مع ختام حملة الـ ١٦ يوم لمناهضة العنف ضد المرأة: كُلنا مُذنبون

الثلاثاء ١٠ ديسمبر ٢٠١٩                    ــ كتبت سلمي محمود

Clipboard02
Via Black Mirror

المشهد الأول:

اختطفت فيكتوريا بمساعدة خطيبها طفلة صغير إقتادوها نحو الغابة تحت التهديد ثمنفذا جريمتهما، تعذيب متواصل، حرق، قتل، إخفاء الجثة وأخيرًا الفرار بعيدًا عن موقع الجريمة…

هكذا يمكن تلخيص المشهد.

ساهم كلاً منهما في تعذيب الطفلة بطريقته الخاصة، فالخطيب هو من نفذ الجريمة بأكملها، بينما فيكتوريا اكتفت بالصمت والابتسام وتسجيل مشهد الجريمة من خلال كاميرا هاتفها المحمول، وكأنها تشاهد حلقة من مسلسلها المفضل! لم يرحما ضعف الطفلة الصغيرة، لم يستجيبا لتوسلاتها، بل نفذا جريمتهما بوحشية تامة دون نظرة عطف أو شفقة تجاهها، وهي التي لم تعرف ماذا فعلت ليكون جزائها العقاب حتى الموت!

المشهد الثاني:

تستفيق فيكتوريا من نومها لتجد نفسها في منزل مجهول لا تدري ماذا تفعل به ولا كيف وصلت إليه من الأساس، لحظات لتكتشف إنها ليست تائهة فحسب إنما أيضًا فاقدة للذاكرة!، تخرج محاولة البحث عن إجابات للأسئلة التي كادت أن تفتك بعقلها ولكنها بدلاً من العثور على رجابات، تتعرض لأحداث جديدة أكثر غرابة. يطاردها أشخاص ترتدي أقنعة غريبة الشكل دون أن تعرف السبب، بينما يقف المارة على جانبي الطريق يُمسك كلاً منهم بهاتفه ضاغطا بضعة ضغطات متتالية لتصوير المشهد دون أي تدخل أو مساعدة.

ينتهي المشهد بإطفاء الأنوار معلنة مفاجأة كُبرى في انتظار فيكتوريا!

المشهد الثالث:

تُضاء الأنوار مرة أخري لتجد فيكتوريا نفسها جالسة على خشبة المسرح مُقيدة الأيدي بينما يقف بجوارها كل من قابلتهم في طريقها، بالإضافة لشخص أخر مجهول هو من سيفسر كل ما حدث لها على مدار اليوم، والذي بدلاً من تخفيف صدمتها سيصدمها بحقيقة أكثر قسوة وغرابة!

“مسرحية تنتمي إلى طابع الرُعب الواقعي” هكذا يمكن تلخيص الأمر، مسرحية كان الجميع يؤدي فيها دورًا تمثيليًا بينما فيكتوريا تلعب الدور الواقعي الوحيد، مسرحية يُمكن تسميتها الجزاء من جنس العمل، فلم تكن سوى عقاب لفيكتوريا على فعلتها الدنيئة تجاه الطفلة، ولكنه عقاب من النوع القاسي الخالي من الشفقة والرحمة، عقاب ينص على تكرار نفس تفاصيل فعلتها ثم مسح ذاكرتها ليتم إعادة الكَرة من جديد كل يوم دون توقف!

D89tAMvWkAEIKPp
Via Black Mirror

عقابًا يبدو مُنصفًا تمامًا حتى وإن كانت فعلتها أقل دنائة من تصرف صديقها، فإن فقد هو انسانيته أين ذهبت انسانيتها؟ لما لم تحاول ردعه أو إيقافه أو حتى تُبدى امتعاضها على فعلته بدلاً من مشاركته الجريمة بصمتها وبقائها مبتسمة، بل وأيضا توثق تعذيبه وكأنه شيء يستحق أن تحتفظ به على ذاكرة هاتفها، ها هي الآن تعاني نفس ما عانته الصغيرة التي فتحت أعينها لتجد أشخاص مجهولين يطاردونها ثم يعذبونها حتى الموت دون أن تدري السبب. تتذوق فيكتوريا من نفس الكأس بنفس الطريقة!

هذه أحدى حلقات مسلسل بلاك ميرور، والذي ألقى الضوء في تلك الحلقة على قضية هامة منسية بتفاصيل اليوم وأفكار الغد! تلك الحلقة فتحت النقاش حول جانب مهم مُهمش من جوانب العنف، ووضعت نصب أعيننا طرف هام من أطراف تلك الجريمة، وهو  “شريك جريمة العُنف”.

الشريك في جرائم العنف يتم إغفال دوره أحيانًا وتناسي جهوده عند ذكر مقادير وجبة العنف رغم إنه مكون أساسي في صنعها، هو طرف يعتبره البعض “الحلقة الأضعف في دائرة العُنف، وقد لا يشعر البعض الأخر بوجوده من الأساس، فجريمة العنف من وجهة نظرهم تتكون من وجهان فقط؛ الممارس والمتلقي، ولكن عكس ذلك تماما، الشريك في جريمة العنف هو أيضا طرف رئيسي في القضية ولاعبًا أساسيًا في صفوف الفريق!

شركاء جرائم العنف، أنت تعرفهم جيدًا، هم من نجدهم حولنا بأوجه مُختلفة وتفاصيل مُغايرةً، شخصيات قد نعرفها معرفة وثيقة، أو وجوه عابرة مرت في طريقنا، وقد لا نُميز وجوههم إن لاقيناهم مرة أخرى. هؤلاء هم من جسدت فيكتوريا نموذج منهم، ولكنه مازال هناك المزيد منهم!

فيكتوريا هنا لا نتحدث عنها باعتبارها شخصًا عاديًا مارس فعلاً شنيعًا ونال جزاءا قاسيا، بل هي تمثل طرفِا قد يكون شريك دائم في كل عملية عنف؛ طرف يساند المُعنِف ويعينه على تنفيذ جريمته، وأحيانًا يكون بمثابة الوقود الذي يشعل الشرارة الأولي للجريمة. شركاء جريمة العنف هم مَن صمتوا عن قول الحق رغم أن مُجرد كلمة منهم كانت ربمًا لتُغير الكثير، هم من وجدوا أعذارا للمعنف وسوقوا له الحجج والتبريرات. هم ربما من نطقوا ولكنهم كانوا أقرب الي الذي سكت ضهرًا ونطق كُفرًا، وكان هراءهم مقيتًا للحد الذي جعلنا نتمتم يا ليتهم بقوا صامتين!، هم المُذنبون دون ذنب ظاهر، من ارتكبوا جريمة العنف دون أن تُلوث أيديهم بدماء المُعنَف، ولكنها في الحقيقة لُطخت بما هو أقسى من الدماء، فالخزي والعار كان من نصيبهم، وستطاردهم لعنته إلى حيث تنتهى أرواحهم. هؤلاء اعتقدوا إنهم خارج اللُعبة ولكنهم كانوا أقرب لصانع الألعاب الذي سيعجز مهاجم الفريق عن إحراز الأهداف!

رجال، أناث، أطفال أو حتى كبار السن، قد تختلف تفاصيلهم ولكنهم يتفقون في كَم الإيذاء النفسي والمعنوي الذي يتسببون فيه بقصد أو بدون، فالبعض يمارس فعل العنف بكامل إرادته في الخفاء، لتظل أيديهم نظيفة أمام الناس، غير ملطخة بدماء جريمة العنف، أما الأخرون أمثال فيكتوريا، يعتقدون إنهم خارج قفص الاتهام، لا يشعرون بجريمتهم ولا يعرفون أنهم يشاركون في جريمة العنف حتى دون ممارسة الفعل ذاته!

فما بين داعم ومساند ومتفق مع جريمة العنف الأمثلة تبدو كثيرة!

السيدات في المواصلات العامة ممن يديرن وجهوهن عن واقعات التحرش و يصممن آذانهن لصرخات وأهات الفتيات المُتحَرش بهن، بل وقد يظهرن الدعم والمساندة للمتحرش، يسوقن التبريرات التي تدعم موقفه ويلومن الفتيات إما على ملابسهن أو طريقة كلامهن أو غيره، ويخرسن ألسنتهن إن نطقن وحاولن الدفاع عن أنفسهن!

الأمهات اللاتي يغلقن أعينهن عن العُنف المُمارس ضد بناتهن سواء من أبائهن أخواتهن الذكور، بل ويملئن أذانهن بأحاديث واهية تحت شعار “أنتِ بنت وهو ولد”، فعليها تقبل العنف بنفس راضية أما إن تصرفت عكس ذلك فسيكون العقاب من نصيبها!

زملاء العمل الذين يغمضون أعينهم عن الظلم الواقع على أحدى زميلاتهن ربما طمعًا في ترقية أو زيادة مالية أو لعدم تقبل وجودها من الأساس، لذا يتصيدوا الفرصة لإزاحتها عن طريقهم، أو ربما حتى لا تصيبهم مقصلة الظلم أيضًا إن تدخلوا!

المارة على الطريق الذين لا يعيرون جرائم العنف الواقعة أمامهم اهتمامًا، يضحكون دون أي تدخل أو مساعدة وكأنها نكتة وليست جريمة!

القريبة التي تسمع أحاديثهن السيئة عنك دون أي رد فعل سوى الصمت والابتسام … المشاركين في حملات التنمر على صفحات السوشيال ميديا … وهؤلاء الذين يدعمون أحاديث المتنمرين بالتصديق على كلامهم إما بالإعجاب أو التشجيع أو غيره! وغيرهم الكثيرين.

لذا، مع ختام حملة الـ ١٦ يوم مناهضة العنف ضد المرأة أتمنى أن يعى الجميع ما قد يسببه فعل صغيرـ يحدث عن قصد أو بدون ـ من تأثير ضخم قد يتجاوز حتى مُخيلتهم، فعل قد يوازي عود ثقاب صغيرمشتعل، تعتقد إن تأثيره طفيف ولكنه قد يتسبب في إشعال حريق ربما تفشل المئات من عربات الأطفاء في إخماده!

إن كان يُعجبك دور عود الثقاب هذا فهنيئًا لك، أنت أيضا. صغر حجم مشاركتك لا يمنع كونك شريك في الجريمة، أما إن كنت تعتقد انه قد زُج بك في تلك الجريمة، فاحترس من الوقوع شريكا بها، وتذكر أن الصمت قد يتسبب في ضياع حق.

وأخيرًا، اذا كانت فيكتوريا عُوقبت على فعلتها بعقاب شديد القسوة، خالي من الشفقة والرحمة ردًا على فعلتها تجاه الطفلة الصغيرة، متى يُعاقب من هم على شاكلتها في حياتنا الواقعية، عقاب مُنصف عن مُجمل أعمالهم؟

هذا هو السؤال الذي أتمنى أن أحصل على إجابته يومًا..

31530792_2118869535025007_2375980014135934976_nسلمي محمود

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق