما يحمله من أضرار نفسية وجسمانية يمكنها أن تودي بحياة بناتهم. لذا يرجع الفضل إلى جهود السيدة سعيدة عبد السيد في جعل قرية دير البرشا أول قرية مصرية تقضي على ظاهرة ختان الإناث.

23666605_978100439008106_116312332_n

رضوى حسني خريجة كلية العلوم قسم الكيمياء و باحثة مبتدئة في مجال الكيمياء الحيوية و الهندسة الوراثية.  تهتم رضوي بكتابة المقالات الاجتماعية التي تتناول قضايا المرأة المصرية و العربية و تدعم حقوقها، كذلك تهوي كتابة القصص الروائية.

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق