بين أخي وابني .. تلك رسائلي!

الأحد ٢٣ يونيو ٢٠١٧                       كتبت – سلمي محمود

maxresdefault-2-1.jpg
كاريكاتير للفنان السوري ياسر ابو حامد

“يغلب عليه الطابع الذكوري” هكذا يُمكن توصيف المنزل الذي نشأت فيه، لم يكُن ذكوري بالمعنى السيء للكلمة ولكن لأن عدد الذكور في منزلنا كان يغلب عدد الأناث، فقد كُنت رفقة أمي مقابل ثلاثة من الذكور، من بينهم اثنان يحملان صفة “الأخ”. بالنظر إلى الأمر بدون معرفة أي تفاصيل عن طبيعة العلاقة بيننا بشكل عام، فإنه لا يبدو مُبشراً أو يدعو للتفاؤل على الاطلاق؛ فأن يكون لكِ “أخ ذكر” في مجتمعاتنا العربية وخصوصاً في الطبقات المتوسطة التي أنتمي إليها انا والكثيرات يعني سلسلة لا تنتهي من التحكمات في كُل كبيرة وصغيرة تخص حياتك، ملابسك، علاقاتك، أصدقائك وحتى قرار اختيارك لشريك حياتك، وغيرها من القيود التي قد تحول حياتك إلى جحيم بل وقد تجعلك تبغضى صنف الرجال بأكمله!

اعتبر نفسي من المحظوظات لاني لم اتعرض لمثل تلك القيود، فالعلاقة بيني وبين أخواتي الذكور منذ اليوم الأول مبنية على “الاستقلالية التامة” كلاً منا يعلم حدود علاقته بالأخر، لا تدخلات، لا تحكمات ولا مجال للإجبار على أي شيء، لا يتدخل أي منا في حياة الأخر لا من قريب أو بعيد سوى بالنصيحة “إذا طُلبت”. لم تُشكل فكرة الأخ الذكر مُشكلة تُكدر حياتي يوماً، فباستثناء احتياجي في بعض الأحيان إلى “أُخت” تؤنس وحشتي وتشاركنى أحاديث الليالي الباردة وتكون رفيقتي في المشاوير “النسوية” والتي لا يحبها الرجال بطبيعة الحال، بالإضافة لبعض التحفظات على أرائهم في بعض الأمور والتي أحياناً تتعارض مع ما أؤمن به، كانت الأمور محتملة. لم تكن علاقتي بأشقائي  مُجحفة يغلب عليها نظام الأمر والنهي، بل علي العكس كان لها كثير من الآثار الإيجابية على شخصيتي وطريقة تعاملى في الحياة عموماً، حيث اعطتني الفُرصة بشكل كبير للتعرف على الطبيعة الذكورية عن قُرب بكافة انعكاساتها وتحولاتها وتناقضاتها خصوصاً مع تفاوت أعمارهم وبالتبعية اختلاف طريقة تفكيرهم ونظرتهم للأمور. البعض كان يبرر علاقتنا تلك بأنني الأكبر سنناً لذا فلا مجال لفرض السيطرة ولكني رأيت بعيني أولاداً صغاراً لم ينهوا دراستهم بعد يتحكموا في مصير سيدات كبار تجاوزن الثلاثين من أعمارهن لذا فالأمر ليس له علاقة بالسن إنما بالحدود التي تم إرسائها منذ اليوم الأول بيننا!

كنت دوماً أستمع إلى أحاديث بعض الصديقات أو أقرأ منشوراتهن في الجروبات الخاصة بالبنات وهن يقصصن معاناتهن مع أخوانهن الذُكور وكيف يعشن في جحيم بسبب تحكماتهم وتدخلاتهم في كُل كبيرة وصغيرة تخص حياتهن، قصص وروايات يشيب لها الرأس تدور كُلها حول كلمة ممنوع؛ ممنوع الخروج، ممنوع الحديث مع هذا أو مصادقة تلك، ممنوع السهر أمام التليفزيون أو الحديث على الهاتف لساعات ولا مانع من الأجبار على بعض الأفعال كخدمته، أو خدمة المنزل بأكمله أو حتى الزواج من شخص يرى هو إنه مناسب حتى لو كُنتي تري غير ذلك! الأمر لم يقف عند مُجرد المنع أو الأجبار إنما يتطور أحياناً إلى الضرب أو الحبس وغيره، لا مجال للتخيير ولا لرآيك أهمية هُنا، والحجة دائماً موجودة هو أخوكِ ويخاف عليكِ، يعرف أكثر منك، هو رجل وانتِ بنت، فالعادات والتقاليد الراسخة في مجتماعتنا تمنح الأخ امتيازات خاصة ربما تفوق امتيازات الآب والأم في بعض الأحيان، ويصبح بمقتضاها له الحق في فرض سيطرته وأوامره علي أخته والتحكم بكُل كبيرة وصغيرة تخُص حياتها وليس لها حق الاعتراض أو حتى التأفف! وذلك بمباركة خاصة من الأهل والمجتمع الذين يتفننوا في تبرير كل ما يفعله بصورة مُثيرة للأعصاب!، فإن دخل في علاقة حب مثلاً فهو رجل له الحق في أن يفعل ما يشاء، إنما لو تحدثتِ مع صديقك في الجامعة فستُتفح أبواب جهنم عليكِ وكأنك أجرمتِ، يعود متأخراً دون ضابط أو رابط إنما إن عُدتي بعد الساعة العاشرة ستكوني منحرفة وستتحدث الجيران عنك، يرتدي هو ما يريد إنما انت فيجب أن تنتقي ملابسك وفق أسس وضوابط وضعها هو .. وغيرها من الأمور التي لا مبرر لها سوى كونك بنت وهو ولد!

كُنت دائماً أفكر في وضع هولاء البنات، في مصائرن، في متى سيعشن الحياة التي يريدونها؟ وهل سيعشنها من الأساس أم سيظلن في تلك الدوامة إلى الأبد؟ تمنيت أن أهمس في أذن كُل واحدة منهن واقنعها أن تبدأ بنفسها وتغير حياتها بيدها وألا تسمح لأي أحد مهما كان أن يتحكم في أي شىء يخص حياتها سواها، تمنيت أن امتلك عصا سحرية لأنقذهن من المصير الأسود الذي يعشن به وأمنحهن الحياة التي يستحقنها، ولكن ليس كُل ما نتمناه يسهل تحقيقه!

في البداية كنت اتسائل كيف يصمتن على ذلك؟ كيف يسمحن لأي شخص مهما كان أن يُشكل مسار حياتهن كما يريد دون أي اعتراض؟ أليس في قاموسهن كلمة لا؟ أليس فيهن من تستطع قلب الطاولة وترفض التحكم في مصيرها بأيدي غيرها وتعيش الحياة التي اختارتها برغبتها؟ فكرت في كُل هذا للحظات ثم عُدت لأرض الواقع وعلمت أن هناك الكثير من البنات لا يستطعن قول لا ليس ضعفاً منهن ولكن بسبب السلطات المفروضة عليهن قهراً بمباركة الأهل والتفسير الخاطئ للدين والاحتياجات المالية لهن كون الذكور يتحملوا فكرة “الأنِفاق” في بعض الأسر. كُل هذا يجعل مصائرهن ليست في أيديهن ليصبحن وفقها مُجرد ظلال باهتة، هامشية قابعة تحت التسلط والتحكم الذكوري، وتصبح حياتهن سلسلة لا تنتهي من التحكمات بدءاً من تدخلات الآباء مروراً بسيطرة الأخوات وحتى القيود التي يتم فرضها عليهن من أزواجهن، ليجدن أنفسهن مجرد عرائس ماريونت يحركها كل من يحمل لقب “ذكر”!

فكرت كثيراً ووجدت أنك إن لم تستطع تغيير الماضي فلا بأس أن تحاول مع المستقبل! لذا قررت أن استغل الشئ الوحيد الذي أعرفه وهو أن اكتب، فكرت في البداية في كتابة نصيحة لكل أخ لعله يهتدي ولكني تراجعت وقررت البدء من الصفر وتوجيه النصيحة للابن فهو أساس كل شىء هو من سيكون أباً، وأخاً وزوجاً بعد ذلك، كما أن الأم في نظري تلعب الدور الأهم في تشكيل طباع وسوكيات ابنائها سواء بالقول أو الفعل.  الأم هي من تدفع أولادها ليكونوا أسوياء يعلم كلا منهم حقوقه وواجباته والا يتعدى على اختصاصات غيره، أو يصبحون أشخاصاً بغيضة يعتدون على حقوق غيرهم ويسوقون لذلك الالاف الحجج والمُبررات الكريهة!، لذا إلى ابني المستقبلي الذي لا أعلم اسمه ولا موعد ولادته ولا من سيكون شريكي في إنجابه ولا حتى أعلم إن كنت سأرزق به أم لا إليك رسائلي إن لم تكن لك فلتكن للكثيرين مثلك!

أريدك أن تكون “رجلاً” وليس ذكراً، فالفرق بينهما كبيراً جداً يا عزيزي، فما أكثر الذكور في مجتماعتنا ولكن الرجال قليلون! فالرجولة لم تعني يوماً العنف والقسوة والغلظة وفرض السيطرة بالقوة لكن بالعكس فالحنان والحب والشعور بالآخر واحترام الغير وإعطاء كُل ذي حق حقه هي قمة الرجولة!

كونك ولدت ذكراً أيضاً لا يعطيك أي امتيازات إضافية ولا يعفيك من أي مسؤولية، ولا يجعلك تجلس واضعاً قدماً على قدم لتجعل الأخرين يتولون شؤونك بحجة إنك رجل وهن أناث! فالكل متساوً في الحقوق والواجبات، لا يوجد ما يسمى بمهام مُخصصة للنساء وأخرى للرجال إنما الحياة عباراة عن شراكة مبنية على التعاون والمشاركة، فالحياة تستقيم عندما يتشارك الطرفان في كل شىء وتفسد عندما تُلقى كل الأعباء على طرف واحد بينما الأخر ينظر إليه من بعيد ويبتسم!.

كونك وُلدت ذكراً فهذا لا يعطيك الحق في الأجبار والضغط وفرض السيطرة بالقوة، فليست هناك وصاية من شخص على أخر فلكل شخص الحق في تقرير مصيره واختيار نمط حياته بالصورة التي يفضلها طالما لا يؤذي غيره ولا يعتدي على حريته، فالله يا عزيزي خلقنا أحراراً ولم يجعل له أوصياء في الأرض ليتولوا شؤون الأخرين ويقرروا مصائرهم دون رغبتهم! وبدلاً من التحكمات والقيود أريدك أن تكون لهن سنداً قوياً يتكئن عليه ويلقين بحمولهن على عاتقه، مصدر أمانهن وصديقهن الذي يلجئن إليه هرباً من مصاعب الحياة، يفضين إليه بكل شىء دون خوف أو قلق، تقف في وجه من يضايقهن ويحاول تضييع حقوقهن، تحارب لأجلهن وليس ضدهن، تقف بجوارهن لتحقيق أحلامهن وليس بوجههن، تعتبر نجاحهن من نجاحك بل تفخر به ربما أكثر مما تفعل لنفسك، ببساطة أريدك أن تكون رجلا لهن، وليس عليهن!

فلتعلم يا عزيزي أن تكون نسوي فهذا لا ينقص من رجولتك ولا يسلبك أيا من حقوقك مثلما يروج البعض إنما يُعلى من شأنك ويرفع قدرك في أعين الجميع، مساندتك للمرأة يثبت كونك انسان سوي يحتفظ بأدمتيه، شهم، حُر، لا يرضي أن يبخس حق إنسان لمجرد اختلاف جنسه، لا يصمت عن الحق ولا يرفع عينه عن الخطأ، يؤمن بحرية كُل انسان وحقه في اختيار طبيعة ونمط الحياة الذي يريدها دون إجبار أو قيود! أن تكون نسوي يعني أن تكون انسان يُعادي الظلم والقهر، رافضا للتحرش والتنمر وكل ما شابه، انسان يعترف بالمساواة في الواجبات قبل الحقوق ويمقت التعدي على حريات الأخرين، يرفض الاجبار ويعترف بالمناقشة والحوار. مساندتك للمرأة يجعل منك أخ صالح يحترم أخته واختياراتها ويكون لها السند والصاحب والرفيق؛ وزوج مُحب، داعم لزوجته يساندها ويقف بجوارها ويقدرها ويُعلى من شأنها أمام الجميع؛ وأب حنون يشجع ابنته على تحقيق طموحاتها ويفخر بها أمام الجميع أياً كانت الظروف!

أخيراً عليك أن تعلم يا عزيزي أن المرأة هي رفيقتك وشريكتك في تلك الحياة، هي الأم التي جاءت بك إلى الدنيا وبذلت الغالي والنفيس لتصبح ما أنت عليه الآن. هي الزوجة التي تُزين حياتك وتملأ أوقاتك بهجة وحباً وتُعينك على تقبل مرار الحياة ومصاعبها. هي الأخت رفيقة الطفولة والصبا وعكاز الشيخوخة. هي الابنة التي تُنسيك الدنيا وما فيها عندما تبتسم وتربت على كتفك. المرأة هي رفيقة الدرب وروح الحياة.. شريكة أمس واليوم وغداً.

31530792_2118869535025007_2375980014135934976_nسلمي محمود

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق